كيف تحفظ القرآن الكريم,كيف تحفظ القرآن الكريم,كيف تحفظ القرآن الكريم,كيف تحفظ القرآن الكريم كيف تحفظ القرآن الكريم,كيف تحفظ القرآن الكريم,كيف تحفظ القرآن الكريم,كيف تحفظ القرآن الكريم -----
كيف تحفظ القرآن الكريم
مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء حزننا ، وذهاب همنا.. أما بعد..
فإن نعمة القرآن العظيم من أعظم النعم التي منّ الله بها على عباده المؤمنين..لدرجة أن الله سبحانه وتعالى قدم هذه النعمة على خلق الإنسان أصلاً..وذلك كما جاء في سورة الرحمن ، حيث قال سبحانه: "الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان".. وكأن الإنسان الذي لا يتعلم القرآن لم يخلق أصلاً.. وكأنه ليست فيه حياة.. ورد هذا المعنى أيضاً في سورة الأنفال حيث قال ربنا عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم".. وكأن الإنسان الذي لا يستجيب لكلام الله ولا لكلام رسوله إنسان ميت لا حياة له..
وقد اختص الله عز وجل طائفة من عباده المؤمنين بنعمة جليلة، ومنة غالية وهي أن جعلهم يحفظون هذا الكتاب القيم عن ظهر قلب..ورفع جداً من قدرهم، وعظم جداً من أجرهم.. وأمر المؤمنين جميعاً أن يجلوا أمرهم، ويقدموهم على غيرهم.. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر في أكثر من حديث.. حيث قال على سبيل المثال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"..
ونحن في هذا الكتاب نحاول أن نضع أيدينا على بعض الأسباب التي تساعد في هذه المهمة العظيمة، والغاية الجليلة.. "مهمة حفظ القرآن الكريم"..
وقد أحصيت لكم في هذا الكتاب عشر قواعد أساسية - لا غنى عنها أبداً - لمن أراد أن يحفظ هذا الكتاب الكريم، ثم أضفت إليها عشر قواعد أخرى مساعدة، وهي ـ وإن كانت أيضاً في غاية الأهمية ـ فإنها لا تغني أبداً عن القواعد الأساسية.. فتلك عشرون كاملة!.. أسأل الله عز وجل أن يمن علينا بحفظ كتابه وتدبر معانيه والعمل بما فيه، وأن يجعلنا ممن حفظوا للقرآن حرمته، وممن عظموا منزلته، وبمن تأدبوا بآدابه، والتزموا بأحكامه.. وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي وحسناتكم أجمعين.. إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة جدير..
والآن مع صفحات الكتاب.. د. راغب السرجاني هذه المهمة!! إن حفظ القرآن الكريم لمهمة من أجل المهام التي من الممكن أن يقوم بها مسلم.. وأجل من ذلك وأعظم أن تعمل بما تحفظ، وأن تدعو إلى الله عز وجل بهذا الكتاب الكريم.. قال تعالى: "ألمص، كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به وذكرى للمؤمنين"..
ولكي ندرك عظمة هذه المهمة علينا أن نتدبر قليلاً في أجر من يقرأ القرآن.. فإذا علمت أن هذا الأجر الجزيل يعطي للقارئ..فما بالكم بالذي يحفظ؟!.. ذلك لأنه من المعلوم أن الذي يحفظ قد داوم على قراءة كثيرة.. وما زال يداوم حتى يثبت حفظه، ويراجع ما قد نساه على مر الأيام.. روى الترمذي عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح فالعقل القاصر لا يمكن أن يتخيل حجم الثواب الهائل الذي يأخذه القارئ _ ومن ثم الحافظ ـ للقرآن.
ثم إن القرآن سيأتي يوم القيامة يدافع عن أصحابه!!.. نعم!!.. يأتي يدافع عن من اعتاد قراءته وحفظه والعمل به والدعوة إليه.. وتخيل يوم القيامة أن القرآن يأتي سورة سورة يدافع عنك!!.. فهذه البقرة تشفع لك..وهذه آل عمران تطلب لك..وهذه الأعراف ترجو لك..وهذه الأنفال تتمنى لك!.. أمر هائل أن تتخيل أن كلام الله عز وجل هو الذي يدافع عنك يوم القيامة!.. روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا" حفظ القرآن الكريم.. معجزة!!
لا شك ـ إخواني في الله ـ أن حفظ هذا الكتاب العظيم معجزة!.. هي فعلاً معجزة حقيقية أن تجد الألوف بل الملايين من أمة الإسلام يحفظون هذا الكتاب العظيم ، مع كبر حجمه ، وتعدد سوره ، وتشابه آياته.. ولا أعلم كتاباً على ظهر الأرض - سماوياً كان أو غير سماوي - حفظه الناس بهذه الصورة.. فهي خاصية فريدة جعلها الله عز وجل لكتابه العظيم..
