طقوس جزائرية راسخة في رمضان,طقوس جزائرية راسخة في رمضان,طقوس جزائرية راسخة في رمضان,طقوس جزائرية راسخة في رمضان --------- يحتفي الجزائريون بكثير من الإكبار والقداسة بشهر رمضان، ومنذ بدء العد التنازلي لقدوم الشهر الفضيل، ترتفع وتيرة الاستعدادات في الجزائر تهيئا لاستقبال الضيف الكبير تعظيما لمكانته، وتبجيلا لمعانيه، فترى عموم الجزائريين المخضرمين منهم والشباب ينخرطون في ترتيب جو طقوسي، تضفي عليه ربات البيوت بهاراتهنّ الخاصة. ما إن يقترب شهر الصيام، أو ما يعبّر عنه محليا بـ(ريحة رمضان)، حتى تسارع النسوة إلى ممارسة ما يسمى بـ”التغيير الموسمي” تبعا للعرف السائد، الذي يبدأ عبر تنظيف البيوت تنظيما شاملا يتم معه وبكل سعادة وغبطة تنظيف الجدران وطلائها بالجير، في إحالة على رمزية الشهر الفضيل وما يقترن به من رمزية الطهر والصفاء، ولهذا يشير عمي السعيد (65 سنة) إلى شروع العوائل الجزائرية منذ منتصف شهر شعبان في إحياء طقوس وعادات تحرص دوما عليها خاصة وأنها راسخة ومنقوشة في الذاكرة الجماعية لتتجاوز بذلك تقلبات الزمن، فيتّم تنظيف المنازل بطريقة تحوّلها إلى ورش نشطة يجري فيها تحوير الأثاث وطلائه ورفع الستائر وتغيير الفرش وترتيب الخزائن، ورغم العناء وما تتطلبه هذه الحالة، إلاّ أنّ النساء تتحلين بكثير من الصبر والمرونة في الحركة. كما تغزو السيدات الأسواق المحلية لتجديد الأثاث ولوازم الطبخ ومعدات الأكل، فتجد السيدات يتلهفنّ على اقتناء المفروشات التقليدية، والتفنّن في جلب مختلف صنوف الصحون والقدور والملاعق والفناجين وسائر الأواني الفخارية، ما يجعل من البيوت ولا سيما المطابخ تكتسي بأبهة خاصة على مدار أيام الصيام، وتسجّل الحاجة فطة (62 سنة) تحول اهتمام النسوة أساسا إلى مطابخهنّ وما يلزم تحضيره من توابل ومستلزمات إعداد وجبات الإفطار. ويمنح الجزائريون اهتماما خاصا بـ”بيت القعاد” وهو الغرفة التي يتم فيها استقبال الضيوف، وتنفرد هذه الغرف باحتوائها على طقم كامل من الزينة التقليدية، كـ”الشورة” و”مطارح الصوف” وكذا “الستائر” ومجموعة متكاملة من التحف النحاسية الفضية والمذهبة، إضافة إلى “السينيات” التي يتم فيها تقديم الشاي الأخضر بالنعناع و الشربات المصنوعة من القرفة و ماء الزهر، وكتل من الحلويات التقليدية الذائعة الصيت محليا على غرار “قلب اللوز” و”القطايف” و”المحنشة” ومرورا بـ “صبيعات العروسة” و”الصامصة” وانتهاء بـ”الزلابية”. وتندرج الأطباق العريقة في الجزائر ضمن الطقوس الرمضانية، التي لا ينبغي التفريط فيها، بهذا الصدد يتصدر “البوراك” و”البريك” وحساء “الشربة” اللائحة، إلى جانب ” طاجين لحم الحلو” و”المثوم” و”مرق السفيرية” وتشترك هذه الأطباق في طهيها داخل تشكيلة من الأواني الفخارية، بينما لم ينل الزمن من مأكولات شعبية أخرى لها صيتها مثل “سكران طايح