على الرغم من أن الإسلام رسالة سامية تزداد قوة كلما انتشرت وكثر أتباعها كماً وكيفاً، إلا أن هناك بعض الحجج والاقتراحات التي تستند على براهين وآراء ما أنزل الله بها من سلطان، تحارب تلك الرسالة بشكل أو بآخر.
فكما أن الإسلام ينتشر بدخول غير المسلمين فيه، فهو ينتشر أيضاً بكثرة التناسل بين المسلمين وكثرة الذرية، ومن هنا كان حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم يوم القيامة) أخرجه ابن حبان وغيره وصححه غير واحد.
وبدلاً من أن يتمسك المسلمون بتلك التعاليم، تخاذلوا وخالفوا صحيح الأمر ليصل التخلف إلى تقديم تشريع يجيز تعقيم النساء تحت دعاوى الفقر والمرض وكأن الجاهلية تعود من جديد.
فقد ناقشت لجنة الصحة بمجلس الشعب في مصر على عدة اجتماعات مشروع المسؤولية الطبية والتي تخللتها حالة من الجدل، قررت اللجنة بعدها رفض المواد المقترحة في القانون، والتي تجيز للمرأة التي تنجب عدداً كبيراً من الأطفال تعقيم نفسها بحيث تصبح غير قادرة على الإنجاب!
الدكتور حمدي السيد (رئيس لجنة الصحة ونقيب أطباء مصر) أكد على رفضه بشدة لإجهاض المرأة لأسباب الفقر وقال: "إن الاقتراح الذي ورد في هذا القانون الذي تقدمت به هو قيام المرأة التي لديها عدد من الأولاد بإجراء عملية العقم لعدم استطاعتها تحمل وسائل منع الحمل التقليدية".
ضد الإرادة الإلهية:
حول رأى الدين في قانون الصحة الطبية والذي أباح الإجهاض أو التعقيم للمرأة في حال وجود خطر على صحتها، يقول د. مصطفى الشكعة (عضو مجمع البحوث الإسلامية): "إن المجمع ضد فكرة الإجهاض إلا إذا كان في استمرار وجود الجنين خطر على حياه الأم".. مشدداً على أن يتم الإجهاض قبل بلوغ الجنين 120 يوماً من العمر, أما التعقيم "فهو تدخل في الإرادة الإلهية، بمعنى أن التعقيم حرام وتدليس على الدين..كيف تعقم المرأة لمجرد وجود احتمال علمي بأنها ستنجب طفلاً مشوهاً فهذا لا يمكن أن يكون سبباً لإباحة التعقيم".
ويضيف الدكتور الشكعة بالقول: "السبب الشرعي للتعقيم يجب أن يكون بعد دراسة الجينات، ويتعين أن يكون هناك سبب وخطر حقيقي يهدد صحة الأم، عندئذ من الممكن أن تدرس المسألة، وفي هذه الحالة تجهض المرأة، أما أن تعقم المرأة من دون حمل فهو استباق لعلم الله عز وجل وتهور وخرق لكل المواثيق والقيم الدينية".
من جانبها رفضت د. آمنة نصير (أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر) تعقيم الزوجة أو إجهاضها بسبب الفقر, وقالت: "هذا محرم شرعاً وهو أمر ضد إرادة الله، فطالما لا يوجد سبب صحي يتعلق بالمرأة يوجب إجهاضها أو تعقيمها خوفاً على حياتها فلا يجوز إطلاقاً تعقيمها".
وشددت د. آمنة على رفضها سن القوانين التي تجبر المرأة على تنظيم النسل؛ لأن مثل هذه القوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وطالبت الدولة برعاية أبنائها الفقراء ومعرفة أسباب الفقر والمرض أولاً حتى لا تصدر مثل هذه القوانين.
وأضافت د. آمنة أنه حتى في الحالات التي تمنع فيها المرأة من الحمل لمرض ما؛ فلا يجوز فيها تعقيمالمرأة بأي حال من الأحوال، فيمكن أن نلجأ إلى إحدى وسائل منع الحمل، بدلاً من التعقيم؛ لأن التعقيم مرفوض كلياً في الشريعة الإسلامية، فالمرأة يمكن أن يموت أبناءها في حادث مثلاً أو أن تطلق وتحرم من أولادها، ففي هذه الحالة إن كانت قد عقمت فهي بذلك تحرم من الإنجاب طيلة عمرها إذا تزوجت برجل آخر".
وقالت د.آمنة: "إنه بدلاً من التفكير في تقليل عدد السكان لابد من الاتجاه لاستثمار الزيادة السكانية كثروة بشرية وتنميتها لنهضة ورفعة الأمة". وتوافقها الرأي د. ماجدة هزاع (رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر) حيث ترى أنه "لا يجوز شرعاً بأي حال من الأحوال تعقيم المرأة. وفي حال إصابة المرأة بأي مرض يمنعها من الإنجاب يمكنها تأجيله، فمن يدرى لعل الله تعالى يكتب لها الشفاء ويذهب بالمرض ويجعلها قادرة على الحمل والولادة".
وترى د ماجدة أن هذا القانون يسعى إلى إبادة الجنس البشرى المسلم؛ لأن من إحدى الضروريات التي دعا إليها الدين الإسلامي هو حفظ النسل, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة"(1) رواه الإمام الشافعي بلاغا(أي حديث ضعيف)، وتضيف أن الله سبحانه وتعالى أوجد التناسل لتعمير الكون. فماذا لو قامت حروب ضد الإسلام فهل سينتهي الجنس المسلم قال الله عز وجل :{وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} فكيف نسعى نحن إذن لتعقيم المرأة ؟!
رأى علم الاجتماع:
د. سعاد عبد المقصود (أستاذ الاجتماع) ترى أن "هذا القانون سيزيد من حالات الزواج العرفي والعلاقات غير الشرعية", وتوضح أنه يجب أن توجه الحكومة العديد من الحملات في كل مكان ولكل الأزواج لكي يعرفوهم أن الزواج له أهداف ومعاني كثيرة، فيجب أن يكون عندنا قانون يوضح أن الحياة الزوجية مهمة والإنجاب أيضاً مهم.
رأى الطب:
وحول رأى الطب في قضية الإجهاض أو التعقيم تقول د. ميرفت عبد النعيم (استشاري أمراض النساء وتنظيم الأسرة): "إن الإجهاض أو التعقيم أمر غير مشروع وذنب؛ لأنه جريمة تقتل فيه الأنفس الحية. فالجنين مهما كان عمره فهو كائن حي له حياته وحقوقه وكرامته، وكل من يشترك في عملية الإجهاض يقع في الخطيئة. كما أن هناك العديد من وسائل منع الحمل تؤخذ لتأجيل الإنجاب بدون الوقوع في محظور مخالفة الشريعة.
وتتساءل د.ميرفت في اعتراض: "لماذا نحرص على تعقيمالمرأة وحدها في الوقت الذي يمكن أن تجرى العملية نفسها للرجل. خاصة وأن المرأة ليست هي وحدها المسؤولة عن الإنجاب؟. وإن كانوا يروون أن التعامل مع المرأة أسهل في هذا الجانب لدورها في الحمل والولادة وترددها على عيادات الأطباء وتنظيم الأسرة وإمكانية إجراء عملية ربط الأنابيب لها أثناء الولادة.. وفي هذا ظلم بين للمرأة فهم يجنون عليها وحدها".
وتختتم كلامها بالقول: "الخطير في الأمر أن الرجل الشرقي لا يقبل على نفسه أن يتم تعقيمه ولا يجد غضاضة في تعقيم المرأة! ".