الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد ... فلقد شاء الله تعالى أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض , و يحمله أمانة إعمارها، و إقامة حكم الله فيها ... ونظرا لخطورة هذه الأمانة، و أهمية ذلك الاستخلاف, بحيث أشفقت منها السموات والأرض، و اعتذرت عن حملها راسيات الجبال، فقد شاءت إرادة الله أيضا, أن يكون بناء الإنسان الروحي والمادي على مستوى هذه المسؤولية العظيمة ..
ولذلك فقد عني المنهج الإلهي بالإنسان عناية فائقة، و أعطى الأهمية البالغة لبنائه الروحي و الفكري و العقائدي, و أكد على سلامته النفسية و الجسمية, و حرص على وقايته من كل ما من شأنه أن يسبب له الانحراف و المرض, و شرع له كل ما هو ضروري لسلامة حياته و ديمومتها ...
ولا نتعد الحقيقة إذا قلنا: بأن ما ورد في القران الكريم من تشريعات, وما ذخرت به سيرة المصطفى (ص) من ممارسات و تطبيقات، إنما هي قوانين للحياة, و التزامها يعني سعادة البشرية، و وقاية المجتمع الإنساني كلِه من المرض و الخطيئة و الشقوة ( مأخوذة من الشقاء) ...
وصدق الله العظيم القائل : (( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ما يحيييكم)) الانفال : (24) ومن هذه التشريعات العظيمة تشريع ((الصوم)) وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة, وردت فرضيته في الكتاب والسنة والإجماع .. و الصوم عبادة خالصة لله تعالى, و الهدف الرئيسي منها تقوى الله، و تزكية النفس المؤمنة ... قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) البقرة (183)
و للصوم أثر كبير في إراحة الجهاز الهضمي المتعب طيلة أيام السنة, حيث أن صيام شهر في السنة يعني إراحة الجهاز الهضمي بمعدل يوم واحد كل اثني عشر يوما, كما أن فيه حث على الاستفادة من مخزون الشحوم و المواد الأخرى الزائدة في الجسم, حيث يفقد الكبد و الطحال و العضلات، مثلا ، ما يتراوح بين 30-60% من المواد المخزونة و الفائضة فيها. و نقف بإجلال و إعجاب أمام القول المعجز للنبي الأمي محمد (ص) (( الصيام جُنَّة )) والجُنّة: هي الوقاية من الأمراض وغيرها ...
وما أكثر الحالات المرضية التي نعالجها بالصوم, سواء كان صوما جزئيا - عن نوع من الأطعمة أو أكثر - أو صوما كليا ليوم أو بعض يوم.
كما نفعل في حالات الإسهال: حيث نمنع المريض من تناول الأطعمة الصلبة و الدسمة و نبقيه على السوائل و الماء لساعات عدة، وذلك لإراحة الجهاز الهضمي حتى يستعيد صحته ويعود إلى طبيعته.
أو كما نفعل مع مرضى ارتفاع الضغط الدموي: فنمنع عنهم الأملاح الزائدة والدهنيات.
أو مع مرضى السكري: فنمنع عنهم الحلويات الزائدة ... الخ
ومن الحقائق الثابتة لدينا والتي يعرفها كل طبيب يعمل في البلاد العربية و الإسلامية التي يصوم غالبية أهلها بحمد الله, أن عدد مراجعي المستشفيات و العيادات يقل بصورة ملحوظة في شهر رمضان المبارك من كل عام. اللهم إلا حالات محدودة من المفرطين في الطعام, المكثرين منه عند الإفطار, ممن لم يستوعبوا حكمة التشريع أصلا، أو الذين غيروا نمط حياتهم فصار عندهم الليل نهارا، و النهار ليلا ...!
و نقف مرة أخرى بإجلال و إعجاب أمام إعجاز النبي الأمي محمد (ص) الذي يقول : ((صوموا تصحّوا )) رواه الطبراني في الأوسط و أبو النعيم في الطب النووي. فلقد أثبت الطب أهمية الصوم في الصحة فعلا، فمن أين له أن يعرف هذه الحقيقة الراسخة قبل أكثر من أربعة عشر قرنا. و صدق الله القائل : (( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحى )). و في هذه الدراسة سأركز على صيام الأطفال، لما لها من أهمية بالغة، و أود أن أتناول الموضوع من عدة زوايا:
فمن حيث المبدأ يجب أن نقرر حقيقة شرعية هامة، بأن صيام رمضان لا يجب على الطفل الصغير حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399). ومع ذلك، فينبغي أمر الصبي بالصيام حتى يعتاده، و الله يثيبه على الأعمال الصالحة التي يفعلها، وهذا من فضل الله وكرمه.
و السن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَده بعض العلماء بسن العاشرة. و ممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه: عطاء و الحسن و ابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي.
ولقد كان هذا هو هدي الصحابة الكرام رضوان الله عليهم مع أولادهم، يأمرون من يطيق منهم بالصيام، فإذا بكى أحدهم من الجوع دفعت إليه اللعب ليتلهى بها. لكن لا يجوز الإصرار عليهم بالصيام إذا كان يضرهم بسبب ضعف بنيتهم أو مرضهم. بل إذا ثبت من الناحية الطبية أن هذا الصوم يضر بالطفل فإنه يمنع منه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى منعنا من إعطاء الصغار أموالهم خوفا من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن نمنعهم منه، ولكن المنع يكون بالإقناع لا بالقسوة.
و يمكن للوالدين تشجيع أولادهم على الصيام بإعطائهم هدية في كل يوم، أو بتذكية روح المنافسة بينهم وبين أقرانهم.
و يمكن تشجيعهم على الصلاة أيضا بأخذهم إلى المساجد للصلاة فيها، و بخاصة إذا خرجوا مع الأب و صلوا في مساجد متفرقة في كل يوم.
و كذلك يمكن تشجيعهم بمكافأتهم على ذلك، سواء كانت المكافأة بالثناء عليهم و مدحهم، أو بإخراجهم للتنزه أحيانا، أو شراء ما يحبون و نحو ذلك.
و للأسف يوجد تقصير عظيم من بعض الآباء والأمهات تجاه أولادهم في هذا التشجيع، بل تجد في بعض الأحيان الصد عن هذه العبادات. و يظن بعض هؤلاء الآباء والأمهات أن الرحمة و الشفقة تقتضي منعهم من الصيام و الصلاة، وهذا خطأ محض من حيث الشرع، ومن حيث التربية.
و يمكن للوالدين شغل أوقات أولادهم بقراءة القرآن و حفظ جزء يسير منه، و كذلك بقراءة كتب تناسب أعمارهم، و إسماعهم أشرطة متنوعة كالأناشيد التي تجمع بين الفائدة و المرح، و إحضار الأشرطة المرئية المفيدة لهم.
ثانيا: صيام الأطفال من الناحية الطبية
يبدي بعض الصغار حماسة تجاه محاولات الصيام في رمضان، أسوة بوالديهم و أشقائهم الكبار، فتراهم قد عزموا أمرهم على الصيام على الرغم من صغر أعمارهم، و غضاضة أجسامهم.
وقد يسمح بعض الآباء والأمهات لأطفالهم بالصيام طوال شهر رمضان ليعتادوا على أداء العبادات، وهذا شيء جيد. و لكننا نود تنبيههم إلى مسائل طبية هامة، متعلقة بأجسام الأطفال الغضة، و التي لا بد من مراعاتها لضمان عدم تأثر صحة الطفل خلال تلك الفترة.
و يجب أن نتعامل مع مسألة صيام الطفل بشيء من الضبط و التنظيم و المراقبة وذلك من خلال الملاحظات التالية:
عدم السماح للطفل بصيام الأيام التي لم يتناول في ليلتها طعام السحور، إذ لا بد من الحرص على تناول السحور بحسب ما جاء في السنة النبوية المطهرة، وذلك قبل الفجر، و ليس بتأخير وجبة العشاء، ومن ثم احتسابها سحورا، كما يحدث في بعض الأسر، إذ أن ذلك سيزيد من طول الفترة الزمنية التي يمتنع الطفل خلالها عن الطعام و شرب السوائل، لتصل في بعض الحالات إلى نحو عشرين ساعة، مما قد يتسبب بإجهاد الطفل و تأثر صحته بسبب تعريضه للجفاف، أو نقص حاد في مستوى السكر.
عدم السماح للطفل الذي يقل عمره عن عشرة أعوام بصيام شهر رمضان كاملا، فالهدف من السماح للأطفال بالصيام هو التدرج معهم ليعتادوا على أداء الفروض و القيام بالعبادات وليس إسقاط الفريضة، لأن صيام رمضان ليس مفروضا عليهم كما رأينا في الفقرة السابقة، خصوصا عند الحديث عن أطفال السادسة و السابعة، فهم قد لا يجدون في أنفسهم القدرة على القيام بهذا الأمر، إلا أنهم يصرون على استكمال الصيام كنوع من الغيرة و التقليد، و حتى لا ينعتهم أقرانهم و إخوانهم الأكبر منهم بأنهم من "المفطرين". لذا لا بد من توجيههم بشكل سليم، و السماح لهم بصيام بعض أجزاء اليوم، أو بعض أيام الشهر.
ومن العادات المحببة ما يعرف عندنا في بلاد الشام "بصوم العصفورة" حيث يصوم الطفل من الفجر وحتى آذان الظهر، ليتناول الطعام و الشراب طوال فترة ما قبل العصر، ومن ثم يستكمل الصيام حتى المغرب، و يجتمع مع أفراد العائلة وهو يشعر بأنه قد صام كالكبار، فاستحق على ذلك الجلوس إلى المائدة الرمضانية معهم.
و يجب أن نعلم بأن قدرة الأطفال الذين ينتمون إلى نفس الفئة العمرية - على الصيام - تتفاوت تبعا للعديد من العوامل مثل: بنية الطفل نفسه، و حالته الصحية، و نوع الفصل من السنة الذي جاء فيه رمضان. فصيام رمضان خلال فصل الصيف يترافق و نقص السوائل في أيام الحر، مما قد يعرض الطفل للجفاف. كما أن قدوم رمضان في أيام البرد القارص، يزيد من حاجة الطفل إلى تناول الطعام و الاستعداد للصيام بتناول وجبة سحور جيدة، وذلك نتيجة لارتفاع معدل الاستقلاب في الجسم خلال تلك الفترة بسبب البرد. و تزامن قدوم رمضان مع بدء العام الدراسي، يعرض الطفل لبذل جهد ليس بالقليل خلال ساعات النهار منذ الصباح وحتى الظهيرة.
و يجب انتباه أولياء الأمور لأية علامات قد تدل على انخفاض مستوى السكر بشكل كبير عند الطفل مثل ارتجاف الأطراف، أو بدء تأثر إدراكه (الوعي) لما حوله، وهنا يتوجب "تفطير" الطفل قبل تعرضه لمخاطر صحية مثل صدمة نقص السكر.
كما أن علامات إصابة الطفل بالجفاف تشير إلى ضرورة إعطاء الطفل السوائل، و إقناعه بأنه سيستأنف الصيام في اليوم التالي.
و نحذر من السماح للأطفال المصابين بالأمراض المزمنة (مثل مرضى الربو، و أمراض الكلى المزمنة و التهاباتها المتكررة، التي تحتاج إلى سوائل باستمرار، و أمراض الدم المزمنة مثل التلاسيميا و فقر الدم المنجلي و بعض أمراض الدم الأخرى، و أمراض القلب التي تحتاج إلى علاج بانتظام. و أمراض أخرى يحددها الطبيب كالأمراض الخبيثة و الأمراض الحادة المفاجئة التي تحتاج إلى علاجات خاصة وكمية سوائل كافية للجسم) كل هؤلاء نحذرهم من الصيام طوال ساعات النهار، إذ قد يصابوا بالجفاف بسبب نقص السوائل، فيؤثر ذلك في حالتهم الصحية.
كما أن السماح للأطفال من مرضى السكري - النوع الأول بالصيام، قد يهدد صحتهم، كما قد يفضي ذلك إلى الهلاك في بعض الأحيان، بسبب انخفاض تركيز السكر لديهم إلى مستويات خطيرة.
أما الأطفال المصابين بالسمنة أو ممن يعانون من زيادة في الوزن، فيملكون الفرصة للتقليل من أوزانهم خلال فترة الصيام، ولا يتم ذلك إلا عند التنبه إلى عدم تناول كميات كبيرة من الطعام في وجبة الإفطار، معوضين بذلك ما فاتهم من الوجبات في وجبة واحدة.
ومن الأمور المهمة في تنظيم صيام الأطفال، هي الحرص على تطبيق السنة النبوية الكريمة في تعجيل الفطور، و تأخير وجبة السحور قدر الإمكان، وأن تكون هذه الوجبة غنية بالمواد النشوية حتى تمد الطفل بالطاقة و النشاط فترة النهار، و تحافظ على مستوى السكر في الدم، و تحميه من أعراض الصداع و الإرهاق. كما يجب أن تحتوي على الحليب أو مشتقاته لإعطاء الطفل احتياجاته الأساسية من الكالسيوم . و يجب الإقلال من المخللات و الأغذية الغنية بالدهون و الحلويات في وجبة السحور، لأنها تزيد من إحساس الطفل بالعطش في الصيام.
كما يجب أن نذكر بان الصيام يعد فرصة ذهبية للبدء في العادات الغذائية الصحية، و التعود عليها من قبل جميع أفراد الأسرة، وذلك لأنهم يجتمعون على الوجبات الغذائية في وقت واحد، وهنا يأتي دور رب الأسرة في تعليم الأبناء و توعيتهم بخصوص آداب الطعام و الغذاء الصحي، بالإضافة إلى تقليل اعتمادهم على الأغذية السريعة و الجاهزة و المصنعة.
وأخيرا، وحتى نحقق الطريقة المثلى لتناول طعام الإفطار بالنسبة للطفل الصائم، فإننا ننصح بالتدرج في تقديم الأطباق له، وهذا ينطبق على الصغار و الكبار، ولكنه في الصغار أكيد، ولا يجوز تركه ليقوم بتناول كامل الوجبة دفعة واحدة، فقد ينتهي ذلك بتعرضه لاضطرابات معوية.
و بحسب خبرتنا الطبية، فإن أغلب الأطفال الذين يراجعون العيادات و أقسام الطوارئ خلال شهر رمضان المبارك، هم من الصائمين الذين لم يلتزموا بحكمة الصيام، فأسرفوا في تناول الطعام على مائدة الإفطار، وفي دفعة واحدة، مما تسبب لهم في تلبك معوي، و مشاكل هضمية، ولذلك فإن واجب الأهل هنا هو النصيحة للأطفال الصائمين، و الحد من اندفاعهم و نهمهم على وجبة الإفطار.
كما نؤكد على وجوب تقديم وجبة إفطار متوازنة، تحتوي على النشويات و البروتينات و الدهون غير المعقدة و الفواكه و الخضراوات، بحيث تمنح الطفل كافة احتياجاته الغذائية.
و نشجع الطفل الصائم على تناول الفواكه، و شرب الماء أو العصائر خلال الفترة ما بين وجبة الإفطار و صلاة التراويح و النوم إلى وقت السحور، لتعويض ما فقده من فيتامينات و سوائل خلال يوم طويل و حافل.
ولا مانع من استخدام أقراص الفيتامينات لتوفير احتياجات الطفل من هذه العناصر الهامة إذا كان ذلك ضروريا.
و ننصح الأمهات بضرورة ضبط نشاط الطفل في أثناء ساعات الصيام، فيقلع تماما عن الأنشطة البدنية العنيفة (مثل الجري و لعب الكرة و غيرها) التي تزيد من إحساسه بالعطش و الجوع نتيجة ازدياد حاجة الجسم إلى الماء و السعرات الحرارية لمواجهة هذا المجهود العضلي الزائد. و التركيز بدلا من ذلك على شغل وقت الطفل بألعاب مسلية، و أنشطة هادئة تعتمد على المجهود العقلي كألعاب الكمبيوتر و القراءة و مشاهدة التليفزيون.
و فيما يلي نقدم نموذجا لوجبات غذائية متوازنة، يمكن تقديمها للأطفال الصائمين في رمضان عند الإفطار والسحور:
وجبة الإفطار:
حبات من الرطب أو التمر
طبق صغير من شوربة الخضار أو العدس أو الفريكه
طبق صغير من سلطة خضار طازجة
قطعة لحم متوسطة، أو ربع دجاجة صغيرة الحجم، أو شريحة سمك متوسطة
طبق متوسط من الأرز أو المعكرونة أو نصف رغيف.
