بسم الله الرحمن الرحيم --------------------------- الشروط الخاصة في عقد الزواج تعتبر الشروط الخاصة في عقد الزواج، بمثابة بطاقة رابحة لمصلحة المرأة، وذلك لتأمينها ضد الوعود المعسولة التي يتعهد بها الزوج ثم يخلفها. وعلى الرغم من أن هذا البند من القانون المعمول به في كثير من الدول، من ضمنها الإمارات يضيف مكاسب كثيرة جداً إلى المرأة، إلا أن المفارقة تكمن في أن كثيراً من النساء لا يعلمن به، عدا عن أن بعضاً ممن يعلمن يحجمن عن الإفادة منه. في هذا التحقيق، تبحث «زهرة الخليج» هذه القضية، وتستطلع آراء الناس فيها والمختصين.
من حق العروس يشرح المستشار القانوني عبدالرحمن عثمان الرؤية القانونية لهذه القضية بقوله: «إن حق الاشتراط في عقد الزواج نظمته المادة (20) من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي رقم ( لسنة 2005، حيث نصت في فقرتها الأولى على أن الأزواج عــنـــــــــد شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً». وعليه فإن للعروس كما يوضح: «أن تشترط في عقد الزواج ما تراه يحقق مصلحة لها»، حسـب المستشــــار القـــــانوني عثمان «ولكن في إطار هذه القاعدة، وبما لا ينافي أصل عقد الزواج، مثل الاشتراط على أن يكون الزواج لمدة معلومة أو لمدة مجهولة أو التطليق في وقت معلوم أو مجهول، فهذه الشروط تنافي الأصل، لأن أصل العقد هو الاستمرارية، وهذا النوع من الشروط الذي ينافي الأصل، يبطل العقد. أما إذا كان الشرط لا ينافي الأصل ولكن ينافي الغاية من الزواج أو المقصد منه، أو اشتراط أمر يكون مجمعاً على تحريمه، فيبطل عندئذ الشرط ويبقى العقد صحيحاً، كأن يشترط أحدهما ألا يرثه الآخر، أو عدم ثبوت نسب الأولاد منه».
ويضيف المستشار عثمان: «في الإجمال، فإن للعروس أن تشترط في عقد الزواج ما شاءت من شروط مادامت هذه الشروط لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً أو لا تنافي أصل عقد الزواج ولا الغاية منه وتكون الشروط صحيحة يجب الوفاء بها، وللمشترط حق طلب الفسخ عند الإخلال بالشروط، مادامت هذه الشروط في الإطار الذي أشرنا إليه وتحقق للمشترط منفعة، كأن تشترط الزوجة على زوجها عدم إخراجها من دارها أو من بلدها أو عدم سكناها في مكان معين».
جائزة وملزمة من الشرح الذي تقدم، يتضح جلياً أن الشروط في عقد الزواج جائزة وملزمة لمن اشترطت عليه، كما يؤكد المستشار عثمان «مادامت تدور حول مصلحة ومنفعة تعود على المشترط ولا تحلل حراماً وتحرم حلالاً ولا تنافي أصل عقد الزواج ولا مقتضاه ولا غايته ومقاصده»، لافتاً إلى أن «للمشروط لمصلحته حق طلب الفسخ إذا وقع إخلال بشرط من الشروط».
ويخلص المستشار القانوني إلى أن «الشروط ثلاثة أنواع، يذكرها بقوله: شرط يقتضيه عقد النكاح أصلاً، مثل الاشتراط على أن ينفق عليها، فهذا شرط يقتضيه عقد النكاح ولا حاجة لذكره في العقد فوجوده وعدمه سواء. ونوع يخالف مقتضى عقد النكاح كاشتراط عدم الميراث بينهما.
ونوع ثالث لا يقتضيه عقد النكاح ولا ينفيه وهذا النوع لا يفسد عقد النكاح ولا يلزم الوفاء به، ولكن يستحب الوفاء به». هل يمكن أن تقود بعض الشروط إلى مآزق قانونية، وكيف يتم معالجتها؟
يجيبالمستشار عثمان: «إذا تفهمنا هذه الضوابط والشروط والتزمنا بها، لا يثور إشكال ولا يكون هناك مأزق، بل إن هذه الضوابط جاءت لتفادي المآزق، وهي مما يفترض في من يباشر عقد النكاح (المأذون) العلم بها، وبالتالي التحوط تجاهها، وإن وقع من الشروط ما يمكن تسميته بمأزق، فإن الخروج منه سهل، إذ يكفي عرضه على أحكام المادة وضوابطها فنخرج إما ببطلان العقد أو بفساد الشرط وصحة العقد».
