الذكاء هو مجموعة القدرات التي تقيسها اختبارات الذكاء عندما يتم قياس ذكاء شخص ما خلال فترات مختلفة من مراحل نموه، فعلى سبيل المثال الطفل الذي تكون درجة ذكائه أقل من 70 يتوقع أن يواجه مشاكل تعليمية، وبالتالي فإنه يكون بحاجة لخدمات تربوية خاصة.
إن الاعتقاد القديم بأن الأطفال المصابين بالتوحد لا يمكن قياس ذكائهم هو اعتقاد لا يقوم على أساس، والواقع هو أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات لا يستطيعون إكمال بعض أجزاء اختبارات الذكاء بسبب حركتهم الدائمة وعدم استقرارهم ولكن حتى هؤلاء الأطفال يمكن تقدير مستويات ذكائهم اعتماداً إلى نتائج أجزاء الاختبار التي يتمكنون من إكمالها ولذلك لا بد أن يكون الأخصائي الذي يتولى قياس ذكاء المصابين بالتوحد صاحب تجربة وخبرة حتى تكون نتائج ذات معنى.
تعطي نتائج الأطفال المصابين بالتوحد في مقاييس الذكاء مؤشرات معقولة يمكن الاعتماد عليها في توقع ما سوف تكون عليه مستوياتهم التعليمية والاجتماعية، وقرابة الثلثين من الأطفال المصابين بالتوحد تكون درجات ذكائهم (أقل من 70) وأن انخفاض درجة ذكاء المصابين بالتوحد ليس نتيجة لتدني أو انعدام الدافعية أو عدم الرغبة في الاختبار، حيث ثبت أنه عندما تكون اختبارات المقدمة في مستوى قدراتهم فإنهم يقبلون على أخذها بدافعية عالية، كما أن انخفاض الدرجات ليس بسبب صعوبة اللغة أو تأخر اكتسابها.
حيث أوضحت نتائج بعض الأطفال المصابين بالتوحد أداءً ضعيفاً عندما تكون الأسئلة لفظية في حين يكون أداؤها عادياً عندما تكون الأسئلة غير لفظية، وأياً كانت نتائج اختبارات الذكاء فإنه يلزم التوضيح أن تلك الاختبارات تحاول قياس القدرات المنطقية والإدراكية لدى الأطفال المصابين بالتوحد ولا تقيس جوانب التفاعل الاجتماعي والتي يمكن أن تكون متدنية وحتى أن سجل الطفل درجة ذكاء عالية.
التوحد والجزُر الصغيرة للقدرات
غالباً ما يكون أداء الأطفال المصابين بالتوحد جيداً في اختبارات القدرات البصرية المكانية مثل تركيب الألغاز المصورة وفي بعض الأحيان تكون تلك هي المهارة الوحيدة التي يجيدها الطفل وفي مثل هذه الحالة يطلق على هذا النوع من القدرات أو المهارات جزر الذكاء الصغيرة المنعزلة.
ويعتقد أن تلك سمة من سمات التوحد ويقصد أن هذا النوع من القدرات والمهارات شائع لدى المصابين بالتوحد على الرغم من عدم ظهورها عند كل المصابين بالتوحد وفي بعض الأحيان يتفوق الأطفال المصابون بالتوحد في هذا النوع من القدرات والمهارات على أقرانهم الذين يماثلونهم في العمر من غير المصابين بالتوحد وأفضل الأمثلة التي تم توثيقها لهذا النوع من القدرات كان في مجال الرسم والموسيقى وحسابات التقويم وهناك مهارات أخرى لوحظت عند بعض المصابين مثل مهارة التعرف على الأشكال الهندسية وتعلم القراءة في سن مبكرة. ومن أهم القدرات الصغيرة المصاحبة للتوحد:
أظهرت طفلة مصابة بالتوحد قدرة غير عادية على الرسم علماً بأن الطفلة لم تكن قادرة على الكلام عندما تم التعرف على قدراتها، وكانت ترسم الأشياء التي تنظر لها عندما كان عمرها ثلاث سنوات في حين الأطفال العاديين لا يبدأون في الغالب رسم الأشياء التي ينظرون إليها قبل سن المراهقة،.