في الدروج ” و”المدربل ” و”الكبدة المشرملة ” و”الضولمة ” و”الكباب” و” بوسو و لا تمسه”. ومن ذاكرة مدينة قسنطينة (400 كلم شرق الجزائر)، هناك اهتمام خاص بما يسمى بـ”دار الجيران” التي تجتمع فيها النسوة، وبالنسبة لأهل قسنطينة كذلك، فإنّ رمضان يعتبر مرادفا لأواني جديدة، حيث تحضر”برمة الطين” قبل شهر من حلول رمضان على الأقل لإعداد “شربة الفريك” (القمح الأخضر) المرتقب تقديمها مع آذان المغرب وهو الطبق الأساسي لصائمي منطقة شرق البلاد، حيث يتم طهيه على نار هادئة، ومراعاة للتقاليد، فإنّ تحضير الأطباق المرافقة يجب إعدادها في أواني مصنوعة من “التيفال”. وتقول السيدة الشريفة (50 سنة)، أنّ من الطقوس أيضا إعداد “القناوية” المنتجة في البساتين، وإنضاج حلويات شهيرة على غرار “الجوزيات” و”اللوزيات” والمقرقشات، كما لا تفرّط المرأة القسنطينية في إحضار مرش ماء الزهر والورد المقطرين وبقية التوابل من لدن الحرفيين، وهي تفاصيل لا بد منها، لأنّها نابعة من التقاليد القائلة كذلك بتحضير أواني نحاسية وشطفها، وهي عادة لا تزال شائعة كترسانة كاملة لإعداد مستلزمات صينية القهوة من ملاعق وأواني نحاسية لوضع السكر ومرش زهر شجرة الأرنج والورد المقطرين لإعطاء نكهة مميزة للقهوة وهي ميزة لا يجب أن تتخلى عنها أي ربة بيت ماهرة. ويظهر من وراء الأبواب المفتوحة جزئيا أمام المنازل، ستارات تحل محل الأبواب الحديدية، حيث تعرض النسوة هناك الفريك (القمح الأخضر) قبل غسله وتنظيفه من الغبار في انتظار مرحلة تمريره على مطحنة المدينة التي تطحن وتحمّص التوابل ما يسبب عطسا للأمهات والأطفال المتراصين في طوابير ممدّدة في العراء. وأنت تجوب شوارع الحي الشعبي لضاحية واد الأحد، تلاحظ أيضا أرضية مفروشة بعجائن لتجف تحت أشعة الشمس من ثريدة وكسكسي ومسفوف وبخاصة الفريك الذي يحظى باهتمام خاص في تحضيره من نسف وغسل إلى أن يصل في مرحلته النهائية، وتبرز هذه الصور الجمالية المفتقدة حاليا في كثير من المناطق الجزائرية، بشكل خاص في الأحياء الشعبية التي لم يغزوها الإسمنت بعد. وتحفل الذاكرة الشعبية المحلية بتقليد “التويزة” والسهرات فيما بين الجيران والألعاب الجماعية، في صورة ذاك المشهد البديع الذي يضمّ شابات في عمر الزهور تجدهن ملتفات حول امرأة مسنة من الحي تدون ما تجود به قريحة هذه العجوز من “أحاجي” و”بوقالات” لعقد “الفال” خلال ليالي رمضان الكريم، وهو ما يثير حماسة الفتيات فيرددن “أمدينا بأخرى جدتي” وما تلبث الفتيات تكررن مرة تلو الأخرى وذلك في جو مفعم بالحنين إلى الماضي وأمل في المستقبل، وعادة ما تستفسر الجدة عن طبق “مخ الشيخ” وهو عبارة عن مزيج بين العسل الحر وزبدة البقر، جرت العادة على أن يفطر عليه الصائمون الجدد من بنين وبنات وهو عادة تأصلت لدى العائلات لا يخلو منها أي بيت في مدينة قسنطينة العتيقة.