معالجات
ويضيف: «لقد عالج القانون موضوع الشرط معالجة راعت ما اقتضاه التطور الاجتماعي وتبدل الزمن وما فيه المصلحة العامة والخاصة في زماننا هذا. كما أن القانون سد باب المنازعة في شأن الشروط عندما نص في الفقرة (6) من المادة (20)، على ألا يعتد عند الإنكار بأي شرط لم ينص عليه كتابة في العقد، ومفاد هذا أنه إذا ادعى أي من طرفي العقد أنه تَمَّ شرط لم يوفه الطرف الآخر وأنكره من أصله، فإن الفصل بينهما على وجود الشرط أن يكون منصوصاً عليه في العقد كتابة». ويعتقد المستشار عثمان أن المشرع «عمد إلى إيراد هذه المادة في القانون وبالتفاصيل الواضحة تلك، ليقطع الطريق أمام التنازع، ويحقق الاستقرار الأسري، خاصة بالنسبة إلى الزوجة التي اشترطت ما تراه يحقق لها الاستقرار والاستمرارية. مع ملاحظة أن حق الفسخ يسقط إذا أسقطه صاحبه أو رضي بمخالفة الشرط رضا صريحاً أو ضمنياً، واعتبر القانون أن مرور سنة على المخالفة مع العلم بها يعد رضا ضمنياً».
لا علم لدي
من الطريف في موريتانيا أن أغلبية عقود الزواج تتضمن عبارة «لا سابقة ولا لاحقة»، وهو شرط يفرضه أهل العروس بصفته يلغي كل زواج سابق، ويمنع أي زواج لاحق، لكن إنعام. س (موظفة، متزوجة منذ 5 أعوام) تعرب عن ندمها لعدم معرفتها بوجود حق يكفل لها الاشتراط في وثيقة زواجها، وإلا كانت قد ملأت بند الشروط بـ«لا سابقة ولا لاحقة» بحسب ما تقول، وتضيف: «لم يخبرني أحد من قبل أن من حقي كتابة بعض الشروط على عقد الزواج، حتى موافقتي على الزواج، اعتبرت ضمنية، وراجعوني فيها على عجل، كما أنه حتى هذه اللحظة لم تسنح لي الفرصة لقراءة وثيقة الزواج بالتفاصيل، إنما اكتفيت بأن ألقي عليها مجرد نظرة».
شروط بسيطة من ناحيتها، تثمن ناريمان كوتلي (مهندسة) والتي تعلم بوجود هذا الحق، وضع الشروط على وثيقة الزواج، وتجد أنها «وسيلة مضمونة لحفظ بعض حقوق المرأة». وتقول: «هناك كثير من المشاكل التي تحدث بسبب عدم وضوح الأمور منذ البداية، إذ إن بعضاً من الأزواج يتنصلون من بعض التزاماتهم بعد الزواج، ما يخلق هاجس الخوف عند المرأة، ولكن شروط عقد الزواج تجعلها تشعر بالأمان ولو لم تتحقق». وفي رأي ناريمان أن «أغلبية شروط المرأة بسيطة جداً، وغالباً ما تدور حول البيت المستقل لها كزوجة، وأن تواصل تعليمها، وتعمل في وظيفتها. ولذا، ليس هناك من داع لحساسية الرجال من هذا الأمر باعتباره لا يمس كرامتهم».
ارتياح أما سارة (موظفة عازبة تبلغ من العمر 19 عاماً) فأشارت إلى أنها لم تعرف قبل حديثنا معها، أن من حق المرأة أن تضع شروطاً في عقد زواجها، ولكنها أعربت عن ارتياحها لوجود مثل هذه البنود في عقد الزواج، ولم تتردد في طرح نيتها في استخدام هذه الشروط، حيث قالت: «أنا مثلاً أرغب في الاستمرار في عملي، وقد لا أضمن تفكير زوج المستقبل في هذه المسألة. لذا، سيكون هذا هو الشرط الذي أضعه على عقد زواجي مستقبلاً».