ويزداد عجبك عندما ترى بعض الطوائف من المسلمين - والذين لا تتخيل لهم أن يحفظوا هذا الكتاب الكريم - قد حفظوه بالفعل!!.. • فالأطفال دون العاشرة ـ وأحياناً دون السابعة _ يحفظون القرآن الكريم وقد يتمون حفظه بالكامل في هذا السن!!.. هذا مع العلم طبعاً أن غالب الكلمات التي يقرأها الأطفال لا يدركون معناها!.. • تجد أيضاً أن كثيراً من الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، يحفظون هذا الكتاب العجيب..فقط عن طريق السماع والتلقين!.. • تجد أيضاً كثيراً ممن فقدوا نعمة البصر قد أبدلهم الله عز وجل بنعمة القرآن..فهم وإن كان يتعذر عليهم مطالعة المصحف، وحفظ شكل الصفحة ، إلا أن الله عز وجل يمن عليهم بحفظ القرآن الكريم ، وبصورة قد تكون أرسخ وأقوى من الذين يتمتعون بنظر صحيح ثاقب!.. • بل أعجب من ذلك وأغرب، أنك تجد قوماً لا يتحدثون اللغة العربية أصلاً، يحفظون هذا الكتاب عن ظهر قلب!!.. بل ويرتلونه كما أنزل.. وبصورة قد تكون أفضل جداً من كثير من العرب الذين يتكلمون العربية..
كل هذا يشير إلى أن تيسير حفظ هذا الكتاب الكريم هو معجزة إلهية..وآية ربانية وصدق الله العظيم القائل: "إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون".
وأعظم وسائل حفظ هذا الكتاب الجليل في الأرض، هو أن يحفظ في قلوب الرجال والنساء والأطفال!!.. فهذه أماكن آمنة لا يصل إليها عدو ولا حاقد.. وقد يأتي على المسلمين زمان يُحارب فيه الإسلام، وتُحرق فيه كتب القرآن، ولكن يبقى القرآن في الصدور.. حدث ذلك على سبيل المثال في الجمهوريات الإسلامية أيام احتلالها بالاتحاد السوفيتي.. فهم كانوا يحرقون كل المصاحف، ويعاقبون بالقتل كل من يجدون عنده مصحفاً في بيته أو في عمله.. ومع ذلك فإن أهل هذه البلاد حفظوا القرآن الكريم في صدورهم، ونقلوه من واحد إلى واحد عن طريق التلقين، وكانوا يدرسونه في المخابئ والكهوف والخنادق.. ومرت الأيام..وانقشع الظلام الروسي ، وبقي القرآن الكريم في صدور المسلمين!!.. وصدق الله عز وجل إذ يقول : "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وما يجحد آياتنا إلا الظالمون ". حفظ القرآن الكريم مسؤولية كبيرة
غير أني أود أن أؤكد على أن حفظ القرآن الكريم مسؤولية عظيمة، وتبعة كبيرة.. فالذي وفقه الله عز وجل لهذه النعمة عليه أن يعرف أنه سيبدأ حياة جديدة وهو يحمل في صدره هذا القرآن.. و من المؤكد أنه لن يكون كما كان في سابق حياته.. بل ستتغير فيه أشياء كثيرة.. في داخله وفي خارجه.. في سريرته وفي علانيته.. في علاقاته وفي معاملاته.. لقد أصبح إنساناً يحمل القرآن!..ولابد لهذا الإنسان من التحلي بصورة خاصة جداً..لا يتحلى بها إلا حمال هذا الكتاب الجليل.. يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون مستكيناً ليناً، ولا ينبغي له أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخاباً ولا حديداً".. ويقول التابعي الجليل الفضيل بن عياض رحمه الله: "حامل القرآن حامل راية الإسلام ، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ، ولا يسهو مع من يسهو ، ولا يلغو مع من يلغو". وقال أيضاً: "ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم". هذه الصورة التي يشرحها لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، والفضيل بن عياض رحمه الله توضح لنا أن حفظ القرآن الكريم تربية.. وتربية عظيمة.. هو تربية للفرد.. وهو كذلك تربية للأمة.. وتخيل أمة يكثر فيها المؤمنون الذين يتصفون بهذه الصفات.. إنها _ ولا شك ـ أمة لا تموت..
والله عز وجل كلف حمال القرآن بمهمة عظيمة جداً لا يكلف بها إلا أفاضل الرجال.. لقد أستأمنهم على أغلى وأعظم عبادات الإسلام.. لقد أستأمنهم على "الصلاة".. فجعل الذي يؤم الناس في الصلاة هو أكثرهم قرآناً ، وأعظمهم تجويداً ودراية بقواعد التلاوة.. روى مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ: مَكَانَ سِلْمًا "سِنًّا".
كذلك قدم الإسلام هؤلاء الحفاظ على غيرهم في قضايا الإفتاء والشورى وأخذ الرأي.. فالذي نور الله قلبه بالقرآن، أقدر على معرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ.. روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا"
وحامل القرآن يثبت في أوقات الجهاد والنزال أكثر من غيره.. بل على أكتافهم توضع المسؤولية، ومن ورائهم تسير الجيوش.. لقد كان المسلمون في موقعة " اليمامة" الشهيرة إذا حدثت لهم هزة أو انتكاسة استنجدوا بأهل القرآن.. كانوا ينادون عليهم ويقولون: "يا أهل القرآن" فيقومون، ويقوم من ورائهم المسلمون، حتى استشهد في اليمامة خمسمائة حافظ للقرآن!!.. ثم قام المسلمون بعد ذلك ينادون على حفاظ سورة البقرة: "يا أهل البقرة".. فقاموا حتى مات منهم خلق كثير!!..
وهذا يوضح التبعة الضخمة التي كان يحملها حفاظ القرآن الكريم..
ولا يصح لأحد أن يقول إن المسؤولية كبيرة ، ولا داعي لحملها حتى لا يسألني الله عنها!!.. فكل تكاليف الإسلام مسؤولية.. الجهاد مسؤولية.. الدعوة مسؤولية.. الإمارة مسؤولية.. قول الحق مسؤولية.. فمن يحمل مسؤوليات الإسلام إن تخلف عنها المسلمون؟!.. ثم إن الأجر على قدر المشقة.. وليس من تعب وسهر كمن تكاسل وفتر!!.. والعبرة بالنوايا والأعمال وليس بالنتائج.. والله مطلع على وسعنا ، ومحاسبنا عليه.. نسأل الله لنا ولكم أن يستعملنا لدينه.. مكانة حافظ القرآن في الإسلام
لكل ما سبق فإن حافظ القرآن الكريم كان له ـ وما زال ـ مكانة عظيمة في الإسلام، وستظل هذه المكانة ـ إن شاء الله ـ محفوظة لهم إلى يوم القيامة.. ـ روى مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: "ابن أبزى" قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل ، وإنه عالم بالفرائض. ثم قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين".
ـ وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول أيهما اكثر أخذاً للقرآن فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد".
ـ وروى أبو داود عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه - وقال النووي حديث حسن _ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط". قواعد حفظ القرآن الكريم
من المعلوم والواضح أن حفظ القرآن الكريم ليس بالمهمة السهلة البسيطة التي يقدر عليها عموم الناس دون تفريغ الوقت والمجهود والطاقة.. لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحة في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه وقال فيه:. "تعاهدوا القرآن ، فوالدي نفسي بيده لهو أشد تفصياً (أي تفلتاً) من الإبل في عقلها" وفي رواية أحمد "لهو أشد تفلتاً من قلوب الرجال من الإبل من عقله"
ومع ذلك فكل مهمة صعبة تصبح يسيرة على من يسرها الله عز وجل عليه.. قال الله عز وجل: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه".. وروى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ". قَال َ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وكما قالوا قديماً : "طريق الألف ميل يبدأ بخطوة"..
وقد اجتهدت في جمع بعض القواعد التي تعين ـ بإذن الله تعالى ـ على حفظ هذا الكتاب الجليل.. جمعتها من قراءات كثيرة، واجتهادات شخصية، وجمع للخبرة المختلفة من كثير من الحفاظ.. وهي في النهاية قواعد اجتهادية تقبل للزيادة دائماً.. وكل يدلي بدلوه.. وأرجو من القراء الكرام أن لا يبخلوا علىّ بنصيحة إذا وجدوا طريقة جديدة ، أو قاعدة مجربة ومفيدة تساعد على الحفظ ولم تذكر في هذا الكتاب، حتى أضيفها في الطبعات القادمة.. وسيكون لهم إن شاء الله من الأجر مثل أجر كل من عمل بهذه القاعدة..
وكما ذكرت في المقدمة فإنني قسمت هذه القواعد إلى مجموعتين رئيسيتين:ـ المجموعة الأولى وهي مجموعة القواعد الأساسية، والتي اعتقد أنه لا غنى عنها أبداً لحافظ القرآن.. وللأسف فإن كثيراً من الشباب الذين تحدثت معهم في طرق الحفظ والتذكر يعتمدون اعتماداً كلياً على الطرق المساعدة دون الأساسية، وهذا قصور كبير في الفهم، ونقص عظيم في الإدراك.. فمجموعة القواعد الأساسية ـ في رأيي ـ هي مجموعة لا خيار لك فيها.. لابد أن تعمل بها.. حتماً لا اختياراً.. أما المجموعة الثانية من القواعد وهي مجموعة القواعد المساعدة فهي قابلة للتغيير والإضافة والحذف إلى حد ما، وإن كانت هي الأخرى في غاية الأهمية، ولكن قد تختلف وجهات النظر فيها من واحد إلى آخر، ومن زمن إلى زمن.. وعلى كلٍ فالاعتماد على القواعد جميعها ـ أساسية ومساعدة ـ سيؤدي إلى نتيجة أفضل ، ولا شك في ذلك..
وأود في هذا المقام أيضاً أن أشير إلى أن بعض الشباب كان يعتقد أنني سأقدم له في هذه المحاضرة "وصفة سحرية"!! أو طريقة معينة يستطيع بها في أيام معدودات أو شهور قلائل أن يتم حفظ القرآن الكريم على خير وجه!!..ولا يخفي على عاقل أن هذا وهم لا دقة فيه!.. إخواني في الله: حفظ القرآن مهمة عظيمة.. وتحتاج لعظيم!!.. حفظ القرآن غاية نبيلة لابد أن تبذل في سبيل تحقيقها الأوقات والأيام!!..
وأسأل الله عز وجل أن ينفعني وينفعكم بكل قاعدة من هذه القواعد.. إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير.. القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم القاعدة الأولى الإخلاص
وهي أهم قاعدة في هذا الموضوع.. وذلك أن الإنسان إذا عمل عملاً لا يبتغي به وجه الله عز وجل، فإن هذا العمل يكون محبطاً.. قال الله عز وجل: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك، لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين".. فإياك..إياك أن تبتغي بالقرآن جاهاً، أو وجاهة، أو ارتفاعاً فوق الناس، أو إمامة للصلاة، أو أن يشار إليك ويقال: هذا قارئ، أو تحصيل مال، أو أي عرض من أعراض الدنيا.. روى أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا".
