بسم الله الرحمن الرحيم لم يكن، علي رسول الخنيزي، وزوجته «أم حسن»، يعلمان بأنهما يحملان مرض «بيتا ثلاسيميا» الوراثي، أو ما يعرف بـ «أنيميا البحر المتوسط» فعند زواجهما قبل خمس سنوات، لم تكن فحوص ما قبل الزواج مقررة، وأيضاً ابنتهما الأولى «دانية» كانت سليمة من أي مرض، إلا أن معاناتهما بدأت مع المولودة الثانية «رند» التي ورثت عنهما هذا المرض، ولكن وبعد مصارعة مع المرض دامت حوالي السنتين، عادت نعمة الله تحمل مفاجأة وأملاً جديدين لهذه الأسرة، بشفاء رند، «سيدتي» تابعت تفاصيل هذه المفاجأة التي كانت أشبه بالأعجوبة..
الرياض: ياسمين نصر
«سيدتي» اتصلت بوالد الطفلة، علي الخنيزي، وسألته عن ذلك الأمل، فقال: كانت سعادتنا أنا وزوجتي غامرة عندما رزقنا الله بطفلتنا الأولى دانية، وزادت سعادتنا عندما انضمت إلينا «رند»، ولكن لاحظت زوجتي على رند أعراضاً غير طبيعية، فتوجهنا بها إلى المستشفى لإجراء الفحوص والتحاليل، ليتبين لنا أن رند مصابة بمرض بيتا ثلاسيميا الوراثي، الذي لا علاج له إلا إجراء عملية زراعة نخاع العظم، والتي تتطلب الحصول على متبرع ملائم ومطابق.
الوراثة
< ألم تكن تعلم أنت وزوجتك أنكما تحملان المرض؟ لم يخطر ببالنا أبداً ولو للحظة أننا نحمل المرض، خاصة أننا لسنا أقارب لا من قريب ولا من بعيد، وعندما تزوجنا لم يكن مقرراً بعد فحوص ما قبل الزواج، ولكنها مشيئة الله. < ما هي المعاناة التي تعيشها رند نتيجة المرض؟ رند تحتاج إلى نقل دم كل شهر، بسبب الانخفاض الشديد في نسبة الهيموغلوبين في الدم المسبب لفقر الدم الشديد، فنحن نتابع ذلك بالمنزل من خلال جهاز فحص الهيموغلوبين، وما أن يصل دمها إلى 7 حتى ننقلها إلى المستشفى، لتمضي من 17 إلى 18 ساعة، وتتم عملية نقل دم لها، بالإضافة لزيادة كمية الحديد في الجسم وترسبه في الأنسجة، مما يؤثر على الكبد والطحال، فيحدث خلل وبطء في النمو.
الأمل
< ما الذي حدث بعد ذلك؟ طرح علينا الدكتور علي الحلاني، مدير معمل التحليل الوراثي بمستشفى سعد التخصصي، الذي كان متابعاً لحالة رند، اقتراحاً يخلص رند من معاناتها، ويكون سبباً بإذن الله في شفائها، وهو إجراء عملية طفل أنابيب لطفل سيتم تطبيقها للمرة الأولى في الشرق الأوسط، اعتمدت على تقنيات التشخيص المعملي الوراثي ((pgd وأطفال الأنابيب (ivf)، بحيث يتم من خلالها التمكن من اكتشاف الجنين المصاب واستبعاده في وقت مبكر، واختيار الجنين الصالح، غير المصاب، والمتكافئ في الأنسجة مع الأخت المصابة، وبعد ذلك يتم إجراء عملية زراعة خلايا الدم الجذعية، المستخرجة من دم الحبل السري للمولود المقرر، وإجراؤها للأخت المصابة.
