من أهم الاحتياجات التربوية لأبنائنا النجاح في تكوين العلاقات والتدريب على الأدوار الاجتماعية المختلفة و لعل الصداقة تمثل في حياتنا وحياة أبنائنا علاقة من أهم العلاقات التي نسعى لإنجاحها إذ تشعرنا بالتوافق والتكيف مع الذات، كما أنها كنز ثمين إذا ما أحسن اختيار الصديق الحق, لذلك تعمد بعض الأسر إلى مساعدة أبنائها في تكوين صداقاتهم والتدخل في اختيارهم وفق إطار معياري يحدد سلوك وأخلاقيات الصديق مما يجعلهم يحسنون الاختيار ويوفقون فيه. فهل صحيح أن نتدخل فياختيار أصدقاء أبنائنا أم أن ذلك من باب الحماية الزائدة التي قد تؤثر بالسلب على تكوين شخصية الأبناء واستقلال رأيهم؟!
الإنسان بطبعه كائن اجتماعي الأخصائية النفسية آمنة عبد الحفيظ من السعودية تؤكد على أهمية الصداقة في حياة الأبناء الصديق الصالح خير رفيق وخير معين على نوائب الدهر عندما تكون الصداقة مبنية على أسس سليمة واختيار صحيح خاصة إذا بدأت الصداقة في سن صغيرة يكون فيها الشخص متأثر بصديقه ومقلدا له في معظم الأحيان فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحب أن يشارك في جماعة وينتمي إلى جماعة ويكون له مجموعة من الأصدقاء يشاركهم ويشاركونه الرأي والمشورة وهو ما حض عليه الإسلام فنهى صلى الله عليه وسلم أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده وكره أن يكون الإنسان وحيدا في حضر أو سفر ومن علامات الصديق الصالح أن يكون بارا بوالديه فهم الأولى بالبر والطاعة فإذا رأيت صديقك بارا بوالديه محسنا لهما فهو نعم الصديق الذي تثق به ومن المهم أن يكون محافظا على صلاته مهتما بدراسته وعمله له أهداف يسعى لتحقيقها فقد قيل: عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكــل قرين بالمقـــارن يقتدي
أيها الآباء حاوروا الأبناء من ناحيته يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأقصى د. درداح الشاعر على أن دور الأهل في مساعدة أبنائهم على انتقاء أصدقائهم دور توجيهي وإرشادي وإشرافي لافتاً إلى أن انتقاء الأصدقاء يتم على قاعدة تشابه الأطفال في الميول والرغبات والحاجات، وأضاف إلى أن الأسرة تعمد إلى مساعدة أبنائها في تكوين أصدقاء وفق إطار معياري فالصديق من وجهة نظرها لابد أن يكون طيبا أو مجتهدا أو نشيطا كما يجب أن يكون أمين وأن يكون معيناً للطفل على النجاح والتفوق والإنجاز ولا يكون معيناً له على الفساد أو الانحراف، وفي ذات الإطار تقول آمنة عبد الحفيظ على الرغم من أهمية الصديق في حياة الابن إلا أنه قد يكون سببا في إفساده فكم من أسر اجتهدت في تربية أبنائها وعانت الكثير عندما أقتحم صديق سوء حياة ابنها فضاعت تربيتهم سدى وانهارت آمالهم في ابنهم أمام أعينهم فالأصدقاء قد يكونون مؤثرين في حياة الابن أكثر من غيرهم إذا لم تكن الأسرة على قدر كبير من الوعي منذ البداية بحيث تكون هي الصديق الأول في حياة ابنها بحيث تبقى هي الموجه والمرشد دائما وأبدا والمرجع الذي يرجع إليه الابن وعلى الآباء أن يحاوروا أبناءهم ويفهمونهم أن الصديق السوء وإن كان مسليا ومبهرا أحيانا إلا أنه يجب الحذر منه فإذا كان صديقا اليوم فقد يكون عدوا غدا فالقلوب تتغير والمشاعر تتغير فلا أتوقع من الشخص الغير أمين على دينه وغير متمسك بالخلق الحميد أنه سيكون أمينا علي وعلى أسراري أبدا ومن يصدق أن الصديق السوء سيكون بجانبه عندما يمر بأزمة مثلا فهو شخص ساذج وليتأكد تماما أنه سيتخلى عنه في وقت الحاجة والشدة
دور الأسرة فياختيار الصديق ويؤكد د. درداح على دور الأسرة قائلاً:"وظيفة الأسرة أن تبين للطفل المعايير عند اختيار الصديق، ولا تفرض عليه أن يصادق أحداً بعينه" وإنما قد تبين له محاسنه وصفاته الجميلة فيتقرب منه وتوضح له مساوئ آخر فيبتعد عنه وأضاف أن الطفل عندها يتحسس مشاعر الأسرة نحو أنواع الأصدقاء مما يجعله يختار أصدقائه بطريقة غير مباشرة عن طريق الأسرة واستدرك الدكتور قائلا: إن التدخل المباشر وفرض الأصدقاء على الأبناء يسبب لهم إزعاجا ويلفت إلى أن أهم شيء بين الأطفال هي ظاهرة التطابق فالأطفال إذا تطابقوا مع بعضهم البعض فإنهم يضحون برأي الأسرة ولا يسمعون لها عند اختيار الأصدقاء إلا إذا كان رأي الأسرة قد جاء برفق ولين وهون عليه بحيث لا يشعر بالتدخل السافر للأسرة. وتختم آمنة عبد الحفيظ بنصيحة إلى الآباء تقول: أيها الأب كن صديقا لأبنك فهو يحتاج لمن يسمعه و يحاوره ويعطيه فرصة للحديث وإبداء الرأي ولا تشعره بأنك قادر على فرض سلطتك عليه بل اجعله يحترمك بلا رهبة قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الرفق ما يكون في شيء إلا زانه وما ينزع من شيء إلا شانه ) كذلك ابتعد أيها الأب عن التأنيب والزجر الدائم فهو السبب الرئيس الذي يجعل الابن يلجأ إلى أصدقائه ويطلب مشورتهم على الرغم أنه يعلم تماما أن خبرتهم في الحياة لا تتعدى خبرته فعليك بالإقناع فهي الوسيلة الصحيحة للوصول لعقل الابن والرحمة واللين للوصول لقلب الابن قال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ).