يقول أبو عمرو يوسف بن عبدالبر القرطبي في كتابه جامع بيان العلم وفضله تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تنجلي حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة ) هذا القول لابن عبدالبر هو أساس معاملة الكبار مع الصغار . . ويختلف أسلوب التعامل مع الطفل من شخص لآخر ومن طفل لآخر . . ومن وقت لآخر . . وسنستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التعامل مع الطفل لنتجنبها قدر المستطاع . . وهذه الأساليب نوجزها في النقاط التالية :
يعتبر علماء التربية والنفسانيون هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة .. فالحزم مطلوب في الموافق التي تتطلب ذلك .. أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها: حيث ينفعل المربي فيفقد صوابه وينسى الحلم وسعة الصدر فينها على الطفل معنفاً وشاتماً له بأقبح وأقسى الألفاظ، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرن العنف والصرامة بالضرب .. وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل الذي يفقد الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس، كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط ( خوف مؤقت فقط ) ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلاً.
وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة .. ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي فيكره الطفل الدراسة أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات أو يصاب بنوع من البلادة، كما أنه سيمتص قسوة وانفعالات وعصبية الكبار فيختزنها ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلاً من خلال أعراض( العصاب ) الذي هو ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل .. وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المخل ( السيء) والعدوانية تجاه الآخرين أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه.
ثانياً : الدلال الزائد والتسامح.
هذا الأسلوب في التعامل لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة... فالمغالاة في الرعاية والدلال ستجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين. أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة... لأنه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث التي قد يتعرض لها .. ولا نقصد أن يفقد الأبوان التعاطف مع الطفل ورحمته، وهذا لا يمكن أن يحدث لأن قلبيهما مفطور على محبة أولادهما، ومتأصل بالعواطف الأبوية الفطرية لحمايته والرحمة به والشفقة عليه والاهتمام بأمره.. ولكن هذه العاطفة تصبح أحياناً سبباً في تدمير الأبناء، حيث يتعامل الوالدان مع الطفل بدلال زائد وتساهل بحجة رقة قلبيهما وحبهما لطفلهما .. مما يجعل الطفل يعتقد أن كل شيء مسموح ولا يوجد شيء ممنوع ، لأن هذا ما يجده في بيئته الصغيرة ( البيت ) ولكن إذا ما كبر وخرج إلى بيئته الكبيرة ( المجتمع ) وواجه القوانين والأنظمة التي تمنعه من ارتكاب بعض التصرفات، ثار في وجهها وقد يخالفها دون مبالاة .. ضارباً بعرض الحائط النتائج السلبية لمخالفته..
إننا لا نطالب أن ينزع الوالدان من قلبيهما الرحمة بل على العكس فالرحمة مطلوبة، ولكن بتوازن وحذر.. قال صلى الله عليه وسلم :" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" أفلا يكون لنا برسول الله أسوة.
ثالثاً : عدم الثبات في المعاملة.
فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه.. لذلك عل الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل. وعندما يقتنع فإنه سيصبح من السهل عليه إتباعها... ويجب مراجعة الأنظمة مع الطفل كل فترة ومناقشتها والتأكيد عليها مع الثبات في تطبيقها، فلا ينبغي أن نتساهل يوماً في تطبيق قانون ما ونتجاهله ثم نعود في اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون... لأن هذا التصرف قد يسبب الإرباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض.. وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك. وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ.
رابعاً : عدم العدل بين الأخوة.
يتعامل الكبار أحياناً مع الأخوة بدون عدل فيفضلون طفلاً عن طفل .. لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر - مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه إخوته ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار وهذا الأمر حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم".