الله جل جلاله يعبد خوفاً وطمعاً والرجاءفيما عنده أحد أركان الإيمان بالله الثلاثة وهي :
محبته سبحانه والخوف منه والرجاء فيفضله . وعلى هذا فمما عني به أهل التفسير والتحقيق في أي آية في كتاب اللهأرجى ؟
فمن نظر من أهل العلم ما بينه الله في آية المداينة من الطرق الكفيلةبصيانة الدَّين من الضياع ولو كان الدين حقيراً كما هو ظاهر الآية قالوا : " هذا من المحافظة في آية الدين على مال المسلم مع العناية التامة بمصالح العبد المسلم فكيفإذاً بعناية اللطيف الخبير لعبده المسلم يوم القيامة وهو في شدة الحاجة إلى ربه؟ " لاريب أن ذلك أعظم وأولى .
وذهب شيخنا الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ إلى أن منأرجى آيات القرآن قوله تعالى في سورة فاطر : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( 32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا )) .
قال رحمه الله : " والواو في (( يَدْخُلُونَهَا )) شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق ولذا قال بعض أهل العلم حق لهذه الواو أن تكتب بماءالعينين " أ هـ.
ونص رحمه الله في الموضع نفسه بأن وعد الله الصادق بالجنة في الآيةشامل لجميع المسلمين .
ومن أهل العلم أيها المبارك من تأمل ما جاء في خبر الصديق معمسطح بن أثاثة : إذ أن أبا بكر الصديق لما أنزل الله براءة عائشة وكان مسطح ممن وقعفي عرضها حلف ألا ينفع مسطحاً منافعه وكان ينفق عليه من قبل فأنزل اللطيف الخبيرقوله : (( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) (النور 22). وذهبوا إلى أن ما صنعه مسطح يحط النجم من قدره ومع ذلكعاتب الله الصديق في حقه وعظيم جرم مسطح وما وقع فيه إلا أن الله لم يبطل له ما سلفمن عمل فسماه مهاجراً فدل ذلك كما نص العلماء على أن هجرة مسطح في سبيل الله لميحبطها قذفه لعائشة رضي الله عنها.
ومن هنا ذهب من ذهب من العلماء إلى أنهذه أرجى آية في كتاب الله والحق أن مسلكهم في الاستدلال مسلك حسن وله حظ كبير منالعقل والنقل.
ومن المهم أن ندرك أن ما وقع من مسطح إنما كان قبل أن ينزل القرآنببراءة أمنا أما وقد برأه الله من فوق سبع سموات فإن قذفها بعد ذلك كفر بواح فمنهذا الذي يرد على الله قوله؟
أما القرطبي رحمه الله فقد ذكر في كتابه القيم الجامع لأحكام القرآن خبراً عن تدارس هذا الأمر بين الصحابة : وأن الصديق رضي اللهعنه يرى أن أرجى آية هي قول الله تعالى في فاتحة غافر : (( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ)) وسر ذلك أن الله قدم قبول التوبة على غفران الذنوب وفي هذا بشارة للمؤمنين .
واختارعثمان رضي الله أن أرجى آية هي قول الله في سورة الحجر : (( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) .
بينما يرى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أرجى آية هي قول الله تعالى من سورة الزمر : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ..)) .
ثم قال الإمام القرطبي رحمه الله معقباً : وقرأت القرآن كله من أوله وآخره فلم أرى آية أحسن وأرجىمن قول الله تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) .