وروى الإمام مسلم والنسائي وأحمد رحمهم الله جميعاً حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه يوضح فيه خطورة أن يفعل الإنسان الخير ابتغاء مرضاة الناس، وليس ابتغاء رضا الله عز وجل، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ". فكان من الممكن أن تسعر جهنم أول ما تسعر بقاتل أو بزانٍ أو بشارب خمر، ولكن الله عز وجل أراد أن يوضح خطورة هذا الأمر، وخطورة طلب رضا الناس على حساب رضا الله عز وجل، فجعل أول من يقضى عليهم يوم القيامة مجموعة من غير المخلصين، الذين لم يضعوا في اعتبارهم ثواب العمل ورضا الله عز وجل، بل طلبوا أعراض الدنيا فقط.. روى الحاكم – وقال صحيح – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا القرآن وسلوا الله به الجنة ، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا ، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به ، ورجل يستأكل به ، ورجل يقرأه لله".
وكلما زاد إخلاصك كلما عظم أجرك عند الله تعالى ، وذلك كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو حديث جامع في أمر الإخلاص - حيث قال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
وكلما أكثرت من النوايا الصالحة كلما عظم أجرك كذلك.. فقد ينوي الإنسان بعمل صالح واحد أكثر من نية صالحة، وهنا - في مقام حفظ القرآن الكريم - تستطيع أن تعدد النوايا الصالحة أيضاً..
فعلى سبيل المثال تستطيع أن تأخذ النوايا الآتية :ـ 1ـ نية القراءة الكثيرة للقرآن: فالذي يحفظ القرآن يستطيع أن يقرأ القرآن بصورة أكبر عن طريق التسميع لما يحفظ، وذلك في أماكن لا يستطيع فيها أن يخرج مصحفه ويقرأ.. فمثلاً وهو يسير في الطريق، أو عند قيادة السيارة، أو ركوب المواصلات المزدحمة وهو لا يستطيع أن يخرج مصحفه، أو عند وجوده في مكان لا يتوفر فيه مصحف.. في عيادة طبيب.. في مكتب.. في سفر.. أو في أي مكان آخر.. ولا يخفي على القارئ أن الحرف من القرآن بعشر حسنات.. والثواب هائل لا يتخيله العباد!!.. 2ـ نية قيام الليل بما تحفظ: فالإنسان قد يفتر عن القيام إذا كان في كل مرة يقرأ سوراً معينة بعينها، ولا يحفظ غيرها.. أما إذا كان حافظاً للقرآن فهو يتجول كل يوم في سورة ، ويستمتع بكتاب الله عز وجل.. 3ـ نية أن تنال شرف أن تكون من حمال القرآن: وبذلك يدافع القرآن بكامله عنك يوم القيامة، وهذا مطلب عزيز ، وهدف عظيم تبذل من أجله الأرواح والأبدان.. 4ـ نية أن تلبس والداك تاجاً يوم القيامة: روى أبو داود عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا".. والحديث وإن كان ضعيف الإسناد إلا أنه لا شك أن ثواب الآباء الذين يحفظون أبناءهم القرآن سيكون كبيراً جداً ، وهي فرصة لتذكير الآباء باستغلال سن الأطفال الصغيرة للتحفيظ لأن ذاكرتهم أقوى بكثير من ذاكرة الكبار. وقديماً قالوا: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
5ـ نية الوقاية من عذاب الآخرة: روى الدرامي بسند صحيح عن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ"
6ـ أن تعلمه غيرك: فأنت إذا حفظت القرآن ونقلته إلى غيرك تحفيظاً وتجويداً وتفسيراً ، كان هذا بياناً بأنك أصبحت من خير هذه الأمة.. لم أقله أنا، بل قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقال فيه: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". 7ـ أن تكون قدوة حسنة للمسلمين ولغير المسلمين: فنحن نريد الطبيب الملتزم الحافظ، والمهندس الملتزم الحافظ، وكذلك الفلاح الملتزم الحافظ ، والنجار الملتزم الحافظ.. فإذا أضفنا إلى الحفظ والالتزام تفوقاً في المهنة، كانت هذه دعوة متحركة.. وسيربط الناس بسهولة بين التفوق في المهنة والمهارة فيها والآداب في ممارستها، وبين الإسلام والالتزام وحفظ القرآن.. وهذه دعوة بالقدوة، لا تعدلها دعوة أخرى..
هذه بعض النوايا الطيبة في حفظ القرآن الكريم، ولا شك أن هناك نوايا صالحة أخرى في حفظ هذا الكتاب الجليل، والأمر على إطلاقه بين المسلمين.. القاعدة الثانية العزيمة الصادقة مهمة حفظ القرآن الكريم مهمة جليلة وكبيرة، ولن يقوى عليها إلا أولوا العزم.. وأولوا العزم يتصفون بصفة هامة واضحة وهي ببساطة: صدق العزم.. ولذلك ُسموا "بأولي العزم".. بمعنى أن يكون حريصاً على تنفيذ ما نواه والإسراع فيه قدر المستطاع.. فكل مسلم "يرغب" في حفظ القرآن الكريم، ولكن "الرغبة" وحدها لا تكفي.. لابد أن تُتبع هذه الرغبة "بإرادة" قوية لتنفيذ العمل.. استمعوا إلى قول الله عز وجل: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فأولئك كان سعيهم مشكوراً".. فكل الناس "يرغب" في الآخرة، لكن من الصادق منهم ؟!.. الصادق هو من أراد ذلك حقيقة ، ثم تحولت إرادته إلى عزم أكيد، ثم تحول العزم إلى عمل حقيقي ملموس، وذلك كما قال الله عز وجل: "وسعى لها سعيها".. ويظل المؤمن مواظباً على هذا العمل حتى يصبح "عادة" عنده.. فلا يمر يوم من حياته، إلا وقد "تعود" أن يراجع القرآن الكريم ويحفظ القرآن الكريم ويثبت ما حفظه قبل ذلك.. هذه العزيمة هي التي تؤدي فعلاً إلى حفظ الكتاب الكريم.. روى الترمذي وابن ماجة وأحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:َ "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ". قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. فالذي يتمنى على الله أن يحفظ القرآن ، ولم يعزم على ذلك عزماً أكيداُ، هو عاجز واهم لم يدرك طبيعة هذا الدين.
ولذلك - يا أخي في الله ـ ابدأ اليوم فور انتهائك من هذا الكتاب في عملية الحفظ، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد ، وإياك من كلمة "سوف" ، فإن كثيراً من الأعمال الصالحة تضيع لأن أصحابها قالوا: سوف أقوم بها غداً أو بعد غد، أو بعد الانتهاء من كذا وكذا.. فابدأ اليوم أنت وأبناءك.. وكن من "أولي العزم"!!.. القاعدة الثالثة أدرك قيمة ما تعمل
فالذي يدرك قيمة الشئ يضحي من أجله، والناس عادة يبذلون المجهود ليحصلوا على أعمال دنيوية معينة ، وذاك لإدراكهم قيمة هذه الأعمال، ووفرة العائد من ورائها.. وكذلك أعمال الآخرة.. فكلما أدركت قيمة الأجر وقيمة الثواب لفعل من الأفعال، ازددت شوقاً إليه، فالذي يعرف فضل قيام الليل تفصيلاً، ليس كالذي يعرف أنه شئ طيب وكفى، والذي يعرف فضل صلاة الجماعة معرفة دقيقة غير الذي يعرف أن صلاة الجماعة شئ طيب وكفى..وكذلك الذي يعرف فضل القرآن بالتفصيل، ليس كالذي يعرفه إجمالاً.. وإليك ـ أخي الحبيب ـ طرفاً من فضله، فوق الذي ذكرناه من قبل، وهذا ليس على سبيل الحصر، بل على سبيل المثال فقط..
• روى النسائي بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن أهل الله وخاصته"..
• روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ".
• روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِب"ِ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. • وروى الترمذي - وقال حسن صحيح - وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا"..
فإذا علمت هذه القيمة ـ أخي في الله ـ فإنك ولابد ستفرغ الوقت والمجهود والفكر لهذه المهمة ، والله عز وجل هو الموفق.. القاعدة الرابعة العمل بما تحفظ من القرآن
وهي من أهم القواعد على الإطلاق. .وويل لمن جمع العلم ولم يعمل به!! يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "رب تالٍ للقرآن، والقرآن يلعنه".. ولماذا يلعن القرآن قارئاً له ؟!.. ذلك لأنه يقرأ الآيات ويحفظها ثم لا يعمل بها..
يقرأ آيات الربا، ويحفظها، ويعلم أن المتعامل بالربا في حرب مع الله ورسوله ثم هو يتعامل بالربا!!.. يقرأ آيات بر الوالدين، ويحفظها، ويعلم درجة بر الوالدين، وعقوبة عقوق الوالدين، ثم هو يعق والديه!!.. فهذا يوجب له اللعنة..ونعوذ بالله من ذلك..
يعلمنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه منهجاً راقياً في التعامل مع القرآن الكريم.. فهو لم يكن يحفظ شيئاً إلا وعمل به، ثم ينتقل إلى غيره وهكذا.. لقد فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن القرآن ليس كتاباً أنزل لمجرد الحفظ أو البركة.. إنما هو دستور للمسلمين، وقانون يحكم كل صغيرة وكبيرة في حياتهم.. قال تعالى: "واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون". وقال أيضاً: "وهذا كتاب مبارك أنزلناه مبارك ، فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون".
ولذلك من حفظه ولم يعمل به، فلم يفقه حقيقة هذا الكتاب وأهميته.. قال سفيان بن عيينة رحمه الله:.. "أجهل الناس من ترك ما يعلم وأعلم الناس من عمل بما يعلم وأفضل الناس أخشعهم لله".
وعلى هذا الفقه والفهم كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين.. روى الدرامي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، يخالف عملهم علمهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً ، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله".
وكذلك كان يفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه في موقعة اليمامة ، فكان إذا أراد أن يحمس المسلمين الحفاظ للقرآن الكريم، قام وقال لهم: " يا أهل القرآن: زينوا القرآن بالفعال".
فليس حفظ القرآن غاية محدودة، وإنما لابد أن يتبع الحفظ بعمل..
وفوق كل ذلك، فإن العمل بما تحفظ يسهل عليك الحفظ الجديد.. وقديماً قالوا: "من عمل بما يعلم، أورثه الله علم ما لم يعلم".
فالعمل بما تحفظ ، طريق لحفظ الجديد من القرآن.. القاعدة الخامسة ترك الذنوب
القلب الذي أشرب حب المعاصي لا يمكن أن يعي القرآن.. وكلما أذنب العبد ذنباً كلما تأثر قلبه، وكلما تأثر قلبه ضعفت قدرته على حفظ هذا الكتاب الطاهر..
وليست الذنوب الواضحة فقط ، بل أمرنا الله عز وجل باجتناب الشبهات.. روى البخاري ومسلم عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".
