الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية انتشارا، لكن عدم العلم به يجعل الكثير من الناس لا يقدمون على استشارة الطبيب في الوقت المناسب لتلقي العلاج المناسب.


ومن هنا أهمية أن يعرف الإنسان الأعراض التي يمكن أن يحس بها عند معاناته منه. يمكن تعريف الاكتئاب بأنه اضطراب نفسي يتضمن أساسا ثلاثة أنواع من الأعراض هي:

1 ـ

المزاج الحزين أو الألم النفسي:

وهو يضفي السواد على حياة الشخص الوجدانية، مع إحساس بالكدر واليأس والتشاؤم. ويجعل الفرد يفقد كل اهتمام بأمور الحياة، ويعجز عن الاستمتاع بأي شيء سار أو ممتع، وتختفي البهجة والسعادة من حياة الشخص. كما يبدو مهموما لا يشعر بجدوى أي جهد، ويحس بانسداد أبواب الأمل أمامه. وقد يظهر عليه شعور بالذنب ولوم الذات واحتقارها والإحساس بالدونية.
وفي أقصى درجات هذا الألم النفسي يظهر غياب عدم الرغبة في الحياة وتظهر الأفكار الانتحارية لدى الفرد، وقد تشتد فتجعله يتسبب في قتل نفسه فعلا.

قد يظهر هذا الحزن بعد حدث مؤلم أو أحداث مؤلمة تقع للمريض، لكن في جميع الأحيان لا يكون الحزن متناسبا مع تلك الأحداث. وهذا ما يميز مرض الاكتئاب عن الحزب العادي الذي يمكن أن يعاني منه أي شخص بسبب موت حبيب أو التعرض لإخفاق أو كارثة مثلا. فإن الحزن هنا يظهر بوضوح تناسبه مع الحدث المسبب.

كما أن هذا المزاج الحزين يكون عادة في مقدمة ما يشعر به المصاب بالاكتئاب، لكن تظهر في كثير من الأحيان أعراض أخرى تغطي على هذا الإحساس بالحزن والألم النفسي، مثل التثبيط النفسي والحركي أو الاضطرابات الفيزيولوجية أو العضوية.


2 ـ

البطء أو التثبيط النفسي والحركي:

فيشعر الفرد شعورا مؤلما ببطء شديد في مرور الوقت. كما يشعر بالعياء والتعب لغير سبب، ويفقد الإرادة على الفعل أو العمل. وأحيانا يشعر بأن أبسط جهد أو حركة أمر صعب ومجهد ومتعب. ومع تباطئ حركة المريض، يتثاقل كلامه ويقل، وتقل الأفكار في ذهنه، وتبرز صعوبات في التركيز والتذكر وفي الربط الفكري.

وعلى حسب شدة حالة الاكتئاب يشتد هذا التثبيط، وقد يصل بالمريض إلى حالة من الشلل والانكفاء والانعزالية.

3 ـ
اضطرابات فيزيولوجية:


يؤدي الاكتئاب في الغالب إلى اضطراب في النوم، وكثيرا ما يتعلق الأمر بأرق مصاحب بالاستيقاظ المبكر، وبالقلق والكوابيس. وتكون شهية المريض للطعام أيضا مضطربة، فنلاحظ في الغالب فقدا للشهية يسبب – إذا كان شديدا – نقصا في الوزن. ويظهر في كثير من الأحيان لدى المكتئب نقص النشاط الجنسي، وهو الذي يكون تأثيره شديدا إذ يزيد من حدة الشعور بالعجز والدونية، كما تظهر العديد من الآلام العضوية المختلفة.

هذه الأعراض الثلاثة تلخص ما يعاني منه المريض بالاكتئاب، وعلى تقييمها يرتكز الطبيب عادة لوضع التشخيص الدقيق. لكنه من الضروري التأكيد على مجموعة أمور مهمة بالنسبة للتعرف على مرض الاكتئاب منها:


إن الاكتئاب كمرض من أمراض الاضطراب الوجدانى يتراوح ما بين النوع البسيط أو الخفيف والنوع المتوسط والنوع الشديد الذي قد يؤدي إلى تهديد حياة الفرد. لكن الكثير من الحالات إما خفيفة الحدة أو متوسطتها، ولا تجتمع فيها كل الأعراض المذكورة، بل قد يكون بعضها غائبا، وبعضها خفيفا، لذلك فإن الكثير من تلك الحالات ليس من السهل تشخيصها، ويحتاج إلى خبرة متخصصة.

بعض حالات الاكتئاب تكون مقنعة غير واضحة، بل تختفي وراء قناع من أعراض عضوية مثل صداع الرأس أو اضطراب الذاكرة أو الأرق أو اضطرابات النوم أو الآلام العضوية المختلفة، دون أن تكون الأعراض المميزة للاكتئاب حاضرة، لذلك لا بد أمام أي من تلك الأعراض العضوية التي لا نجد لها تفسيرا واضحا قابلا للعلاج، أن نبحث عن احتمال وجود اضطراب اكتئابي وراءها.

تتغير الصورة التي يبدو عليها الاكتئاب حسب سن المريض. فهو يظهر لدى صغار الأطفال في صورة اضطرابات في النمو. وذلك مثل ظهور عدم التحكم في البول أو ظهور صعوبة النطق والتأتأة. ويظهر لدى المراهقين في صورة اضطرابات سلوكية مثل ظهور الكذب أو السرقة دون داع. وهو ما يعتبر عادة من قبل الوالدين خللا في التربية دون الوعي بكونه تعبيرا عن حزن دفين. أما عند المتقدمين في السن فيظهر الاكتئاب في صورة اضطرابات ذهنية أو معرفية، مما قد يؤدي إلى الخلط بين الاكتئاب وخرف الشيخوخة.

...............................
عن المساء المغربية
سعد الدين العثماني - طبيب مختص في الأمراض النفسية