إحصائية شبابية (الجزء الثاني(كتبه/ أحمد شكري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد جلست مع عشرة من الشباب، ووجهت لهم سؤالاً: ما هي أكبر موعظة أثرت فيكم؟ فأجاب سبعة منهم بما يتعلق بالموت واليوم الآخر، وما فيه من أهوال والجنة والنار. وقد ذكرت تفاصيل ذلك في مقال سابقإحصائية شبابية (الجزء الأول). وأما الثلاثة الباقون، فإليك ما قالوا: قال أحدهم -وهو ثامن العشرة-: كنت في رحلة "العمرة" على الطريق البري، فنظرت إلى الصحراء المترامية الأطراف، وكأنها لا نهاية لها، وتذكرت غزوة "تبوك"، وكيف سار الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الرحلة الشاقة التي أصابني أنا التعب وأنا أسير مثلها في مركبة مكيفة، وطريق آمن، فكيف كان حالهم هم؟! كل ذلك في سبيل نصرة الدين والعمل من أجله. فقلت لنفسي: الصحابة ضحوا وبذلوا كل ذلك، وأنا أتكاسل أن أوقظ جاري لصلاة الفجر، أو أن أبذل من وقتي وجهدي في الدعوة إلى الله!! وقال الثاني -وهو تاسع العشرة-: أكبر ما أثر فيّ هو هذه الجرأة العجيبة من الغرب على سب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكأنه ليس له أتباع ولا أنصار يؤمنون به، بمعنى أوضح: "لا يوجد بيننا رجل"، فأحسست بغليان في رأسي لهذا. ثم سمعت أحد الدعاة إلى الله يقول: "إن أبلغ رد على هؤلاء المستهزئين: أن يكون كل مسلم منا تابعًا حقيقيًّا للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه إذا كان الحامل لهم على الاستهزاء به -صلى الله عليه وسلم- هو الشعور بالهزيمة أمامه، فما بالكم لو صاروا يواجهونَ ألف مليون من الأتباع الصادقين؟؟ لا ريب أن هذا سيكون أشد عليهم من الموت". ومن ساعتها، وأنا حريص على تعلم سنته، والعمل بها في كل صغيرة وكبيرة من حياتي، وأن أدعو الناس إليها. وقال الثالث -وهو عاشر العشرة-: منذ عدة سنوات جاءني أحد أصدقائي الملتحين، وكنت أحبه؛ لأنه بشوش، ودائمًا يسأل عن أخباري، ويشاركني في أفراحي وأحزاني. جاءني يومًا تبدو في وجهه علامات الحزن والقلق، وقال: تعال معي. فقلت إلى أين؟ قال: سوف تعرف. فذهبت معه، وفوجئت بأعداد كبيرة من الملتحين مجتمعين أمام مسجد ليس بالكبير، ولكنه قد امتلأ عن آخره، واضطر الباقون أن يصلوا في الشارع الذي أمامه. فقال لي صاحبي: إن هذا المسجد منذ سنوات عديدة، وهو منارة للدفاع عن العقيدة الإسلامية، ونشر الدعوة إلى الله -تعالى-، وقد سمعنا أنه سيمنع من ذلك. المهم، صلينا العشاء ثم جلسنا؛ لنستمع إلى محاضرة كانت في تفسير بعض آيات من سورة إبراهيم. لا أخفيكم سرًّا، فأنا كنت مواظبًا على قراءة القرآن، وبالطبع كانت تمر علي هذه السورة، ولكن أحسست أن هؤلاء الجالسين حولي يستشعرون لها طعمًا آخر غير الذي أجده لها. فقلت: ما الفارق بيني وبين هؤلاء؟وكانت الإجابة الوحيدة: أنني منشغل بنفسي بأن أكون طيبًا، ولا أؤذي أحدًا فقط، أما هم فإنهم يحملون همومًا أخرى غير تلك التي أحملها، إنها هموم الدفاع عن الدين، ونشر السنة، ومحاربة البدع. إنها هموم أمة بأكملها. أحسست بثقل هذه الهموم، ولكني في نفس الوقت أحسست أن حياتهم لها هدف، ولها قيمة، وفي نفس الوقت لها طعم آخر غير طعم حياتي الهادئة الوادعة التي أحياها. أحبابي الشباب، واضح أن هؤلاء الثلاثة كانت أكبر المواعظ في حياتهم هي ما يتعلق بنصرة الدين والغيرة عليه. وهذه سمات المؤمنين الصادقين. أما المنافقون فقد وصفهم الله بقوله:(وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)(آل عمران:154). أحبابي الشباب: من الحكم التي تترتب على ما يقدره الله من الابتلاء لهذه الأمة من القتل والتشريد، وانتهاك الحرمات، وانتهاب الثروات، أن يفيق الغافلون من هذه الأمة؛ ليواجهوا أعداءهم، ويذودوا عن أعراضهم. وأخيرًا أحبابي الشباب، وصلت من خلال هذه الإحصائية أنني إذا أحببت أن أدعو شابًّا أن أكلمه في أحد هذين الموضوعين: إما الموت، وقصر الأمل، والاستعداد للآخرة، أو هموم أمة الإسلام، وواجبنا تجاهها. جَرِّب الدعوة بهذه الطريقة، وراسلنا بالنتائج. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.