واتسمت رسوماتها بالتكرار مجسدة بذلك رغباتها الاستحواذية، إلا أن الملاحظ أنه على الرغم من تكرار الأشياء التي ترسمها مفعمة بالحيوية والدقة أي أنها ترسم ما تقع عليه العين بشكل حرفي وكانت تكتفي برسم الصور التي تراها بشكل عابر في كتب القصص التي تطلع عليها. وكانت تستنبط منها الأوضاع المختلفة، والأمر الذي يثير الحيرة أن عدد رسومات الطفلة بدأ يقل بشكل متدرج عندما تطورت قدرتها الكلامية.
القدرة الموسيقية:
يحب الكثير من الأطفال المصابين بالتوحد سماع الموسيقى ويستطيع بعضهم ترديد مقاطع بعض الأغاني حتى وإن كانت طويلة وبدقة متناهية. ويظهر بعض الأطفال المصابين بالتوحد موهبة موسيقية خاصة مثل العزف على بعض الآلات التي لم يسبق لهم تعلم العزف عليها، لدرجة أن باستطاعة بعضهم عزف الألحان التي يستمعون لها لمرة واحدة بشكل دقيق، وكذلك تسمية أي لحن يستمعون إليه.
كما أن البعض منهم يمتلك أذناً حساسة تستطيع التمييز بين التركيبات الموسيقية والتعرف على مقاطعها المتكررة وعزف المقاطع الموسيقية بطرق مختلفة، وكما هو الحال بالنسبة للقدرة على الرسم فإن القدرة الموسيقية لا تظهر إلا عند قليل من الأطفال المصابين بالتوحد.
مهارات الحفظ والحساب
يلاحظ على الأطفال المصابين بالتوحد قدرتهم على الحفظ فبإمكانهم تخزين قوائم المعلومات في ذاكرتهم وحفظها لفترات طويلة بنفس التفاصيل دون أن يحدث لها أي تغيير يذكر. ومن الظواهر الفردية التي كان يعتقد أنها مؤشر على قدرة الحفظ ما يتعلق بحساب التقويم وهي القدرة على تسمية أي من أيام الأسبوع سيصادف تاريخاً معيناً التي اتضح أنها ليست مجرد قدرة على الحفظ لأن هناك تواريخ كثيرة حدثت في الماضي أو ستحدث في المستقبل، وكل هذه المعلومات لا تتوفر في تقويم محدد وبالتالي لا يمكن أن يكون الطفل قد حفظها.
ولذلك فإن الأطفال المصابين بالتوحد الذين تكون لديهم قدرة حساب التقويم يعرفون القواعد الأساسية التي تعمل بموجبها التقاويم ويقومون بتطبيق هذه القواعد بشكل آلي وبسرعة فائقة، حتى وإن كانوا لا يعرفون كيف يقومون بذلك، وبالفعل يمكن أن يقوم بهذه العمليات في بعض الأحيان بسرعة تفوق سرعة المختصين في الرياضيات. كما أن مهارة الحساب هذه تظهر في بعض الأحيان بشكل آخر مثل القدرة على إجراء العمليات الحسابية (الجمع، الطرح، الضرب، القسمة) بسرعة فائقة.
قدرات أخرى
من القدرات الأخرى لدى الأطفال المصابين بالتوحد القدرة على تجميع أجزاء الألغاز المصورة حتى وإن كانت تفوق العمر الزمني للطفل، وفي بعض الأحيان يستطيع الطفل المصاب بالتوحد تجميع هذه الألغاز وهي مقلوبة وهذا يدل على أنهم لا يعتمدون على الصورة بل إن بإمكانهم الاستعاضة بمؤشرات أخرى مثل شكل القطعة أو ملمسها، ومن جهة أخرى هناك الكثير من الروايات تشير إلى قدرة فائقة على إعادة تركيب أجزاء الأجهزة أو النماذج لدى بعض الأطفال المصابين بالتوحد مثل أجهزة الراديو والمسجل.
إن الأسباب التي تقف وراء هذه المواهب والقدرات الفائقة ليست معروفة، وقد يكون التدريب المكثف أحد الأسباب، إلا أن بعض الأطفال تظهر لديهم تلك القدرات في سن مبكرة ومن دون تدريب، لهذا لا يزال الاعتقاد قائماً بأن هناك نمطاً تنظيمياً غير مألوف في عمليات المخ لدى المصابين بالتوحد.