مخاطرة
عندما قدم لنا الدكتور الحلاني هذا الاقتراح، وشرح لنا تفاصيله كاملة، قبلنا الفكرة، وبدأ فريق طبي متكامل من مستشفى سعد التخصصي بإجراء اللازم. بعد ذلك بدأ الفريق الطبي بتقنية أطفال الأنابيب (ivf)، وبعد تحاليل استغرقت 48 ساعة، تم انتقاء جنينين من الأجنة السليمة والمتطابقة في الأنسجة مع الأخت المصابة، وتمت زراعة جنين واحد في رحم الأم في اليوم الخامس لعملية التبويض، أما الجنين الثاني فكان بحالة انقسام غير سليمة، مما أدى إلى استبعاده، وبعد أسبوعين من زراعة الجنين، جرى التأكد من ثبوت الحمل. ويضيف الخنيزي: بعد مرور الأشهر التسعة من الحمل بشكل طبيعي، وتحت إشراف طبي دقيق ومكثف، تمت الحمد لله الولادة بعملية قيصرية، لتلافي أي مفاجآت أو مضاعفات خلال الولادة، ورزقنا الله بـ «حسن»، الذي كان طوق النجاة الذي ننتظره بفارغ الصبر والخوف، وتم بالفعل تجميع بعض الدم عن طريق الوريد السري لحظة الولادة، وحفظه في وعاء دموي مخصص لهذا الغرض، وحملته بيدي متجهاً بالطائرة إلى أحد المراكز المتخصصة في حفظ الخلايا الجذعية بالإمارات لأضمن تسليمه هناك. ولكن رغم ما أكده لنا الفريق الطبي بأن نتيجة تحاليل حسن أظهرت أنه سليم ومعافى من المرض، بالإضافة إلى أنه مطابق تماماً لأخته رند، إلا أننا دخلنا مرحلة جديدة من الخوف والقلق، فنحن نعلم أن المرض يظهر بعد ستة أشهر من الولادة، وكنا نترقب انقضاء تلك الأشهر بفارغ الصبر. < وبعد الستة أشهر كيف استقبلتم خبر أن حسن سليم ومطابق؟ لقد أنعم الله علينا من جديد بانقضاء تلك الفترة على خير وسلامة، وجاءت البشارة من الفريق الطبي بأن تحاليل حسن ممتازة، وأنه خال تماماً من المرض، ولقد كانت أكبر فرحة نعيشها حتى الآن، فقد اقترب الموعد ولحظة الصفر من علاج رند، كما أننا حصلنا على طفل جديد سليم، وهذه أيضاً بحد ذاتها نعمة أخرى.
التكاليف المادية
< لا بد أن كل هذه التفاصيل مكلفة جداً؟ لقد تحمل مستشفى سعد التخصصي مشكوراً جزءاً من تكاليف عملية الأنابيب، أما في ما تبقى فقد كانت على عاتقي وحدي، وعملية نقل دم الحبل السري وحفظها في مركز الحفظ كلف 6000 درهم، كما أن التكاليف التي تلزم حالة رند كبيرة، فعملية نقل الدم وحدها تكلفني خمسين ألف ريال سنوياً، بالإضافة للعلاجات الأخرى التي تتلقاها لحالتها، ورغم أنني وزوجتي «مستورين» فنحن موظفان، ولكن كل أموال العالم تهون في سبيل شفاء ابنتنا. < متى ستتم عملية الزراعة لرند؟ راسلت بهذا الخصوص عدة مستشفيات في بلدان مختلفة، وجميع الأطباء والمتخصصين أكدوا أنه يفضل إجراء العملية بعد أن يبلغ حسن عامه الأول، والحمد لله أن باب العمليات الخاص بزراعة النخاع لمرضى الثلاسيميا عاد لاستئناف العمل من جديد بعد فترة توقف في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وسيتم إجراء العملية لرند وحسن هناك، أما متى فنحن بانتظار تحديد الموعد من قبل المستشفى.
الأم
اتصلنا بالزوجة «أم حسن»، التي عبرت عن سعادتها التي لا توصف بسلامة حسن ومطابقته لأخته، دون أن تبدي خوفها وقلقها، وقالت: نحن الآن ننتظر إجراء عملية الزراعة، التي أكد مختلف الأطباء أنها يمكن أن تتم عند بلوغ حسن عامه الأول، وحتى ذلك الوقت فسأعيش أيضاً في حالة من القلق والانتظار والخوف من العملية نفسها، ولكننا نسأل الله أن يتم فرحتنا بنجاح العملية التي ستكون انقلاباً جديداً في حياتنا، ولا أعلم ماذا سيكون شعوري حين ذاك، ولكن لا بد أنه سيكون أصعب من أن يوصف من شدة السعادة والفرح، الذي لن يكون له مثيل بشفاء رند. وعندما سألناها إن كانت مستعدة لاتباع نفس الطريقة للإنجاب من جديد، قالت: ما يهمنا الآن ويشغل بالنا هو شفاء رند، والاطمئنان على سلامتها وشفائها، أما في المستقبل فلكل حادث حديث، على كل حال لو فكرنا في الإنجاب من جديد، فستكون التجربة أخف، لأننا لن نكون مضطرين لإنجاب طفل مطابق كما حدث مع حسن، وسيكون التركيز وقتها على استخلاص جنين سليم وغير حامل للمرض فقط.
لقاء الفريق الطبي
«سيدتي» أجرت عدة لقاءات مع الفريق الطبي المتابع والمشرف على الحالة، والبداية كانت مع الدكتور علي الحلاني، مدير معمل التحليل الوراثي بمستشفى سعد التخصصي، الذي عرّف مرض «بيتا ثلاسيميا» بأنه نقص في بروتين البيتا جلوبين «أحد مكونات خضاب الدم»، وهو من أكثر أمراض الدم الوراثية انتشاراً في المملكة، حيث تصل نسبة الأفراد الحاملين له «من غير المصابين» إلى 40% في بعض مناطق المملكة، خاصة في المنطقة الشرقية، وهو من الأمراض المؤثرة سلباً في دورة الحياة الطبيعية للإنسان، حيث تكون مادة الهيموغلوبين في كرات الدم الحمراء لدى المصابين به غير كافية للقيام بوظيفتها. ويوضح الدكتور الحلاني: ينتقل مرض «بيتا ثلاسيميا» بالوراثة من الآباء إلى الأبناء على النحو التالي: إذا كان الوالدان حاملين للمرض فإن نسبة حدوث الإصابة للمولود 25%، وإذا كان أحد الوالدين حاملاً للمرض والآخر مصاباً، فإن نسبة حدوث الإصابة للمولود 50%. ومن هنا، يجب اللجوء إلى الفحص المبكر قبل الزواج. فيما توضح الدكتورة سهام العاكوم، استشارية المساعدة على الحمل والإنجاب وأطفال الأنابيب بمستشفى سعد التخصصي، وعضو الفريق الطبي الذي تابع حالة الأم، أن الزوجين الحاملين لمرض الثلاسيميا، بعد أن رزقهما الله عن طريق حمل طبيعي بطفلة سليمة عمرها أربع سنوات، وطفلة أخرى عمرها سنتان مصابة بالمرض، قد طلبا الدعم الطبي لإنجاب طفل آخر سليم، على أن يتم استخدام خلايا الدم الجذعية المستخرجة من الحبل السري للمولود، في علاج أخته المصابة. وقد اقترح الفريق الطبي تقنية أطفال الأنابيب (ivf)، بالرغم من قدرة الزوجين على الإنجاب الطبيعي، وذلك لضمان التمكن من اكتشاف الجنين المصاب واستبعاده في وقت مبكر، واختيار الجنين الصالح، غير المصاب، والمتكافئ في الأنسجة مع الأخت المصابة.
لا مضاعفات
وقد مرت الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل بدون أي مضاعفات، وفقاً للدكتور مصطفى حسين، اختصاصي المساعدة على الحمل والإنجاب، وعضو الفريق الطبي المعالج بمستشفى سعد التخصصي، واتضح من خلال المتابعة المستمرة أن الحمل طبيعي جداً، واستمر لمدة 38 أسبوعاً، وكانت الأم بحالة جيدة طوال هذه الفترة. وبأخذ عينة من دم المولود، وتحليلها بمعمل التحليل الوراثي، تأكدت سلامة الجنين، وأنه متكافئ نسيجياً مع الأخت المصابة، وقد تم تجميع بعض الدم عن طريق الوريد السري، وحفظه في وعاء دموي مخصص لهذا الغرض، ثم تم نقله إلى أحد المراكز المتخصصة في الحفظ خارج البلاد، حتى يتم اللجوء إليه لعلاج الأخت المصابة.
ثلاثة تحديات
وعن عملـــية زراعة خلايا الدم الجذعية، المستخرجة من دم الحبل السري للمولود المقرر إجراؤها للأخت المصابة، يوضح الدكتور إلياس فاضل، استشاري ورئيس قسم أمراض الدم والأورام بمستشفى سعد التخصصي، أن العلاج الجذري لمرض الثلاسيميا يعتمد على تصليح الخلل الكامن في نخاع العظم الذي ينتج خلايا الدم، وذلك باستبدال هذا النخاع عن طريق زرع خلايا دم جذعية من متبرع متطابق، بعد أن يكون المريض قد تلقى علاجاً تحضيرياً مناسباً، وهذا ما يخطط له في هذه الحالة، حيث تم الحصول على الخلايا الجذعية من دم الحبل السري، وهذه الخلايا من شأنها عند زرعها إعادة تكوين نخاع العظم، وبالتالي إنتاج دم سليم. ويشير د. فاضل إلى أن هذه الخطة العلاجية المتكاملة قد شهدت تحديات ثلاثة: الأول: ضمان ولادة طفل سليم، والثاني: انتقاء جنين متكافئ نسيجياً مع الطفلة المراد علاجها، والثالث: استخلاص الخلايا الجذعية من الحبل السري وحفظها بطريقة مناسبة من أجل استعمالها لاحقاً في عملية الزراعة المخطط لها. أما فيما يخص إمكانية علاج حالات وأمراض وراثية أخرى بطريقة مشابهة، فأوضح الدكتور إلياس فاضل ذلك بقوله: يحتوي دم الحبل السري على كمية من خلايا الدم الجذعية التي يمكن أن تستعمل في عمليات زرع نخاع العظم، مثلها مثل خلايا الدم الجذعية المستخرجة من نخاع العظم، أو عن طريق الدورة الدموية. أما الأمراض الوراثية التي يمكن معالجتها بدم الحبل السري فكثيرة جداً، ولا يمكن حصرها، ولكن من المؤكد أن هذه القفزة الطبية ستكون أمل الكثيرين مستقبلاً لعلاج حالات أخرى.
هذا الوضوع منقول من مجلة سيدتي
إنجاز طبي فريد في السعوديه وأمل جديد لمشاكل زواج الأقارب والأمراض الوراثيه