الحياة الزوجية واقعة ضمن الحياة العامة للإنسان فهي ليست بمعزل عما يشوب الحياة من منغصات تكدر صفوها وقد كثر في هذا الوقت تذمر وضيق كثير من الأزواج مما يظهر على زوجاتهم من غيرة يرون أنّها في كثير منها غير مبررة . مع ما تجده المرأة من وجاهة في تصرفها...
و المنغصات الزوجية تختلف حدة وكثرة ومنها ما يوجد لدى بعض الزوجات من غيرة تكون في بعض مستوياتها سببا في تصدع بيت الزوجية . ومن خلال التجربة والمشاهدة أسوق بعضا من الحلول التي أسأل الله أن تكون سدا يقي بيوتنا من هذه المنغصات ويضفي على الأسرة قناديل الحياة الطيبة.
وأنا هنا أقصد بالزوجة الغيور تلك الزوجة التي تتناسى ماهي به من سعادة ونعيم وتنظر إلى جوانب القصور فقط في حياتها الزوجية و التي ترى أنّها مشبعة عند الأخريات مع أنّ لديها من جوانب السعادة الزوجية ماتفقده كثير من قريناتها كما أنها تلك الزوجة التي تريد أن تستأثر بكل جوانب زوجها وأن يصرف حياته كلها لها و لاتريد منه أن يصرف شيئا من لين جانبه وكريم تعامله لأي أحد... ولا حتى لأبويه.
الغيرة من طرف الزوجة ورغبتها في التفرد بزوجها قد لايكون سببها حسدها فلانة أو إحساسها هي بنقص لديها إذ من الممكن أن يكون هذا بسبب حبها لزوجها لكنها لم تتذوق طعم هذا الحب حقيقة بسبب ما أشغلت به فكرها من عوارض وأوهام.
وبعض الزوجات تذكر لزوجها متحسرة على حياتها الزوجية تذكر مايقدمه أخوته أو إخوتها لزوجاتهم أو ما تعيشه أخواتها مع أزواجهن من سعادة. .مع أنها مع زوجها في كثير من حالاتها خير منهن.
من الحلول
** لا بد من العلم أولا بأنّ الغيرة صفة ملازمة لكثير من النساء وليست خاصة بزوجتك وهذا مما يعينك على قبول وضعك والتكيف معه لأنّ هذا هو الوضع السائد في كثير من البيوتفإنّ عموم البلوى يخفف آثارها ويجعلك تنظر إلى زوجتك على أنها ليست بدعا من الزوجات في تصرفها. ولكن الأمر يخفّ ويثقل حسب تعاملك أنت معه من رفضا أوقبولا. وقناعتك بأنّ الغيرة صفة فطرية في المرأة يزيد في محبتك لزوجتك ورعايتها رعاية شفقةفهي لاتبحث عن سبب ينغّص عليك وإنما هي تتعامل مع الغيرة بطريقة فطرية عفوية كتعاملها مع شدة الحنان على أبنائها و تحمل مشقة رعايتهم.
** أفهمها أن ماتسمعه أوتراه مما يتعامل به أزواج قريباتها أو صديقاتها معهن ماهو إلا أحسن الحسن في حياتهنفهن لا يذكرن ولا ينقلن لها مايعانينه من أزواجهن إذ هناك أسرار زوجية لا تفضي بها المرأة لأحد بل تجعلها حبيسة سور المنزلوعندما تحدّث عن بيتها فهي لاتذكر ماقد يراه غيرها مثيرا للشماتة بها أو الشفقة عليها.
** تجنب ما يثير غيرتها. حتى لوأخفيت عنها ماتحسن به إلى والديك أو أقاربكفهذا لا ينقص إن شاء الله من أجرك.فأنت لاتخفي إحسانك إليهم لضعف في شخصيتك بل هي حكمة تدفع بها شرا عن نفسك وزوجتك وأسرتككما أنّ علمها بمعروف أسديته لأحد أقاربك أو بهدية قدمتها لهم قد يجعلها تجد في نفسها ضيقا عليهملإحساسها بأنهم ينافسونها على حبّ زوجها, وأنّ زوجها حسب مقاييسها الخاصة يصرف لغيرها بعضا مما يجب أن يكون خالصا لها . ولاتقل لائما لها أو مبررا لتصرفك هذه أمي هذه أختي . . . .فإن غيرتها وخشيتها من المنافسة على حبك لا تعترف بهذه المقاييس, والمسوغات المنطقيةفالأمر يتعلق بالعاطفة لا بالعقل.
