ذاك الكريم بأخلاقه وأفعاله يماثل شجرة مباركة تتواضع بظلها وتمد أطرافها رحمة .. ثم تفيض وتنحني لتقرب ثمارها لمن يرغب .. تمد بها يـداً بيـد ولا تسقطها خوفاً من جرح كبرياء ذاك الذي تمور به الحوجة .. وهو قد يكون عزيزاً دارت به الدوائر فيتعفف استحياءً ثم يمـد يـداً خجولة .. شجرة تنام تحتها الأنام والهوام وظلها دائم حتى إذا رحل الكريم يوماً تنبه الناس فجأة بأنها كانت هناك شجرة .. هؤلاء يتمثل العطاء فيهم بأنهار منابعها فراديس عالية المقام .. والكريم بكرمه هو ذاك الذي يمنع النظرة أن تلتقي بنظرة الذي لا يسأل الناس إلحافاً .. يتواجد بقوة العطاء ويتوارى بشفافية روح تمنح الحياة للأجساد ولا ترى للناس أعياناً .. وهناك خلق ممن ضاقت بهم الأيام
ثم يتنعمون برحمة سحاب دون أن يروا ذاك السحاب .. تتجلى لهم نعمة العطاء بغير منة أو أذية .. رحمة تفرج الضائقة بأيد خفية رحيمة ترى نعمتها ولا يرى أصحابها .. وهم قلة ولكنها قلة نادرة وعزيزة .. وهم كذلك دائماً عبر الدهور والأزمان .. كانوا ذات يوم فلا يعرفهم أحد وارتحلوا ولا يعرفهم أحـد .. قمة في نكران الذات وقمة في شرح معنى الآيات .. يضربون الأمثلة في الجود والكرم .. ولا يتواجدون عند الأسئلة .. تلك التي تحير بالسؤال .. من هؤلاء ؟؟ ولأي أصالة ينتمون ؟؟ .. وأية أخلاق لهم تلك التي تشابهت بأخلاق الأنبياء ؟؟
. وهناك آخرون .. وهم كثرة يسبق اسمها كرمها .. يرجمون بالقليل ليبذلوها ثرثرةً بغير بديل .. ويقدمونها قليلة لمآرب في النفس حتى ينالوها أثقالاً وأحمالاً .. أو يبغونها سمعة ورئاءً .. العطاء منهم دائماً لدنيا المظاهر والمفاخر .. وصيت الذي يأخذ منهم يبقى في الأسواق سلعة معروضة للناس .. وقد يزيدونه العطاء بالنيل والتجريح .. أو يجعلونها سابقة تستلزم الانحناء وتقبيل يد العطاء .. وإلا فالويل لمن يعاني ثم يتعالى عفةً ونزاهةً .. فهو في عرفهم ناكر جميل لا يعرف الوفاء .. ومتزمت يستحق العقاب بالتشهير فوق الفضاء .. وهنا يتوقف السؤال ولا أحد يريد مواصلة الشقاء مع أهل الشقاء .. فهناك كان السؤال عن من هؤلاء .. وهنا السؤال عن لمـاذا هؤلاء ؟