كيف هي رحمة الله - سبحانه وتعالى -؟, كيف هي رحمة الله - سبحانه وتعالى -؟, كيف هي رحمة الله - سبحانه وتعالى -؟ ------- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رب العزة في الحديث القدسي : { أنا الرحمن ، خلقت الرحم ، وشققت لها اسماً من اسمي ، من يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبُتُّه } .
الحق سبحانه يريد أن نتذكر دائماً أنه يحنو علينا ويرزقنا ، ويقتح لنا أبواب التوبة باباً بعد آخر ، فهو الرحمن ذو الرحمة الواسعة.
والرحمة والرحمن والرحيم .. مشتق منها الرحم الذي هو مكان الجنين في بطن أمه .. هذا المكان الذي يأتيه فيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. ويجد فيه كل ما يحتاج إليه نموه ميسراً .. رزقاً من الله سبحانه وتعالى .. بلا تعب ولا مقابل.
انظر إلى حنو الأم على ابنها وحنانها عليه .. وتجاوزها عن سيئاته وفرحته بعودته إليها. فهو سبحانه لا يأخذنا بذنوبنا ، ولا يحرمنا من نعمه ، ولا يهلكنا بما فعلنا ، ولذلك فنحن نبدأ تلاوة القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ، لنتذكر دائماً أبواب الرحمة المفتوحة لنا ، نرفع أيدينا إلى السماء ونقول : يا رب رحمتك ، تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا.
وبذلك يظل القارئ متصلاً بأبواب الرحمة ، كلما ابتعد عن الرحيم أسرع ليعود إليه ، فما دام الله رحماناً رحيماً لا تغلق أبواب الرحمة أبداً.
وحين تبدأ العمل الحلال باسم الله ، فأنت تعرف أن الحق معبود ، وله أوامر بـ " افعل " ، وله نواهٍ بـ " لا تفعل ".
وإياك أن تستحي إن كنت عاصياً أن تستفتح أعمالك باسم الله ، لأن الله لا يحقد على خلقه ، ولا يتغير على خلقه ، ولا ينفض يده من أمور خلقه.
فإن كنت قد عصيت الله في شئ فأقبل على عملك باسم الله ؛ لأنه رحمن ؛ ولأنه رحيم ، فهو سبحانه وتعالى حين شرع عقوبة على معصية من المعاصي ، فمعنى ذلك أنه أذن بأن تقع تلك المعصية.
فإن كنت قد عصيت الله ، وتخجل من أن تبدأ عملك باسم الله الرحمن الرحيم ، فتذكر أن الحق تبارك وتعالى " رحمن " و " رحيم " ، ونعرف ظان الاشتقاق في " رحمن " و " رحيم " من الرحم.
والرحم هو مكان الجنين في بطن أمه ، وهو منتهى الحنان.
ولذلك جاء في الحديث القدسي حديث الله سبحانه وتعالى عن صلة الرحم ، والحق حَنَّان على عباده ، وعطوف عليهم.
كلنا نعيش برحمات الله ، حتى الكافر يعيش على الأرض برحمة الله ، ويأخذ أسباب حياته برحمة الله ، والنعم والخيرات التي يعيش عليها تأتيه بسبب رحمة الله.
والمؤمن يأخذ نعم الدنيا برحمة الله ، ويزيد الله له بالبركة والاطمئنان ، والاطمئنان نعمة كبرى ، فمن يعيش في هذه الحياة وهو مطمئن إلى غاية أفضل من هذه الحياة ، فهذا لون عظيم من الاطمئنان.
يقول الحق سبحانه : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة : 156]
هؤلاء يقول عنهم : { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة : 157]
فالصلاة من الله عطاء الرحمة والبركة. والصلاة من الملائكة استغفار. والصلاة من المؤمنين دعاء.
إن الدنيا كلها مسخرة تحت قهر الرحمن ومشيئته وتسخيره ، وله تمام التصرف في كل الكائنات ، وهو الخالق البديع ، ولكن ما هي الرحمة؟
الرحمة : ألا تُبتلى بالألم من أول الأمر ، أما الشفاء : فهو أن تكون مصاباً بداء ويبرئك الله منه ، لكن الرحمة هو ألا يأتي الداء أصلاً.
والله سبحانه وتعالى يعلم عن عباده أن أحداً منهم قد لا يبرأ من أن يكون له ذنب ، فلو حاسبنا بالمعايير المضبوطة تماماً فلسوف يتعب الإنسان منا.
ولذلك أحب أن أقول - دائماً - مع إخواني هذا الدعاء : " اللهم بالفضل لا بالعدل ، وبالإحسان لا بالميزان ، وبالجبر لا بالحساب ". أي : عاملنا بالفضل لا بالعدل ، وبإحسانك لا بالميزان ، لأن الميزان يتعبنا.
ولقد علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دخول الجنة لا يكون بالأعمال وحدها ، ولكن بفضل الله ورحمته ومغفرته ، فيقول - صلى الله عليه وسلم - : { لن يدخل أحدكم الجنة بعمله . فقالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا حتى يتغمدني الله برحمته }.
إذن : فالمؤمن يرجو الله ، ولا يشترط على الله ، إن المؤمن يتجه بعمله خالصاً لله ، يرجو التقبل والمغفرة والرحمة ، وكل ذلك من فضل الله.
والكتابة تدل على التسجيل ، ولا أحد يوجب على الله شيئاً ؛ لأنه خالق الكون ، وله في الكون طلاقة المشيئة، فلا أحد يكتب عليه شيئاً ليلزمه به ، ولكنه سبحانه هو الذي أوجب على نفسه الرحمة.
وتشريع التوبة هو رحمة من الله تعالى بعباده الذين يرتكبون الذنب في حالة الجماقة والطيش ، ويقبلون على التوبة فوراً ، هؤلاء يقبل الحق سبحانه توبتهم.
أما الذين لا يندمون على فعل السوء ، ولا يقبلون على التوبة من فور ارتكاب الذنب ، وينتظر الإنسان منهم مجئ الموت ليتوب قبله. أي : وهو في حالة الغرغرة - وهي تردد الروح في الحلق عند الموت. هؤلاء لا تقبل لهم توبة. { وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [النساء : 18]
والحق سبحانه وتعالى تواب ورحيم ، وكلمة تواب صيغة مبالغة ، وكلمة رحيم صيغة مبالغة ، وهذا لا يعني بالنسبة لله أن هناك صفة لله تكون مرة ضعيفة ومرة قوية ، فكل صفات الله واحدة في الكمال المطلق.
وصيغة المبالغة في الخلق إما أن تنشأ في قوة الحدث الواحد ، وإما أن تنشأ من تكرار الحدث الواحد. إن قولك " الله تواب " معناه ، أنه عندما يتوب على هذا وذاك وعلى ملايين من البشر . فالتوبة تكرر.
وإذا تاب الحق في الكبائر ، أليست هذه توبة عظيمة؟ هو تواب ورحيم ؛ لأنه سبحانه وتعالى يتصف بعظمة الحكمة والقدرة على الخلق والإبداع ، وهو الذي خلق النفس البشرية ، ثم قنن لها قوانين.
وهو سبحانه حين تاب على العاصي رحم من لم يعصِ ، إنه القائل : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً } [النساء : 16] ولو قال الحق : إنه تواب فقط ، لأذنب كل واحد منا لكي يكون الوصف معه ، وقائم به لا محالة ، ولمنه قال أيضاً : { تَوَّاباً رَحِيماً } [النساء : 16] أي : أنه يرحم بعضاً من خلقه فلا يرتكبون أي معصية من البداية ، فالرحمة ألا تقع في المعصية.