بيد أن ريا السلامة (طبيبة متزوجة منذ 13 عاماً) والتي لم تضع أي شروط في عقد زواجها، تنظر إلى المسألة من زاوية أخرى، قائلة: «إن وضع الشروط والاستفادة منها، يعتمد على وضع المرأة، فكلما كانت المرأة مستقلة اقتصادياً، وذات شخصية قوية، يمكنها الاستغناء عن هذه الشروط لأن لديها خيارات متعددة. أما النساء غير المتعلمات، واللواتي يفتقدن السند، فربما تحميهن مثل هذه الشروط من عواقب عدم إيفاء الأزواج بوعودهم الشفاهية». وتؤمن ريا بأنه «إذا لم تكن العلاقة بين الزوجين مبنية على التراضي والاتفاق، فلن تجدي الشروط التي تشترطها الزوجة في شيء، وسيفعل الرجل ما يريده». وتختم قائلة: «من ناحية أخرى، من المؤكد أن بعض الزوجات قد يضعن شروطاً، ثم يتجاوزن عنها في حال الاطمئنان للحياة مع الزوج».
طبيعة الرجل الشرقي وعلى الرغم من أن سوسن محمد (ربة منزل، متزوجة منذ 21 عاماً) ترى في الشروط «حفظاً لحقوق المرأة»، إلا أنها تلفت إلى أن «العقلية الذكورية في المجتمع الشرقي، حتى وإن أقرت بالحقوق القانونية والشرعية للمرأة، ترفض أن يكون ذلك في شكل اشتراطات مكتوبة». وتفسر سوسن إحجام بنات جنسها عن وضع شروط أخرى على وثيقة الزواج بـ«تفهمهن الطبيعة النفسية للرجل». وتقول: «قد يظن الزوج، أن هذه الشروط هي بمثابة حق لتحكم زوجته فيه أو فرض رأيها، وبالتالي فإن شعوره بأنه مجبر على أشياء منصوصة في عقد الزواج، قد يؤدي إلى إفشال الزواج أو تعكيره».
ظروف متغيرة من ناحية نظرية، يبدو أن معظم الرجال يتفقون على أن الاشتراط في عقد الزواج من حق المرأة، خاصة أن المسألة مسنودة بأدلة شرعية وقانونية. ولكن، لماذا يبدي معظمهم التحفظات، حين يصل الأمر إلى مستوى الواقع التطبيقي؟
لا يرى محمد المصري (متزوج منذ 3 أعوام) غباراً في أن تضع الزوجة شروطاً على عقد الزواج، لكنه يلفت إلى أن «بعض الشروط، حتى وإن وافق عليها الزوج قابلة للتغيير، خاصة أن هناك ظروفاً تمر بها الحياة الزوجية، تجعل هذه الشروط تتغير بتغير ظروف المرأة».
ولكن محمد يعترف بأن «المسألة بصورة عامة تخلف شعوراً غير مريح في نفسية الزوج، حيث إنه يصف شعوره الشخصي بالقول: «ما يمكن أن أقبل به شفاهة، قد يضايقني إذا شعرت بأنه أمر ملزم وقانوني بالنسبة إليّ. لذا، أفضل ألا تكتب زوجتي أي شروط على عقد زواجنا»، لافتاً إلى أن «هذا ما حدث حتى لا أقع تحت بند الإجبار لاحقاً رغماً عني فتحدث المشاكل».
انفعالية
على الرغم من وقوف حسين الشمري (موظف متزوج، منذ عامين ونصف العام) مع حق المرأة في وضع الشروط في عقد الزواج، إلا أنه يخشى «أن يفتح ذلك الباب على مصراعيه للنساء لوضع شروط تعجيزية أو مبالغ فيها، خاصة أن المرأة معروفة بعاطفتها وانفعالها». ويضيف: «إنما لو اشترطت السكن المستقل مثلاً، أو اشترطت إكمال الدراسة أو البقاء في الوظيفة، فهذه من الأمور المقبولة التي لا يعارضها معظم الناس». ويشير إلى أن «اشتراط المرأة بألا يتزوج عليها زوجها، لايزال محل اختلاف فقهي لناحية تحليله أو تحريمه».
باب مشاكل بدلاً من كتابة الزوجة شروطها داخل وثيقة الزواج، يفضل سالم ناجي (موظف متزوج منذ 9 أعوام) «الحوار مع الزوج حول الخطوط العريضة للحياة الزوجية شفاهياً قبل الزواج، لأن وضع شروط مكتوبة بين الزوجين من وجهة نظر كثير من الرجال طريقة غير مقبولة، خصوصاً أن هذه الشروط قد تفتح الباب لوقوع المشاكل والخلافات بين الزوجين في المستقبل، إذ أن بعض هذه الشروط يتم أمام المأذون وفي اللحظات الأخيرة من إتمام المراسم، فيوافق الزوج مرغماً على شروط لم يتفق عليها مسبقاً، حتى لا يفسد اللحظة التي يتمناها كل إنسان».
رفض أما وليد محمد علي (متزوج منذ نحو 3 أعوام) فيقول إنه لم يسمع أبداً بمسألة أحقية الزوجة في وضع شروط على عقد الزواج، ولكنه يبدي تحفظه الواضح حول هذه المسألة بأسئلة متتابعة تشوبها نبرة استنكار، حيث إنه يسأل عما إذا كانت هذه الشروط تقيد الرجل؟ أو تمنعه من النكث بعهده؟ ويجيب عن نفسه بنفسه: «بالطبع لا». ويقول: «هل عدم تنفيذ شرط من الشروط سبب منطقي لانتهاء العلاقة؟ أنا لا أتصور ذلك». ويؤكد أنه لا يقبل بوضع أي شروط في عقد الزواج، «ذلك أن كل الأمور بيني وبين زوجتي نضعها على طاولة النقاش، فإما تقتنع بها أو ترفضها».
.
جهل بالحقوق تؤكد المستشارة الأسرية في «هيئة تنمية المجتمع» وداد لوتاه أن «كثيراً من النساء لا يعرفن حقوقهن، ومن ضمن ذلك، حقهن في أن يشترطن بعض الشروط في عقد النكاح». وتذكر تجربة شخصية لها في هذا المجال، حيث تقول: «أثناء إحدى المحاضرات، توجهت بسؤال إلى بعض الفتيات اللواتي كنّ في سن الزواج أو المقبلات عليه وحتى المتزوجات، حول عقد الزواج والشروط التي يمكن أن يضعنها في العقد، ففوجئت بأن 75 في المئة من الحاضرات لا يعلمن بوجود هذا الحق، كما أن معظم المتزوجات، أحجمن عن وضع شروطهن في العقد.» وتضيف: «استناداً إلى تجربتي خلال العمل الأسري أيضاً، وجدت أن الكثيرات لا يعرفن حقوقهن في الاشتراط على عقد الزواج، ومع الفرحة بالزواج، لا يفطنّ إلى هذه النقطة، كما أن أغلب الأسر لا تهتم بوضع الشروط على الزوج بحجة الثقة به، فيعتمدون في أغلب الأحيان على الاشتراطات الشفاهية، فتبقى مساحة الشروط الموضوعة على قسيمة الزواج خالية في معظم الحالات». وتشير لوتاه إلى أن «الإسلام، مثلما بين للمرأة واجباتها، كفل لها حقوقها، ومن هنا عليها أن تستثمر هذه الحقوق، لصلاح حياتها وتدبير شؤونها».
وترى لوتاه أن «في وضع الشروط وكتابتها على قسيمة الزواج حفظاً لحقوق المرأة، كما أنها تعتبر بمثابة صمام أمان يقي الزواج من كثرة الخلافات والمشاكل، التي قد تحدث مستقبلاً، إضافة إلى أن وضع هذه الشروط كتابة، أسهم في التقليل من كثير من مشاكل التي كانت تصل في الماضي إلى أروقة المحاكم، ومكاتب التوجيه الأسري». .
شروط غريبة وتعدد لوتاه بعض أغرب الشروط التي مرت عليها، ومنها: «أن زوجة اشترطت على زوجها كتابة في عقد الزواج أن يشتري لها فيللا بقيمة مليوني درهم إذا تزوج عليها أو طلقها، فوافق الزوج، الذي يبدو أنه كان متأكداً أنه لن يقوم بالخطوة التي تلزمه بالشرط، وصار الأمر بينهما مثار تندر يتسامران به في حياتهما الزوجية الناجحة». وتضيف: «كما أتذكر أن هناك زوجة قصدتني لحل مشكلتها مع زوجها، إذ تبين أنها قد اشترطت أن تكون عصمة الطلاق في يدها، وجاءت تستشيرنا في استعمال هذا الحق. كذلك أتذكر أخرى وضعت في شرط زواجها ألا يسألها زوجها عن معاشها وأن يتكفل بجميع مصاريفها، حيث إنها كانت تساعد أهلها بمالها، ولم يعترض الزوج والحياة تسير بينهما هادئة، ولم يكن وضع هذا الشرط مقلقاً أبداً لزوجها».
وفي الختام، تنصح لوتاه كل فتاة مقبلة على الزواج «بأن تحرص على وضع شروطها التي ترى فيها تأميناً لحياتها المستقبلية مع زوجها». كما تطالب، المسؤولين عن عقد الزواج، سواء أكان مأذوناً أم قاضياً «بضرورة تبصير العروس بحقوقها في هذا الشأن، والتأكيد على ضرورة استعمالها لهذا الحق، من دون أن يكون في ذلك تحفظ أو حياء وتكثيف حملات التوعية بهذا الشأن».