وقد فقه ذلك الشافعي رحمه الله في درس عملي أعطاه إليه معلمه ومدرسه "وكيع" رحمه الله.. وذلك أن الشافعي رحمه الله كان مشهوراً بالذاكرة القوية العجيبة، وكان يحفظ الشئ بمجرد النظر إليه، ثم اكتشف في يوم أنه لا يجيد الحفظ كما اعتاد، فذهب إلى أستاذه "وكيع" رحمه الله، واشتكى إليه سوء حفظه، فقال له وكيع رحمه الله: إن ذلك يرجع إلى أنك ارتكبت ذنباً من الذنوب ، فأثر على قوة حفظك، فراجع الشافعي نفسه ، فوجد أنه قد وقع بصره ذات مرة على ساق امرأة رفع الهواء ثوبها.. فاعتبر أن هذا هو الذنب الذي أثر على حفظه.. فنظم هذه الأبيات الرائعة والتي تفيض بالفقه والحكمة.. قال الشافعي رحمه الله: شكوت إلى وكيع سوء حفـظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقـال لي: إن العلــم نـورٌ ونور الله لا يهدي لعاصي
وسبحان الله!!.. إذا كان هذا هو الذنب الذي أثر على حفظ الشافعي، فلعلنا ندرك الآن لماذا يصعب علينا الحفظ أحياناً!!..
وما أفقه التابعي الجليل الضحاك بن مزاحم رحمه الله عندما قال فيما رواه أبو عبيد رحمه الله: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه، لأن الله يقول: "وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم" ، ونسيان القرآن من أعظم المصائب!!".. القاعدة السادسة الدعاء
وسيلة لا تخيب أبداً.. الدعاء إلى الله عز وجل بإخلاص وصدق.. اسأل الله عز وجل أن يمن عليك بحفظ القرآن الكريم، وأن يجعل نيتك خالصة له سبحانه، وأن ييسر لك العمل به..
واحرص يا أخي على تخير الأوقات الشريفة للدعاء، والتي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فيها، كوقت السحر، وبعد ختام الصلاة، وفي العشر الأواخر من رمضان ، وبالذات في الليالي الفردية ، وأثناء المطر، وأثناء السفر ، وغير ذلك من الأوقات الشريفة..
ويجدر هنا الإشارة أنه ليس هناك دعاء مخصوص لحفظ القرآن، وليس هناك صلاة معينة تعين على الحفظ، وكل ما ورد في ذلك لا أصل له، وإنما تدعو الله بما فتح عليك.. واسأل الله الإجابة.. القاعدة السابعة الفهم الصحيح
لا شك أن الذي يفقه معاني الآيات التي يحفظها سيكون الحفظ عليه أيسر.. وبالذات عند حفظ السور التي تحتوي على قصص كثير، أو على آيات لها أسباب نزول معروفة، وكذلك الآيات التي تحوي أحكاماً فقهية، كالوضوء وكفارة اليمين وكفارة الظهار والصيام ودية القتل الخطأ وغير ذلك من الأحكام..
والذي ينوي أن يحفظ القرآن الكريم كاملاً عليه أن يستعين بكتاب مبسط للتفسير ، حتى يساعده على فقه المعاني بسرعة ودون إسهاب. وكمثال لما يمكن الاستعانة به:ـ • مختصر ابن كثير • مختصر الطبري • تفسير السعدي • تفسير محمد فريد وجدي • تفسير الجلالين للسيوطي • أو غير ذلك من التفاسير المختصرة..
أما إذا أردت التوسع في تفسير آية أو سورة فلتعد إلى كتب التفسير الكاملة ومن أشهرها:ـ • تفسير ابن كثير • تفسير القرطبي • تفسير الظلال لسيد قطب • الأساس في التفسير لسعيد حوى • أو غير ذلك من كتب التفسير الكثيرة..
وأعود وأكرر أن هذا الكتاب الجليل دستور لحياتنا ، ومن ثم فمعرفة التفسير الصحيح للآيات أمر حتمي لمن أراد أن يعمل بها. ولئن تحفظ آية واحدة بتفسيرها خير لك من حفظ عشر آيات لا تفقه معناها.. القاعدة الثامنة التجويد المتقن
وتجويد القرآن أمر هام جداً لمن يقرأه.. وليس كل عارف باللغة العربية يستطيع قراءة القرآن قراءة صحيحة.. فقراءة القرآن لها قواعد معينة خاصة جداً ، لا تُطبق إلا مع كتاب الله عز وجل.. والله عز وجل يريد منا أن نقرأ القرآن كما قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قرأه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعه من جبريل عليه السلام، وقرأه الصحابة كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وما زال هذا العلم العظيم يُتوارث من جيل إلى جيل حتى وصل إلينا، وسيبقى محفوظاً ـ إن شاء الله ـ إلى يوم القيامة..
وتجويد القرآن يعين على حفظه، فالجرس الخاص جداً للقرآن الكريم يثبته في القلب، وعلى المسلم الراغب في حفظ القرآن أن يتعلم هذه القواعد حتماً وبسرعة، وذلك لأنه من الصعب عليه جداً تغيير ما حفظ من القرآن بعد أن أتم حفظه، فلو حفظ بقواعد تجويد خاطئة لاستمر حفظه على هذه الصورة..
وحفظ القرآن بالتجويد المتقن له أجر عظيم من الله عز وجل، ولابد أن يبذل المتعلم للقرآن الجهد والوقت لتعلم قواعد التجويد..حتى وإن كان هذا الأمر شاقاً عليه جداً.. فكل محاولة للتعلم تزيد في أجر المؤمن.. استمع إلى ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ". ولفظ البخاري: "وهو حافظ له".. وقال النووي رحمه الله: الماهر بالقرآن أي الحاذق الكامل الحفظ، والسفرة هم الرسل، إما من الملائكة وإما من البشر ، وكلاهما عظيم..
ولابد من الإشارة أن تعلم قواعد التجويد لابد أن تكون عن طريق التلقي من حافظ متقن لقواعد التلاوة والتجويد، ومن المستحيل الاكتفاء في تعلمها بالكتب أو أشرطة الكاسيت.. ولكن لابد من السماع من معلم أولاً، ثم بعد ذلك يمكن الاستعانة بأشرطة الكاسيت ، وبأقراص الكمبيوتر المُعلمة ، وبسماع القرآن الكريم ، وبكتب التجويد ، وغيرها من وسائل التعليم..
وهنا يجدر بنا أن نذكر الآباء أن ينفقوا الوقت والمال في إحضار معلمين لأولادهم يحفظونهم القرآن الكريم في طفولتهم، ويستغلون هذه الفترة العظيمة في حياة الأطفال حيث الذاكرة القوية، والذهن المتفتح، كما أنه لا يخفى على الآباء المسلمين الفائدة التربوية العظيمة لتربية الطفل على حفظ كتاب الله عز وجل.. القاعدة التاسعة التلاوة المستمرة
اجتهد أن تختم القرآن على الأقل مرة واحدة كل شهر.. وإن استطعت أن تختم في أقل من ذلك فهذا أفضل.. وكان معظم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يختمون القرآن في أسبوع!!.. وكان بعضهم يختم القرآن في ثلاثة أيام!!..
ولا يخفي على عاقل أن كثرة التلاوة تعود على صاحبها بالأجر الجزيل العميم.. وفي ذات الوقت فهي تثبت الحفظ كثيراً.. حتى عندما تقرأ الآيات والسور التي لم تحفظها بعد ، فإن ذلك يجعلها قريبة إلى الذهن، فإذا جئت لحفظها بعد ذلك فإن هذا يكون ـ ولا شك ـ أيسر..
إن متابعة القراءة كثيراً ينقل السور المحفوظة من "الذاكرة القصيرة" إلى "الذاكرة الطويلة".. ومن خصائص الذاكرة القصيرة أنها تحفظ بسرعة، ولكنها تنسى أيضاً بسرعة، أما الذاكرة الطويلة فإنها تحتاج إلى وقت طويل حتى تدخل المعلومة فيها، ولكنها في نفس الوقت تحتفظ بالمعلومات لمدد أطول.. ومن المعروف أن من الطرق الهامة لإدخال المعلومات في الذاكرة الطويلة طريقة "التكرار".. فكثرة القراءة تثبت الحفظ، ولا شك في ذلك. روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ". وكذلك روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ ، وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ".
ومثل القراءة ـ ولكن بدرجة أقل ـ يكون السماع.. فمتابعة سماع القرآن الكريم تساعد على إدخال الآيات في الذاكرة الطويلة.. فاحرص ـ أخي الحبيب ـ على متابعة السماع للآيات الكريمة في سيارتك ، أو في أتوبيس العمل أو الميكروباس أو التاكسي عن طريق شريط تحمله معك، وهذا في نفس الوقت وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله، وسوف تأخذ ثواباً عظيماً على كل أذن سمعت الآيات الكريمة..
واحرص أن تحمل معك شريط الكاسيت الذي به الآيات التي تحفظها ، وذلك لتكرر سماعه مما يؤدي إلى ازدياد قوة الحفظ.
كما أنصح بسماع إذاعة القرآن الكريم بصفة مكثفة، فغير ما تحوي من آيات للقرآن الكريم فإنها تحوي خيراً كثيراً كثيراً..
ولمعرفة أهمية السماع في تثبيت الحفظ، إليك هذا الحديث اللطيف الذي يشير إلى أهمية السماع في الحفظ، حتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!!.. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".
القاعدة العاشرة الصلاة الخاشعة بما تحفظه
متابعة قراءة ما تحفظ في صلواتك تثبت الحفظ جداً.. اقرأ في صلواتك ما حفظته حديثاً، وراجع بعض الآيات التي حفظتها من قبل..
وقد يقول قائل أن هذا لا يتيسر له لأنه يصلي الصلوات بالمسجد، ولا يقرأ شيئاً ، بل يستمع إلى الإمام.. فأقول له: بارك الله فيك.. إن ما تفعل هو ما نريده لكل مسلم.. وهو أن يحافظ على الصلوات في المكان الذي ينادي فيه للصلاة.. أي في المسجد.. وليس من المعقول أن يهتم المسلم بحفظ القرآن الكريم، ويترك ما هو أولى من حفظ القرآن الكريم وهو الصلاة الجماعية بالمسجد.. ولكن هناك حل عظيم لهذا الأمر!!..فإن هناك صلاة لو واظبت عليها فإن ستساعدك جداً في تثبيت الحفظ، وفي ذات الوقت فثوابها عظيم، وأجرها كبير.. تلك هي صلاة "قيام الليل"..
في صلاة قيام الليل تكون عندك الفرصة لمراجعة ما تشاء من آيات الله عز وجل، وأنت تقف وحيداً بين يدي ربك في جوف الليل.. ما أعظمه من عمل!!..وما أسرعه من طريق للجنة!!..