ما بين الإفطار و السحور:
كأس عصير فاكهة من فاكهة الموسم
قطعة من الحلويات الشرقية أو كعكه
طبق صغير من الأرز باللبن أو المهلبية
وجبة السحور:
سلطة خضار
بيضه أو ملعقة كبيره من سلطة الحمص أو 2 ملاعق لبنة
لبن أو حليب
ملعقة زيت زيتون
نصف رغيف من الخبز
كاس عصير من فاكهة الموسم
قطعه صغيره من الحلاوة ، أو ملعقة صغيره من العسل
ثالثا: صيام الأطفال والعادات الاجتماعية
في البلاد العربية تتنوع العادات التي تهدف إلى تشجيع الأطفال على الصيام، و تحبيبهم فيه، و مساعدتهم على تحمل الجوع و العطش طوال النهار أو على الأقل جزء منه. و تنتشر فكرة جعل الأطفال يبدءون بصيام جزء فقط من النهار يزداد تدريجيا ليصل إلى النهار كله في العديد من الدول العربية مع اختلاف في الطريقة وفي المسميات.
فعندنا في بلاد الشام يطلقون عليها ( صوم العصفورة ) كما ذكرنا ، أو "درجات المئذنة"؛ لأن الطفل يتعود على الصيام تدريجيا كما لو كان يصعد المئذنة درجة درجة. فيبدأ الأطفال الذين في عمر خمس سنوات أو أكثر بالصيام إلى الظهر، وإذا وجد الأهل لدى الطفل المقدرة على تحمل الجوع و العطش تتم زيادة فترة الصيام إلى العصر ومن ثم إلى المغرب. و عندما يتمكن الطفل من صيام يوم كامل تقيم له العائلة ما يطلق عليه "فطورية" حيث يشتري له الأهل جميع الحلويات التي يحبها و يقدمونها له قبل الإفطار و يخبروه أنه سيتمكن من تناولها بعد المغرب، فتعطيه دفعة معنوية هائلة تمكنه من الصبر على فترة قبل الإفطار الصعبة. وعند الإفطار يقيمون له احتفالا صغيرا.
أما في العراق فيسمون هذه الطريقة في الصوم "صوم الغزلان"
وتستخدم هذه الطريقة مع الأطفال الذين هم في سن المدرسة، و الذين يرغبون في الصيام، حيث يقول لهم الأهل صوموا ولكن عند الظهر ستأتي الغزالة و معها طعام لكم ولا بد أن تأكلوا، وإلا ( ستزعل ) منكم ...!! و الغزال حيوان لطيف و محبوب من قبل الأطفال.
وفي تونس يتبعون مع الأطفال طريقة مختلفة قليلا. حيث يصوم الطفل في اليوم الأول إلى منتصف النهار، ثم في الثاني يصوم من منتصف النهار إلى المغرب و يقولون له هكذا "اتخيط" لك اليومان الناقصان ليصبحا يوما كاملا.
وفي المغرب يشجعون الأطفال على الصوم بجعلهم يصومون يوم 26، ثم بعد الإفطار يرتدي الأطفال الزي المغربي التقليدي و يتزينون، و يذهبون مع أهلهم للنزهة، حيث تكون هناك احتفالات بليلة 27 في الأسواق الرئيسية بكل مدينة مغربية مع العديد من الفعاليات الخاصة بالأطفال، وفي الرباط يأخذون الأطفال ليلة 27 إلى "صومعة حسان" وهي مكان أثري معروف.
ويبدأ الأطفال في السودان الصيام في عمر متأخر نسبيا بسبب المشقة التي يجدها الصائم لحرارة الجو هناك، و عدم توافر وسائل التكييف بكثرة، فيبدأ الأطفال بصيام أجزاء من النهار في عمر سبع سنوات تقريبا، ليتمكنوا من صيام الشهر كاملا مع بلوغهم الثالثة عشرة.
و يفضل الأهل طريقة صيام جزء من النهار؛ لأنها تشجع الطفل على الصدق؛ فهو ليس مطالبا بصيام اليوم كاملا، وهكذا عندما يشعر بالتعب الشديد و خاصة العطش يستطيع أن ينهي صيامه و يشرب أمام الجميع، وذلك بدلا من أن يتظاهر بالصيام بينما هو يأكل و يشرب في الخفاء. و يتبع الأهل مع الأطفال وسائل للتشجيع، منها شراء أدوات طعام خاصة بهم من إبريق و أكواب و صحون وما إليه و بأحجام صغيرة، ليتناولوا فيها طعام الإفطار و يفرحوا بها، فتكون عاملا محفزا لهم على الصيام.
و رمضان كريم لجميع أطفالنا الحلوين
د . فواز القاسم استشاري طب الأطفال رئيس قسم الأطفال والحاضنات والعناية المركّزة بالأطفال في مستشفى سبلاس لجراحة التجميل وأطفال الأنابيب