شوقُ العفيفةِ إلى الإشباع العاطفي خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كعادته في تفقد أحوال الرعية، ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل هذا كثيراً يحرس الرعية، فمر بامرأة مغلق عليها بابها وهي تقول شعراً مؤثراً، فاستمع لها عمر: تطاوَلَ هذا الليلُ واسوَدَّ جانِبُه فواللهِ لولا اللهُ لا شيءَ غيرُه أُراقبُ ربي والحياءُ يَكُفُّني يُلاعِبُني طَوْراً وطَوْراً كأنّما يُسَرُّ بهِ مَن كان يَلهو بقربهِ ولكنّني أَخشى رَقيباً مُوَكَّلاً وأَرَّقَني أنْ لا حَبيبَ أُلاعِبُه لَحَرَّكَ مِن هذا السريرِ جوانِبُه وأُكْرِمُ زوجي أنْ تُرامَ مَراكِبُه بَدا قَمراً في ظُلمةِ الليلِ حَاجِبُه يُعاتِبني في حُبِّهِ وأُعاتِبُه بأنفاسِنا لا يَفْتُرُ الدَّهرَ كاتِبُه
ثم تَنفّسَتِ المرأةُ الصُّعَداء، (أي تنهّدَتْ تَنَهُّدَ امرأةٍ ثار بين جوانحها الشوق إلى الإشباع العاطفي) وقالت: أَهانَ على ابنِ الخطاب ما لَقِيْتُ الليلةَ؟! وِحشتي ببيتي؟! وغيبة زوجي؟! وقَلة نفقتي؟ فذهب عمر عنها حتى أصبح يسأل عنها فقيل: هذه فلانة امرأة فلان، زوجها غازٍ، فأرسل إليها عمر رضي الله عنه امرأة وقال: كوني معها حتى يقدم زوجها، وأجرى على المرأة نفقة وكسوة، وكتب إلى زوجها أن تُْقفلوه إليها (تعيدوه إليها) فقدم عليها زوجها. ودخل عمر على ابنته حفصة رضي الله عنها فقال: يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: يغفر الله لك مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: والله لولا أنه شيء أريد أن أنظر فيه للرعية ما سألت عنه. فقالت: تصبر المرأة عن زوجها أربعة أشهر وخمسة أشهر، وذلك أن تلك العدة. فقال عمر رضي الله عنه: يسير الناس إلى غزاتهم شهراً ثم يرجعون شهراً ويُقيمون أربعةَ أشهر، فَوَقَّتَ ذلك للناس. انظر هذه القصة في كتاب العيال وكتاب الإشراف كلاهما لابن أبي الدنيا وكتاب أخبار المدينة لابن شبة وكتاب اعتلال القلوب للخرائطي وكتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي في طبقات الشافعية، وتفسير ابن كثير وروضة المحبين لابن القيم.