يشعرني زوجي دائمًا أنني "الست الشريرة والأم التي لا تطاق"، فما إن يعود إلى المنزل بعد يوم عمل طويل حتى يرتمي الأولاد في حضنه كما عودهم من صغرهم، وبمجرد أن يدخل إلى المنزل يكون ممنوعًا عقاب الأولاد أو لفت انتباههم لخطأ ارتكبوه، فهو يريدهم حوله، يدللهم ويمرح معهم ويحملهم.. وعندما أقوم بتوجيه الأولاد إلى خطأ اقترفوه، يقول لي زوجي أمامهم: أنت جالسة معهم طوال اليوم.. اتركيني أنا معهم الآن.. بالطبع أشعر أكثر بالضيق، حيث يشعرونني جميعًا أنني الأم الشريرة التي تأمر وتنهى فقط، بالرغم من أنني أراعي حاجاتهم النفسية والمالية طول اليوم".
هل ما يفعله هذا الأب صحيح؟ وهل الأم هنا شخص شرير بالفعل؟.. بعض الآباء يدللون أبناءهم بشكل زائد تعويضًا لهم عن البعد الطويل، نظرًا للعمل أو للانشغالات المختلفة، فالأب لا يقضي مع أبنائه سوى لحظات أو ساعات قليلة، وهذه اللحظات غالبًا ما تكون لطيفة، فيرسخ في ذهن الأطفال فكرة أن الأب أفضل من الأم، وفي المقابل تكون الأم مشغولة معهم ومع احتياجاتهم طوال اليوم، لذا فهي قد تتعصب عليهم أو ترغمهم على فعل أشياء لا يودونها، كإنجاز الواجبات وترتيب غرفهم ومساعدتها في بعض الأمور.. فيظهر أمامهم أن الأم مزعجة في حين أن الأب لطيف وطيب.
وفي بعض الأحيان يكون النموذج معكوسًا، حيث تكون الأم لطيفة وهادئة وتعرف كيف تتصرف مع أبنائها جديًا في الوقت الذي لا يحب الأب أي إزعاج، فيتعصب في وجه الأولاد ويضربهم للابتعاد عنه فيخاف منه الأبناء.. هل التودد الزائد للأبناء وتدليلهم صحيح تربويًا؟ وما هو دور كل من الأم والأب المنوط بكل منهما القيام به مع الأبناء؟.. هذا ما يجيب عنه مستشارونا التربويون... لكل أم : لا تحزني تقول د.دعاء راجح، المستشارة الاجتماعية: لا يجب أن تحزن الأم إن كانت هي الطرف الشرير، فالطفل لا يترسخ في ذهنه كونها شريرة إلا من تصرفاتها معه وليس بمقارنتها بالأب. أما بخصوص تصرفات كل منهما مع الأبناء فهذا يعتمد إلى حد كبير على شخصية كل من الأب والأم، من حيث العصبية ومن حيث قدراتهم ومعلوماتهم التربوية، فالأب أو الأم العصبية المزاج بالطبع تتعامل مع الطفل بهذه العصبية، كما أن قراراتها بشأن الطفل: "افعل أو لا تفعل" غير مبررة، بمعنى: لماذا افعل ذلك ولا افعل ذلك..(هو كده وخلاص)".
وفى المقابل نرى الكثير من الآباء أو الأمهات مدللين لأبنائهم، فلا يرفضون لهم طلبًا، بدعوى "الحنية"، وهو أمر خاطئ تربويًّا، وفي الغالب يصعب التعامل مع مثل هذه المواقف إلا بإقناع الأب والأم بأن هذا (خطأ تربوي) يؤثر بشكل سلبي على شخصية الطفل مستقبلًا، ويجعله ينحو في اتجاهين : - إما أن يكون طفلًا سلبيًا غير مبالٍ بما يدور حوله. أو يكون طفلًا عصبي المزاج، يميل إلى العنف عندما لا تلبى طلباته.
تستطرد راجح قائلة: الحنان والحب احتياج فطري يحتاج إليه الطفل كما يحتاج إليه الكبير أيضًا.. ولكن حاجة الطفل له تفوق حاجة الكبير، لأنه في فترة نمو عاطفي لازمة لتكوين شخصيته. وكثير من الآباء يخلطون بين الحب والتدليل، فالحب هو التعبير عن المشاعر وتلبية احتياجات الطفل (العاطفية) بوسائل التعبير المختلفة، كالقبلات والأحضان ونظرات العين واللمس الرفيق والحديث معه واللعب معه.
وهذا التعبير لابد أن يشبع ويلبي احتياجات الطفل بغزارة كلما أمكن ذلك. أما التدليل فهو تلبية احتياجات الطفل (المادية).. بمعنى أنه تكون كل طلباته مجابة.. وكل ما يجب أن يقوم به يمكن التغاضي عنه، وللأسف يخلط الكثيرون بين تلبية الاحتياجات المادية والاحتياجات العاطفية، ويعتبرونها وسيلة للتعبير عن حبهم لأبنائهم، وهذا خطأ فادح لا يشبع الابن عاطفيًّا ويجعله طفلًا مدللًا.
تكمل راجح قائلة: لابد أن يتعلم الآباء كيف يقولون (لا) بحب، وكيف يقولون (يجب أن تفعل ذلك) أيضًا بحب، حتى العقاب يجب أن يتم بحب، كما يجب أن تكون الأوامر والنواهي مبررة، بمعنى أن يفهم الطفل لماذا يجب أن يفعل ذلك، ولماذا لا يجب حتى ينمو عنده المبدأ والقيمة. كما يجب أن يتفق الوالدان على ذلك، وأن يتعاملا مع الطفل بنفس الأسلوب.
وبالنسبة لمشكلة الأب الغائب فهذه مهمة الأم، فالأم هي من يدير العلاقةبين الأب والأبناء، الأم هي غالبًا الأكثر خبرة بأمور التربية، وهي من يوجه الرجل إلى كيفية التعامل الأمثل مع أبنائه، مع مراعاة شخصية الأب.
فإن كان الأب يحب أن يجلس مع أبنائه عند عودته من العمل فيجب أن تتيح هذا الوقت له.. وتجعله وقتًا ظريفًا ممتعًا للاثنين، بحيث يحصل على كفايته العاطفية من عاطفة الأب، وألا تبادر بالشكوى إلى الأب من أفعال الصغير طوال اليوم، أو تطلب منه عقابه؛ لأنها لابد أن تقوم هي نفسها بهذا الدور. وإذا كان الأب من النوع العصبي، أو أن الطفل مزعج بشكل يجعل علاقته دومًا بأبيه متوترة فلابد أن تكون هي الوسيط الذي يلطف الجو ويتحكم في الطفل بقدر المستطاع.
تؤكد راجح قائلة أن الطفل يحتاج إلى عاطفة الأبوة كما يحتاج إلى عاطفة الأمومة، والأبوة عاطفة مكتسبة إلى حد كبير، فلابد أن تساعد الزوجة زوجها على نموها بالتدريج كي يحب ابنه، وكلما كانت العلاقةبين الأب والابن رائعة كلما كانت في مصلحة الطرفين.