يحتوي حليب الثدي على المتطلبات الغذائية المناسبة لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل الرضيع. وهو سهل الهضم، ونادراً ما يسبب إسهالاً أو إمساكاً. وكذلك هو أقل تسبباً في الحساسية من حليب البقر المصنَّع (حليب العلب)،كما أن درجة حرارة حليب الثدي هي الدرجة المطلوبة للرضيع وهي درجة ثابتة في كل وقت. وحليب الأم أرخص ثمناً ومتوفر في أي زمان ومكان، وأقل حاجة للجهد اللازم. ويحتوي حليب الأم على عوامل النمو والتطور التي تناسب كل فترة من فترات نمو الرضيع.. يحتوي حليب الأم على أجسام مضادة للأمراض فيقوم بحماية الطفل من أمراض عديدة. كما يحتوي حليب الأم على الأحماض الدهنية التي تعتبر فريدة ونوعية، ويظن أنَّ لها دوراً في نمو وتطور الدماغ والنظر. وحليب الأم الطبيعي يخلو من الملوثات الصناعية التي ترافق تصنيع وتجهيز حليب البقر والعبوات البلاستيكية والمعدنية.
الرضاعة والرضيع:تشير الدراسات العلمية إلى أن نسبة الأطفال الذين يموتون فجأة ـ وهو ما يعرف بموت الرضع المفاجئ ـ أقل بين الذين يرضعون من أمهاتهم عن غيرهم من الذين يتناولون الحليب الصناعي (حليب البقر)، وبالتالي يعتبر حليب الأم (بفضل الله تعالى) منقذاً للحياة. كما أن أسنان الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم تنمو مستقيمة وقوية، وعيونهم تتطوَّر متشابهة ولا توجد فروق بين العينين. كما أن أطفال الرضاعة الطبيعية هم اقل عرضة للسمنة، وذوو حاسة شم أفضل. إن حليب الثدي أفضل غذاء لدماغ الرضع. وتقل احتمالات التهابات الأذن بمعدل النصف في السنة الأولى من عمر الطفل لو حصل على رضاعة طبيعية في الأشهر الأربعة الأولى من عمره. وتقلل الرضاعة الطبيعية من تكرار وحدة الإصابات البكتيرية مثل السحايا، والتهابات الجهاز التنفسي أو تجرثم الدم. كما تساهم بتقليل تعريض الأطفال إلى الإصابة بداء السكري النوع الأول (النوع الذي يعالج بالإنسولين) وقد يحمي حليب الأم المواليد الخدج (أقل من 9 أشهر) من أمراض الجهاز الهضمي الخطيرة. وقد تقلل من مضاعفات الالتهابات المعوية وتورم الغدد الليمفاوية الطفولية. كما أن الأطفال الذين يرضعون طبيعياً هم أقل عرضة للإصابة بتصلب الأنسجة المتعدد.
الرضاعة الطبيعية تقوي الرابطة بين الأم وابنها. وتساعد الرحم على استعادة وضعه الطبيعي بسرعة وتقليل فقدان الدم بعد الولادة. كما تساعد الأم على فقدان الوزن المكتسب خلال فترة الحمل وعودتها إلى وزنها السابق دون برامج حمية أو أدوية. وتساعد الرضاعة الطبيعية على تأخير الحمل وإعطاء الأم فرصة لاستعادة ما فقدته من مكونات أساسية مثل الكالسيوم والعضلات والهيموجلوبين خلال الحمل والولادة. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الرضاعة الطبيعية تقلل من حدوث سرطان الثدي وسرطان المبيض. وتقلل أيضا من الإصابة بهشاشة العظام،ومن فوائد الرضاعة الطبيعية أنه خلال فترة الرضاعة يقل مستوى الكوليسترول الكلي ويقل مستوى الكوليسترول الرديء، ويقل كذلك مستوى الدهون الثلاثية، بالإضافة إلى بقاء نسبة الكوليسترول الجيد عالية. النتيجة:الرضاعة الطبيعية هي أقل تكلفة مادية؛ لأنها تقلل من أمراض الأطفال وما يلزمها من علاج ومتابعة وأشغال طواقم صحية وعائلية، وما يترتب على ذلك من انقطاع عن العمل أو الانشغال عنه. كما أن الرضاعة الطبيعية تعيد صحة الأم إلى ما كانت عليه وتجنبها أمراضاً عديدة تترتب عليها تكاليف مالية باهظة جداً، مثل أمراض السرطان أو السمنة أو هشاشة العظام أو..، إلى جانب فقدان نوعية الحياة الجيدة الممتعة والانشغال عنها بالأدوية والعيادات والفحص والتغيب عن العمل أو الانشغال عنه.
التكاليف المادية اللازمة لاستيراد حليب الأطفال وتخزينه وتوزيعه وتوفير الطواقم العمالية اللازمة لذلك، وصرفه وتحضيره، وما يلزم من وقت وحفظ وتعقيم وعبوات خاصة وإزعاج للأم و.... فإذا جمعنا كل هذه المصروفات لوجدناها تعادل ملايين الدولارات التي نحن بحاجة إليها لإنماء قطاعات أخرى. وكل تلك الملايين يمكن توفيرها واختصارها بشيء واحد سهل، وهو أن تحضن الأم طفلها وترضعه. لتسعده ويسعدها وتقيم بينها وبينه رابطة قوية متينة. ويخرج من بين يديها طفلاً قوي البنية، حاضر الذهن، متوازن النفس، يعود خيره على أهله ومجتمعه.
وهل كل ما ذكر إلا جزءاً من فضائل الآية الكريمة:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ..}(البقرة: 233). وقال تعالى: { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى..}(الطلاق: 6).
أو لم يكن حليب البقر والغنم والخيل والإبل موجودا عندما كان القرآن يتنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟! لماذا يسر الله أن ترضع له أخرى في حالة العسرة. أو لم يرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حليمة السعدية، أما كان الأسهل له غير ذلك؟ لكن الله الذي خلق الأم والولد وخلق البشر والبقر يعلم أن حليب البشر للبشر، وحليب البقر للبقر، وأمر بتنفيذ ذلك؛ لما يترتب عليه من تناغم وتكامل،من ناحية أخرى لا يعلم الكثير أن النمو التام للطفل لا يكتمل إلا على مرحلتين: الأولى: مرحلة الحمل، والثانية: مرحلة الرضاعة، والإخلال بأي مرحلة من المرحلتين يخرج للحياة وللمجتمع طفلا غير مكتمل عضويا أو نفسيا أو كليهما. هذا من الناحية العلمية. أما من الناحية السلوكية فنراها على المولود الذي يبدأ فور ولادته بالبحث عن صدر أمه ليكمل المرحلة الثانية، وما ذلك إلا هدى الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هداه إلى ما يمنحه استمرار الحياة. وما على الأم إلا أن تتصل بطفلها وتلقمه الحلمة وتضمه إلى صدرها. وبعد هذه الفترة نستطيع أن نقول علميا: إن الطفل قد اكتمل نموه من الناحية العضوية والنفسية،إننا نطلب من الأمهات المباركات أن يرضعن أولادهن كما أمر الله في كتابه العزيز، وما ذلك إلا لصالح الأم وطفلها والمجتمع.