** كن من الكرام في عشرتها.واعلم أنّ رسول الله r قال عنهن : يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام فأي الصنفين تريد أن تكون ؟! فالكريم يغض الطرف عن كثير من المساوئ, ومن شيمته العفو عن المسيئين ومقابلة السيئة بالحسنة. ويتسع صدره لما قد يصدر منها من إعجاب بنفسها أو إدلال بشيء مما قدمته إليك قد ترى أنت أنّه من واجباتها و لا يستحق هذا الإدلال ...
** الإكثار و الإلحاح بدعاء الله بأن يرفع غيرتها. وتذكر موقف أمنا أم سلمة رضي الله عنها عندما خطبها رسول الله r حيث أخبرته u بأنها ذات غيرة فدعا لها بخير.
** عندما تكونان في مجمع عائلي فإنّها تحب أن تتحدث معها أمام الجميع وأن تصغي لحديثها, وأن تدعوها بأم فلان أو بلقبها العلمي إن كانت ذات لقب فهذا يعزز قيمتها أمام نفسها وأمام من حولها ويجعلها فخورة بك.
** لا تذكرها بموقف غير لائق حصل منها في يوم كذا فالإيذاء النفسي يؤلمها كثيرا ويشعرها بالخيبة وعدم الأمان معك.كذلك فإنّ تذكيرك لها بهذا الموقف سيقودها لأن تذكرك بموقف حصل منك , ثم يبدأ بينكما التراشق بالمواقف, وبعد أن ينجلي الأمر ستجد أنّه توقف عن نقطة اللاعودة قريبا.
** تذكر حديث عبادة بن الصامت t: أنّ رسول الله r قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. الحمدلله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.ثم قال اللهم اغفر لي ودعا استجيب له .فإن توضأ ثم صلى قبلت صلاته [1] تعارّ بتشديد الراء أي استيقظ.فعندما تدعو بهذا,ثم تصلي, وتسأل الله أن يذهب غيرتها فإنه حريّ أن يجاب دعاؤك.
** لتكن غايتك من رفع الغيرة عنها الرأفة بها والحب لهالا لمصلحة خاصة ترجوها لك أنت فحسب.
** استقبلها بعبارات التودد والحنان وبما يشعرها بأنّها ذات قيمة لديك.
** لاتصغ لما يتحدث به بعض الأزواج من أنّ كرم الخلق في تعامل الزوج مع زوجته قد يطغيها . فهؤلاء هم المخذّلون الذين حرمهم سوء الظن والاستسلام لنوا زغ الشيطان من التنعم بكثير من نعم الحياة.
** تعاهدها بالهدايا هي ومن له شأن لديها.فالهدية تذهب سخيمة الصدر.
** إن أبدت جفوة لأحد أقاربك فلا تعاملها بالمثل فتجفو أقاربها فإنّ هذا ليس من العلاج بل قد يزيد النار اضطراما. كما أنّه ليس كل ذنب يعاقب عليه بمثله أرأيت من يسرق هل نعاقبه بالسرقة منه ؟!
** استفد مما يعرض لها من حالات الضعف كالحمل والولادة والمرض. وذاك بان تشعرها بالحنان والرأفة, وتنفيذ ما تميل إليه نفسها.
** الرضى منكما والتسليم بقضاء الله وقدره يوصلكما إلى السعادة.
** لا تتحدث أمامها عن جمال فلانة وإن كانت صغيرة أومن محارمك فهي تريد منك أن تجعل مثل هذا الحديث حكرا عليها.
** الاتّزان في الغيرة من عوامل استقرار حياتكما.فإنّ عدم فقد يكون عدمه ناتجا عن بلادة في الحسّ والغيرة المعتدلة أحسبها من جمالات الحياة الزوجية.
** عندما تشكو إليك أمرا فلا تسفّه رأيها واعلم أن إظهارك العناية بما تقول يهوّن عليها كثيرا مما تعانيه.حتى وإن لم تشاركها بأي حلّ فالاستماع علاج مجرب.
