د . عبد الله الرويتع أستاذ مشارك في قسم علم النفس – جامعة الملك سعود
لعل من أهم المسؤوليات والصعوبات التي تواجه الإنسان قضية الأبناء وتربيتهم.
من النادر أن تقابل أبا أو أما لا يشتكي أحدهم من الأبناء وتربيتهم ؛ سواء كان ما يشتكى منه مشكلة كبيرة أو صغيرة. وهذه سنة الحياة ، دين مُستَحق يدفعه كل جيل للجيل الذي يليه. وهي مهمة صعبة لأنه من خلالها يتم غرس القيم والمثل الدينية والأخلاقية والمعايير الأدائية وأهداف الحياة.
لذا فتربية الأبناء لا تعني كساء وإطعام الأبناء بل المهمة الصعبة هي غرس القيم والمعايير التي يجب أن تقوم بها الأسرة أو سيقوم بها أفراد أو جهات أو أجهزة (وسائل إعلام) خارج الأسرة.
كما أن الطفل يحتاج للحب والتقدير حاجته للحليب الذي يرضعه والطعام الذي يتناوله. وهذه الجملة ليست وصفا أدبيا مبالغا فيه بل حقيقة فعلية. بل قد نذهب إلى أن بيتاً يقدم الحب والتقبل بشكل متوازن ؛ ويقدم المعايير والقيم بشكل عقلاني ومتسامح مع تواضع المشارب والمآكل والكساء أفضل من بيت يرى أن التربية والواجبات في المأكل والمشرب مع حرمانهم من الحب وغرس القيم.
عموما : يلاحظ أن كثيراً من المشاكل التي يعاني منها الآباء والأمهات لا تعدو أن تكون نتاج تربيتهم وتعاملهم مع الآباء ، وجهلهم بطرق التعامل الصحيح، ومطالب النمو ، والفروق الفردية (هذ إذا استبعدنا الاستعداد الوراثي).
وطريقة التربية والتعامل مع الأبناء لا تخرج عن عدة طرق نلاحظها حولنا. هذه الطرق تسمى عوامل "التنشئة الأسرية".
وتتواجد عوامل التنشئة بشكل مختلف من أسرة لأخرى. كما أن هذه العوامل تتضمن عوامل أو طرقاً سلبية وأخرى إيجابية. وكلما كان نصيب الأسرة من العوامل السلبية كبيرا كان بالإمكان وصف هذه الأسرة بأنها: "أسرة غير صحية نفسيا" ؛ والعكس صحيح. فالأسرة مثل الفرد على مستوى جسدي، ونحن نقول : صحة فلان ليست جيدة بينما فلان الآخر يتمتع بصحة نفسية جيدة.
والأسر قد تكون بيئة تربية جيدة ، من خلالها يجد الفرد الاحترام والحب وإشباع الحاجات عبر علاقات ناضجة متوازنة مع الوالدين والأخوة ؛ أو قد تكون بيئة غير صحية يفتقد الفرد فيها إلى الاحترام (وقبل كل شيء احترام وتقدير ذاته) والحب ، وتكون العلاقة مع الوالدين والاخوة علاقة صراع ومشاحنة ، وقد تصل حد الكره. وقد تتضح صفات الأسرة الجيدة وغير الجيدة من خلال استعراض عوامل التنشئة الأسرية ؛ وهي كالتالي:
1- القسوة : وتعني : التعامل مع الأبناء بقسوة سواء كانت جسدية أو نفسية. والإيذاء الجسدي يأخذ عدة أشكال من الضرب والإيلام الجسدي ، ويوجد هذا النوع عند أسر عديدة ، بل وقد يكون أسلوب التعامل الوحيد. ويصل الإيذاء إلى التهكم ، والسخرية ، والحط من قدر الفرد ، والوصف المقذع سواء في حضور الآخرين أو عدمه.
ونحن نعلم أن في بيئتنا كثيراً من الأوصاف والكلمات التي يستخدمها بعض الآباء والأمهات في التعامل القاسي مع الأبناء.
ويجب التنويه إلى أن هذا الأسلوب وصف بأنه "قاس" لأنه يفرط في استخدام هذه الأساليب وقد تكون الخيار الأول والوحيد ، ظناً من الوالدين أنهم بهذا الأسلوب أقدر على ضبط أبنائهم ، مع أن هذا غير صحيح ، ويمكن ضبط السلوك بأساليب أخرى. فالطفل الذي يوسخ ثيابه أو لا يعمل واجبه أو يضرب أخاه ، والمراهق الذي يتأخر ليلا ، وغير ذلك من السلوكيات قد يعاقب بحرمانه من أمور يستمتع بها بدلا من الضرب.