بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة والسلام على الرحمة المهداة و على آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم في الهدى و الصلاح إلى يوم الدين... أما بعد:
يقول الله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا، ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا. –الإسراء:31،32،33-
ثلاث آيات يربط بينهن رابط عجيب، ثلاث آيات من آيات هذا الكتاب العظيم، من هذا الدستور الجليل، الذي ارتضاه خالق الإنسان للإنسان في هذه الحياة، فربط شقاه وعلق سعادته بمدى ارتباطه و اتصاله بهذا المنهاج القويم... فبالقراءة الأولية العابرة ترى أنهن عبارة عن آيات ثلاث كل واحدة تناقش وتتناول موضوعا مستقل. فالأولى تنهى عن فعل مشين كان شبه عقيدة في بيئة الجاهلية الأولى، آلا وهو قتل الأبناء خشية الفقر... أما الثانية فتحذر من فعل بغيض كان متجذرا في الجاهلية القديمة، وأكثر تجذرا في الجاهلية الحديثة، الزنا.. أما الآية الأخيرة فتتحدث عن جريمة قتل الأنفس، أول جريمة عرفتها البشرية... نعم، هذا مهم، ولكن هذه الآيات الثلاث لا شك يربطها رابط رفيع، ويشملها موضوع واحد، إنه القتل بكل صوره. وهذه العلاقة – لاريب- واضحة ظاهرة في الآيتان الأولى و الأخيرة، لكنه مستتر في الآية الثانية.. وهو ما سنحاول أن نبينه فيما سيأتي. إن بين القتل و الزنا صلة ومناسبة، فالزنا قتل في أبشع صوره.. إنها قتل وإراقة لمادة الحياة في غير مواضعها أولا {سيد قطب، في ظلال القرآن}، إنها قتل لتلك المادة التي منحها الله تعالى ليؤدي بها الإنسان دوره في الحياة، من خلال الاستخلاف النموط به، وعمارة الأرض. قتل لذلك الجنين الذي سيولد جراء هذه العلاقة الآثمة الغير شرعية، قتل إذا تم إجهاض هذه النفس البريئة، وقتل إذا تركت لتتعذب في هذه الحياة الشريرة، التي لا تعترف بكل متخلى عنه، وفي مجتمع لا يتسامح مع اللقطاء، قتل لهذا الطفل الذي سيولد دون أسرة ترعاه وتواكب تربيته.. قتل لتلك الأم – قبل أوانها- وقتل لأمالها و أحلامها في حياة شريفة وعفيفة وسعيدة مع أسرة دافئة مترابطة مع زوج خالص و مخلص لها وأبناء ينشرون السعادة و الحركة في أركان هذا البيت المطمئن، وقتل لحاجتها إلى أسرة تعطف عليها و تحميها من غدر الزمان وأهله، ومن أنياب الذئاب التي لا تتغذى إلا على لحوم البشر، ولا تستمتع إلا بوقع آهات البريئات و دموعهن. قتل جماعي للجماعة المسلمة، قتل في أكبر صوره وأعتاها ( فقضاء الشهوة عن طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها)–سيد قطب- فالزواج هو الطريق السليم لسلامة المجتمع ونظافته.. وبذلك تسير الأسرة نحو الانقراض و الزوال، فالكل يبحث عن ممارسة و تلبية رغباته بعيدا عن المسؤولية التي يتحملها داخل الأسرة، وبالتالي فزوال الأسرة زوال للمجتمع و للحياة، فالأسرة هي المؤسسة الوحيدة التي لا يمكن لغيرها أن يحل محلها في حمل هذه الرسالة بقوة، لأنها وربي تحتاج إلى القوة و الجدية. إن الزنا قتل للأخلاق الحميدة، التي لا تقوم للأمة قائمة دونها، فأخطر الأمراض التي تفتك بالبشرية إنما مصدرها من هذا النفق المظلم. وهكذا جاءت هذه الجريمة بين آيتي القتل، لأنها قتل للنفس و قتل للأخلاق و قتل للجماعة و قتل لمستقبل الفرد و الجماعة.