** إذا أنجزت عملا يعنيها فأخبرها بكل تفصيلاتهفإنّ من طبيعة المرأة العناية بالتفصيلات والدقائق.
** لابد أن تتعاهدها بالثّناء على لبسها وتجمّلها فتظهر لها سرورك بلباسها الفلاني واسألها سؤال معجب به فتقول لها مثلا: من أين اشتريت هذا وبكم؟ فلونه رائع مناسب لبشرتك ! ومقاسه متناسق مع جسمك!
**لابد أن يكون بينكما جلسات خاصة منفردين خارج المنزل أو داخله.
** إذا طلبت منك زيارة من تظن أنت أنّها ممن يثرن غيرتها فلتكن هذه الزيارة بعد هدية منك أو موقف جميل فإنّها ستذهب بنفس رضية وهي فخورة بك, وستظهر لهم مارأت منك ولن تتأثر كثيرا بما قد تراه عند صديقتها أو قريبتها مما كان يثير غيرتها.
**عندما تحسّ أنّك مغضب من غيرتها فدافع غضبك قدرا لإمكان لأنّ ما ستخسره عند لومك لها أكثر مما ستكسبه.
** اعلم أنّك لست الوحيد في هذه المعاناة فهناك الكثيرالكثيرممن هم على شاكلتك وأشد.
** تعاهدها بالإهداء خاصة في ملابسها الخاصة وإن صحبتها للسوق للتشاور حول لباس خاص بها فهذا حسن.
** قلة ذات اليد تقلق الكثيرين ولكن كما قال أبو الطيب: لاخيل عندك تهديها ولامال *** فليسعدا لنّطق إن لم تسعدالحال فإنّ الكلمة الطيبة صدقة.وكم كلمة هي أثمن من الذهب.
** إذا عزمت على أمر تظنّ أنّه يزعجها فأخبرها به وهي في حال انشراح, وارمه عليها رميا من,ثم سارع الحديث عنه, داخلا إلى موضوع يهمها تكون قد أعددت له سلفا.
** اعلما أنّ لكل منكما حقوقا على صاحبه .فإذا رأى أحدكما أنّ صاحبه لا يقيم حقوقه أو بعضها فإنّه ليس من الحكمة أن يقابل هذا بتعمد النقص في الواجبات فعلى كل واحد منكما أن تكون غايته حسن العشرة لصاحبه, وأن يجعل هذا تقربا إلى الله لا مكافأة يتكافأ بها الزوجان.نعم إن قيام كل واحد بحقه يعين على الحياة السعيدة الطيبة.
** حبذا لو ترقّى الجميع إلى درجة الخواص المذكورين في قوله تعالى:{إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءا ولاشكورا}. [2] وكما قيل:أحيوا المعروف بإماتته:أي لا تنتظر ثناء على جميل تقدمه لهافانصرافك عن التطلع للثناء يعلي همتك ويريح نفسك ويذيع معروفك.
** ستجد في بعض هذه الفقرات مشقة عند التطبيق في بداية الأمر لاتقلق فهذا من طبيعة الضعف البشري وليس خاصا بك وحدك وإنّ مما يهوّن عليك هذا أن تستحضر في نفسك ما أمامك من عاقبة حميدة.
** لاتستبطئ ثمرة هذا فأنت على خير وإنما تهون المصاعب بمعرفة عظمة الأهداف ونبل الغايات و المآلات.
** ولا أوجّه الأمر للزوج فقط بل على الزوجة أن تسهم في رفع الغيرة عن نفسها وأن تحدث نفسها كثيرا بأنّ غيرتها الزائدة تؤذي زوجها, وأنّ عليها أن تتغافل كثيرا عمّا قد يكون من المواقف ظنيا بني على أفكار وخيالات لا أساس لها.
** وأخيرا عليك بهذه الأخلاق إن استطعت وإلا فأخذا لقليل خير من ترك الجميع وبالله التوفيق .وأسأل الله للجميع حياة طيبة.
------------------------------- [1] رواه البخاري وأبو داوود والترمذي و النسائي و ابن ماجة, صحيح الترغيب والترهيب الرقم 606ص323تحقيق ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ).محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.مكتبة المعارف الرياض. [2] 9.الإنسان