( يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ، إن الله كان عليما حكيما * واتبع ما يوحى إليك من ربك ، إن الله كان بما تعملون خبيرا * وتوكل على الله ، وكفى بالله وكيلا )
ينادى الله تعالى رسوله ويقول :
يا أيها النبى من تقوى الله أن لاتسمع للكافرين ولا تستشيرهم فالله أحق باتباعه لأنه أعلم بكل الأمور باطنها وظاهرها وحكيم فى أقواله وأفعاله
عليك باتباع ما جاءك فى القرآن وأوحى إليك به من ربك فالله لا تخفى عليه خافية من أعمالكم
وتوكل على الله فى جميع أمورك ويكفيك الله وكيلا وحسيبا
الآيات 4 ، 5
( ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه ، وما جعل أزواجكم اللآئى تُظاهرون منهن أمهاتكم ، وما جعل أدعياءكم أبناءكم ، ذالكم قولكم بأفواهكم ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل * ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم ، وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ، وكان الله غفورا رحيما )
كما أن لا يمكن أن يكون للرجل قلبين فى جوف جسده
فإنه لا يمكن أن تصير الزوجة أما لزوجها حتى يقول لها أنت علىّ كظهر أمى كما علمنا فى سورة المجادلة آية 2 من قبل
وأيضا لا يمكن أن يصير الدعى للرجل الذى تبناه إبنا له
فهذا قول بأفواهكم فقط وليس من الحق فى شئ
فالله هو الذى يقضى بالعدل ويقول الحق ويهدى إلى الصراط المستقيم .
انسبوا الأبناء إلى آبائهم الحقيقية فهذا هو العدل عند الله
فإن لم تعلموا من يكون آباءهم فهم إخوانكم فى الدين ومواليكم
وذلك عوضا لهم عن ما فاتهم من النسب
ومن فعل ذلك من قبل أن تنزل آيات الله فلا حرج عليه فقد رفع الله عن الأمة الخطأ ولكن الإثم على من تعمد الباطل ومخالفة الشرع
وهى نزلت فى شأن زيد بن حارثة وسوف تشرح بالتفصيل فى الآية 40 من السورة
الآية 6
( النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم ، وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ، كان ذلك فى الكتاب مسطورا )
( النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) : يعلم الله حرص النبى على مصلحة المؤمنين وشفقته عليه ووصفه بأنه أولى بهم من أنفسهم
( وأزواجه أمهاتهم ) : وزوجات الرسول أمهات للمؤمنين توقيرا واحتراما وإكراما وتتلقى منهن الموعظة ولكن هذا فى القدر فلا تجوز الخلوة بهن
( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله ) : وكما أن ذوى الأرحام أولى ببعض فى حكم الله فإن ...
( من المؤمنين والمهاجرين ) : فالأقارب من المؤمنين المهاجرين والأنصار أولى ببعض فى التوارث بسبب ما كان بين المهاجرين والأنصار من مؤاخاة ورحمة حتى بدون النسب
( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) : فإذا ذهب الميراث يبقى البر والصلة والإحسان والنصر والوصية بين المهاجرين والأنصار
( كان ذلك فى الكتاب مسطورا ) : هذا فى حكم الله مكتوبا فى اللوح المحفوظ ومقدر لا يبدل
الآيات 7 ، 8
( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا * ليسئل الصادقين عن صدقهم ، وأعد للكافرين عذابا أليما )
أخذ الله عهدا وميثاقا على الرسل والنبيين فى إقامة دين الله وإبلاغ رسالاته وخص بالأسماء من هم أولوا العزم وهم محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى
ثم يقول سبحانه أنه يسئل الذين يبلغون ويؤدون عن الرسل عن صدق الإتباع والتنفيذ والتبليغ
ويتوعد الكافرين بالعذاب الأليم
الآيات 9 ، 10
( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت البصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا )
يخبر الله عن فضله على المؤمنين فى غزوة الخندق عندما تقلب أعداءهم عليهم وكانوا أحزابا فى سنة خمسة للهجرة وقد كان نفرا من أشراف يهود بنى النضير كان قد أجلاهم الرسول عن المدينة إلى مكة ، فاجتمعوا مع أشراف قريش وألبوهم على المسلمين ووعدوهم أن يساعدوهم وينصرونهم على المسلمين وفعلوا كذلك مع سادات غطفان فاستجابوا لهم
وخرج الجميع فى عشرة آلاف
فأمر الرسول المسلمين بحفر خندق حول المدينة وباقتراح من سلمان الفارسى وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف
وجاء الأحزاب من الأعداء وكان من يهود بنو قريظة عهد مع المسلمين فنقضوا عهدهم ومالوا إلى الأحزاب
فخاف المسلمين وزلزلوا وظل بين الفريقين حصار لمدة شهر حتى بدأ أحد الفرسان يقتحم الخندق فقتله علىّ بن أبى طالب ثم أرسل الله على الأحزاب ريحا شديدة اقتلعت الخيام وأطفأت النيران ولم تقم لهم قائمة فرحلوا خاسرين خائبين
وفى الآية يقول سبحانه أنه أرسل ريحا وملائكة لم يراها المسلمون حتى كان النصر حليف المسلمين
فقد جاءكم الأحزاب من كل مكان حتى خفتم وضاقت نفوسكم وظننتم أنكم مهزومون وظن المنافقون أن محمدا وأتباعه ينتهون ولكن الله ينصر المؤمنين لما علم ما يعملون وما بنفوسهم وإخلاصهم لله
الآيات 11 ـ 13
( هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا * وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ، ويستئذن فريق منهم النبى يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة ، إن يريدون إلا فرارا )
ويخبر الله عن حال المسلمون عندما نزل الأحزاب حول المدينة وكانوا محاصرين وفى ضيق وخوف وجهد إختبارا لهم وزلزلوا بشدة
فظهر النفاق حينئذ وتحدث الذين فى قلوبهم مرض وقالوا لقد وعدنا الرسول وما وعدنا بالحق وسوف يهزم وتنتهى كلمة الإسلام
يثرب : المدينة
وقوم آخرون قالوا يا أهل المدينة لا مقعد لكم هنا عند النبى فارجعوا إلى بيوتكم
وفريق استأذن النبى وقالوا اسمح لنا بالرجوع لأن بيوتنا نخاف عليها من السرقةوليس من دونها ما يحافظ عليها من العدو
وهى ليست كما يزعمون
ولكنهم يريدون الهرب من القتال والزحف
الآيات 14 ـ 17
( ولو دُخلت عليهم من أقطارها ثم سُئلوا الفتنة لأتوها وما لبثوا بها إلا يسيرا * ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ، وكان عهد الله مسئولا * قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تُمتعون إلا قليلا * قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا )
هؤلاء الذين يدعون أن بيوتهم عورة ويخافون عليها فلو دخل الأعداء عليهم من كل جانب حول المدينة وكل قطر من أقطارها وطلبوا منهم الكفر لكفروا سريعا ولا يتمسكون بإيمانهم مع أول فتنة
لقد عاهدوا الله من قبل هذا الخوف أن لا يهربوا من قتال والله سيسألهم عن هذا العهد
فرارهم هذا لن يؤخر عنهم الموت أو القتل ولن يتمتعوا بعد فرارهم هذا إلا قليل
قل لهم يا محمد من الذى يمنعكم من الله لو أراد بكم السوء أو أراد لكم رحمة فليس لكم من الله مانع ولا عاصم ولا مجير
الآيات 18 ـ 19
( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ، ولا يأتون البأس إلا قليلا * أشحة عليكم ، فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى يُغشى عليه من الموت ، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير ، أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم ، وكان ذلك على الله يسيرا )
هؤلاء المعوقين لغيرهم عن دخول الحرب للقتال الذين يقولون لأصحابهم وعشيرتهم تعالوا لما نحن فيه من خير بعيدا عن القتال فهم لا يلقون من الشدة إلا القليل
بخلاء عليكم بالمودة والرحمة إذا جاءهم الخوف تراهم كأنهم يموتون من شدة الخوف والجزع من القتال
وإذا كان الأمن تكلموا بفصاحة عالية ونسبوا لأنفسهم الشجاعة والنجدة واستقبلوكم ( سلقوكم ) بنفس شحيحة تطلب الغنائم وفى القتال هم أجبن من خلق الله
هؤلاء ليسوا بمؤمنين وأبطل الله عملهم وهذا سهلا هينا على الله .
الآية 20
( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ، وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبائكم ، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا )
ومن صفات جبنهم أنهم يظنون أن الأحزاب لم يذهبوا ، وأنهم قريبون منهم يهاجموهم فى أى لحظة
ولو أتى الأحزاب يودون أنهم لا يكونون حاضرين معكم فى المدينة ويكونون فى البادية يسألون عن أخباركم مع عدوكم
ولو كانوا معكم لم يقاتلوا معكم إلا قليلا لجبنهم وخوفهم
الآيات 21 ، 22
( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا * ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما )
أمر الله بالتأسى برسوله الكريم فى الأقوال والأفعال والأحوال وصبره فى يوم الأحزاب ومجاهدته وانتظاره الفرج من الله
وقال الله أن من يتأسى برسوله فهو مؤمن مصدق بوعود الله وله الجزاء والعاقبة يوم القيامة
المؤمنون قالوا عكس ما قاله الكافرون ، لقد قالوا هذا وعد الله ورسوله وما وعدنا إلا حقا من الأختبار الذى يعقبه النصر وجاهدوا حتى نصرهم الله
وهذه المحنة زادتهم إيمانا بالله ورسوله وانقادوا لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
الآيات 23 ، 24
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا * ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ، إن الله كان غفورا رحيما )
وكما أن المنافقين نقضوا عهدهم ، فإن المؤمنين استمروا على عهدهم مع الله ورسوله
ومنهم من انتهى أجله على عهده ففاز ومنهم من ينتظر نصر الله وعلى عهده معه
ولم يبدلوا هذا العهد حتى قتلوا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طلحة ممن قضى نحبه "
نحبه : نذره
وسيجزى الله المؤمنين الجنة لصدقهم ، وللمنافقين العذاب الأليم ولو شاء الله فإنه يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله هو الغفور الرحيم لمن يرى أنه يستحق المغفرة
الآية 25
( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا )
وهكذا أنزل الله على الكافرين الجنود من الملائكة وأرسل الريح ليهزم الكافرين والأحزاب وردهم خائبين بما يحملون من أوزار وآثام
وأعز المؤمنين وكفاهم القتال وأعادهم إلى بيوتهم بغير قتال
والله منع بعد ذلك المشركين من غزو المسلمين وإنما كان المسلمون هم الذين يغزونهم فى بلادهم .