وتستطيع ـ أخي في الله ـ أن تمسك في يدك مصحفاً ليذكرك بما نسيت في قيام الليل.. وتستطيع أيضاً أن تصلي بالسورة التي تحفظها في ركعتين، ثم تعيد قراءتها في الركعتين التاليتين لتثبيت الحفظ.. وكذلك تستطيع أن تصلي قيام الليل بعد صلاة العشاء مباشرة، أو في منتصف الليل، أو قبل الفجر وذلك أفضل.. وعلى كلٍ، فأي قيام لليل في أي وقت، وبأي قدر، فهو عمل جليل وثواب عظيم، نسأل الله عز وجل أن يهينا هذه النعمة الغالية.. روى أبو داود عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت: "لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُهُ وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا".
وإياك – أخي في الله – أن تترك قيام الليل بعد أن تتم حفظ القرآن الكريم ، واستمع إلى نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى البخاري ومسلم عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ". تذكر!! القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم
1. أخلص عملك لله ، وأكثر من النوايا الصالحة. 2. اعقد العزم ، وابدأ اليوم أنت وزوجتك وأبناؤك وإخوانك ، وإياك وكلمة "سوف". 3. أدرك قيمة ما تنوي أن تفعل. 4. اعمل بما تحفظ ، وإياك أن يخالف علمك عملك. 5. اترك الذنوب ، واستغفر الله عما سبق ، واعزم على ألا تعود إليها. 6. ادع الله بإخلاص أن ييسر لك النية الصادقة ، والحفظ الصحيح ، والعمل الصالح. 7. استعن دائماً بكتب التفسير حتى تفهم القرآن الكريم. 8. تعلم التجويد بإتقان ، وبسرعة. 9. اجتهد أن تختم تلاوة القرآن كاملاً في شهر أو أقل. 10. احرص على الصلاة بما تحفظ ، وبالذات في صلاة قيام الليل.
القواعد المساعدة لحفظ القرآن الكريم
هذه القواعد أيضاً هامة جداً في حفظ القرآن الكريم، ولكنها ليست أبداً بديلاً عن القواعد الأساسية.. وأنا أعلم أن كثيراً من الراغبين في حفظ القرآن الكريم كانوا يتوقعون بعض هذه القواعد المساعدة أن تكون هي الأساس في الحفظ.. ولكن أبداً والله.. فإنك مهما أعددت العدة وجهزت نفسك بهذه القواعد المساعدة ، وبغيرها من القواعد ، ولكن دون الاهتمام بالعشر قواعد الأساسية ، فإنك لن تستطيع حفظ القرآن الكريم.. ولو حفظته فإنه قد يكون حجة عليك لا لك.. وإلا فكيف تكون من حفظة القرآن الكريم وأنت لست مخلصاً لله عز وجل، أو لا تعمل به، أو مرتكباً للذنوب والمعاصي ولم تنهك آيات القرآن عن فعلها..
فخلاصة القول أنك إن أعجبتك هذه القواعد المساعدة، فلا تنس أبداً القواعد الأساسية فإنها ـ بإذن الله ـ خير معين لك على الحفظ.. القاعدة الأولى الخطة الواضحة
كل عمل ناجح في الحياة يحتاج إلى خطة.. والخطة لابد لها من هدف واضح، وهو هنا حفظ القرآن الكريم كاملاً.. فلو بدأت الحفظ دون أن تنوي هذا الأمر فإنك لا تدري هل نجحت أم فشلت في خطتك.. والخطة أيضاً تحتاج معرفة الإمكانيات المتاحة.. والإمكانيات المتاحة في هذا المقام تختلف ممن شخص إلى آخر ، ولابد أن تؤخذ في الاعتبار.. فهذا الشخص يتصف بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ ، وهذا شخص على خلاف ذلك تماماً، وهذا شخص له ظروف في عمله تتيح له وقتاً طويلاً نسبياً دون عمل، وهذا شخص آخر لا يتسع وقته إلا للقليل جداً من الأعمال، وهذا شخص يعمل في مجال الدعوة والخطابة فهو إلى حفظ القرآن أحوج، وهذا شخص لا يعمل في هذا المجال فليست حاجته كالأول ، وهكذا.. وعلى حسب هذه الظروف تختلف الخطة.. وكل إنسان أدرى بظروف حياته..
شئ هام آخر في الخطة وهو البعد الزمني فيها.. إذا كنت تريد أن تتم حفظ القرآن كله فلابد أن تحدد توقيتاً لهذا الأمر.. هل تريد أن تحفظه في ثلاث سنوات ، أو في خمس سنوات ، أو في عشر سنوات ، أو في أكثر ، أو في أقل؟ لابد أن تحدد فترة زمنية معينة، وتحدد أيضاً برنامجاً مرحلياً واضحاً لهذا الحفظ.. فماذا ستحفظ في العام الأول؟ وماذا ستحفظ في العام الثاني؟ وهكذا..
وفي رأيي ـ ومجال الاجتهاد في هذه النقطة واسع جداً ـ أن تجتهد في إتمام حفظ القرآن الكريم في خمسة أعوام.. هذا إن كنت تبدأ من الصفر.. أي أنك لا تملك حصيلة قرآنية إلا النذر اليسير.. أما إذا كنت حافظاً لنصف القرآن ، أو ربع القرآن ، أو غير ذلك ، ف