الآية 1 ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا ، إنه هو السميع البصير )
يعظم الله نفسه وشأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد غيره فهو الرب ولا إله غيره لقد أسرى بمحمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فى الليل من المسجد الحرام الذى بمكة إلى المسجد الأقصا ببيت المقدس الأرض المقدسة لأنها أرض الأنبياء إبراهيم واسحاق ويعقوب وذريتهم التى بارك فيها من الزروع والثمار فأسرى الله بمحمد ليأم الأنبياء جميعا فى الأرض الطاهرة ويصلى بهم صلوات الله عليهم جميعا .
ثم أراه الله من قدراته وعظمة آياته
والله سميع لعباده يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم وسمع لمناجاة عبده محمد وأبصر ما لحق به من أذى من الكفار من بعد موت السيدة خديجة وموت عمه أبو طالب ، وسمع استغاثته .
وهنا يحق لنا أن نتوقف لذكر ما ينبغى أن نعلمه عن هذا الحادث الهام .
فمع ...حادث الإسراء والمعراج
الإسراء :
قال أنس بن مالك رضى الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما أنا فى الحطيم مضطجعا إذ أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه " ـ وقيل من ثغرة نحره إلى شعرته ـ " فاستخرج قلبى . ثم أتيت بدابة ( البراق ) دون البغل وفوق الحمار ـ أبيض ـ يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فسار بى حتى أتيت بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التى يربط فيها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فأتانى جبريل بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل : أصبت الفطرة ، ثم عرج بى إلى السماء الدنيا " .
المعراج :
يقول صلى الله عليه وسلم عن رحلته مع جبريل عليه السلام إلى السموات : " فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ ، قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بآدم فرحب بى ودعا لى بخير
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ ، قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بابنى الخالة : يحيى وعيسى ، فرحبا بى ودعوا لى بخير
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ ، قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطى شطر الحسن ، فرحب بى ودعا لى بخير
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ ، قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بإدريس عليه السلام فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم يقول الله تعالى : ( ورفعناه مكانا عليا ) .
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ ، قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بهارون عليه السلام فرحب بى ودعا لى بخير
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه ؟ ، قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بى ودعا لى بخير
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ ، قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه ؟ ، قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام وإذا هو مستند إلى البيت المعمور ، وهو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه
ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
وهذه السدرة شجرة وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها " وقال :" فأوحى الله إلىّ ما أوحى ، وقد فرض علىّ فى كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة فى كل يوم وليلة قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، وإنى قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم فرجعت إلى ربى فقلت : أى رب خفف عن أمتى ، فحط عنى خمسا ،فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، فقال : ما فعلت ؟ فقلت : قد حط عنى خمسا فقال : إن أمتك لا تطيق ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلم أزل أرجع بين ربى وبين موسى ، ويحط عنى خمسا خمسا حتى قال : يا محمد ، هن خمس صلوات فى كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت عشرا ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة .
فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد رجعت إلى ربى حتى استحييت " .
وقد أسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم ببدنه وروحه يقظة لا مناما
ونعود للآيات الكريمة بالتفسير :
( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا ، إنه هو السميع البصير)
والتسبيح بقدرة الله عز وجل هنا لأن الأمر عظيم ، والإسراء حدث فى الليل ، والهدف منه أن يريه قدرة الله وعظمته من الغيبيات ويخفف عنه مصابه وموعظة للمتقين ، وفرضت عليه الصلاة.
الآيات 2 ، 3
( وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دونى وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا )
ثم يقص الله على نبيه محمد ما حدث لموسى : لقد أرسلنا إلى موسى التوراة التى بها طريق الهداية لبنى إسرائيل ، وقلنا لهم فيها اعبدوا الله وحده لا شريك ولا نصير ولا معبود غيرى
وقلنا لهم : يا ذرية نوح ( أى يا سلالة المؤمنين ممن نجينا مع نوح فى السفينة فتشبهوا بأبيكم ... ليستحثهم على الإيمان ) لقد كان نوح عبد كثير الشكر لله مؤمن صبور فاشكروا الله مثله .
الآيات 4 ـ 8
( وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان أمرا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، وإن أسأتم فلها ، فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم ، وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا )
يخبر الله تعالى أنه أخبر بنى إسرائيل فى التوراة بأنهم سيفسدون فى الأرض مرتين ويتجبرون و يفجرون على الناس .
المرة الأولى منهما يرسل الله عليهم جندا لهم قوة وبأس شديد وعدة ويتملكون بلاد بنى إسرائيل يروحون ويجيئون لا يخافون لائم .
( وقيل أن هؤلاء الناس هو جالوت وجنوده ثم قتل داود جالوت وتولى الحكم والنبوة وأتاه الله الحكمة والقضاء والعدل . وقيل أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده ، وقيل أنه بختنصر ملك بابل فلا يعلم أيها كان أشد بأسا عليهم ومن المقصود فى هؤلاء فهو أحدهم .) وعموما فى كل مرة كان النصر فى النهاية لبنى إسرائيل وأمدهم الله بالبنين والأموال ، وجعلهم الله أكثر قوة ( نفيرا ).
ويقول لهم سبحانه إن أحسنتم العمل فلكم وإن أسأتم فعليكم .
وعندما تأت المرة الآخرة أى تفسدون مرة أخرى وتأت أعداءكم فإن أعداءكم يهينوكم ويقهروكم ويدخلوا بيت المقدس كما دخلوا من قبل ويدمروا ويخربوا ( يتبروا ) ما ظهروا عليه وتملكوه ( ما علوا ) تخريبا .
لعل الله يصرف أعداءكم عنكم ، ولكن متى عدتم إلى الإفساد فسوف نجعلهم يقهروكم فى الدنيا وتعذبون فى الآخرة . ويجعل الله للكافرين جهنم ( حصيرا ) وسجنا ومستقرا وفرشا و محصرا .
الآيات 9 ، 10
( إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما )
إن القرآن الذى أنزل عليك يا محمد يهدى إلى الطريق القويم المستقيم والذى فيه تبشير للمؤمنين الذين أخلصوا عملهم لله وأحسنوا بأن لهم الأجر العظيم والثواب يوم القيامة أما الذين كفروا بالآخرة ويوم القيامة فقد أعد الله لهم جهنم ليعذبهم فيها العذاب المؤلم . الآية 11
( ويدع الإنسان دعاءه بالخير ، وكان الإنسان عجولا )
يتعجل الإنسان ويظل يدعوا وربما يكون ما يظنه خيرا فهو فى الحقيقة شر له أو لأبنائه أو لماله وقد يدعو بالموت أو الهلاك والدمار فلو استجاب له ربه لهلك
الآية 12
( وجعلنا الليل والنهار آيتين ، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ، وكل شئ فصلناه تفصيلا )
من آيات الله التى تدل على عظمة قدرته تعالى المخالفة بين الليل والنهار ليسكن الناس فى الليل ويخلدوا للراحة بعد عناء الإنتشار فى النهار للسعى وجلب الرزق والأسفار والصنائع وكذلك الليل والنهار ليتعلم الناس عدد السنين والحساب والأيام والشهور ويعلموا الآجال المعتمدة للديون والعبادات والمعاملات ، وهذا كله فضل الله وقد تم إيضاح كل ذلك فى القرآن بدقة .
الآيات 13 ، 14
( وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )
ولكل إنسان ما طار من عمله من خير أو شر يسجل عليه ويكتب ليلا ونهارا ثم يجازى به يوم القيامة إذ يجد كتابه ويمسك به بيمينه إن كان سعيدا ويمسك به بشماله إن كان من الأشقياء ويقال له إقرأ كتابك وهذا عملك كله فى الدنيا صغيرا وكبيرا ويشهد عليك ما كان منك .
الآية 15
( من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
من اتبع الحق واتبع الله ورسوله فإنما يعود ذلك عليه بالحياة الكريمة فى الدنيا والثواب فى الآخرة ومن ابتعد عن الحق وزاغ عن سبيل الله فإنما يجنى وبال أمره فى الدنيا والآخرة ولا يحمل أحد ذنب غيره وإنما كلٌ يجنى ثمرة عمله وما كان الله ليعذب أحد إلا بعد أن يرسل الرسل مبشرين ومنذرين لإقامة الحجة عليهم .
الآية 16
( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) إذا أراد الله تدمير قرية فإنه يأمر علية القوم المترفين بالطاعات ولكنهم يصرون على فعل الفواحش فيدمرهم شر تدمير ليس بعده قيام بما فعلوا .
ولنا وقفة هنا مع ما يحدث فى هذا الزمان لنرى كيف تتحقق الآية مع كل زمان ولعلنا نفيق إلى أمر الله ونعتبر وننتهى عن المنكرات وننقذ أنفسنا قبل الهلاك .
الآية 17ـ 22
( وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح ، وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا * من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مد حورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ، وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا * لا تجعل مع الله إلاها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) نوح ومن آمنوا معه كانوا أعز على الله من كفار قريش ، ومع ذلك فقد أهلك قرون منهم لما ظلموا فاحذروا من غضب الله أيها المشركون فالله سميع وبصير بما تعملون .
من أراد الحياة الدنيا وزينتها كان له ما طلب ولكن بإرادة الله ومشيئته ثم إنه فى الآخرة لن يجد إلا الجحيم عقابا له على سوء عملهوهو مذموم ، و(مدحور ) مبعد حقير ذليل
ومن أراد نعيم الآخرة وعمل صالحا وتابع رسول الله فله الجنة والنعيم والثواب .
وكلا من الفريقين من أراد الدنيا ونسى الآخرة ومن أراد الآخرة وعمل صالحا يمدهم الله من الشقاء أو السعادة فلا يمنع عطاء الله أحد
فانظر يا محمد كيف فضلنا بعضهم على بعض فى الدنيا فمنهم الفقير ومنهم الغنى ومنهم الحسن ومنهم القبيح ولكن فى الآخرة يكون التفاوت بينهم أكبر فمنهم من يكون فى الجنة وهى درجات تختلف فى النعيم ومنهم من يكون فى النار وهى دركات تختلف فى أنواع مابها من عذاب أيضا
فلا تعبد مع الله شريك آخر فتصبح مذموما على شركك ويخذلك الله ويتركك لمن عبدت غيره فلا ينصرك .
الآيات 23 ، 24
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا )
قضى : وصى تنهرهما : تضايقهما بفعل قبيح قولا كريما : قولا طيبا اخفض لهما جناح الذل من الرحمة : تواضع لهما ووقرهما رحمة بهما يوصى الله بالمعاملة الحسنة الطيبة للوالدين والرحمة بهما فى الكبر كما ربيا إبنهما فى الصغر والتواضع لهما قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الله يوصيكم بآبائكم ، إن الله يوصيكم بأمهاتكم ، إن الله يوصيكم بأمهاتكم ، إن الله يوصيكم بأمهاتكم ، ، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب "
الآية 25
( ربكم أعلم بما فى نفوسكم ، إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ) فإن صدر منكم بادرة إلى الأبوين وفى نياتكم لا تريدون إلا الخير فالله يعلم ما فى نفوسكم ويغفر لمن تاب ورجع إلى الله الآيات 26 ـ 28
( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، وكان الشيطان لربه كفورا * وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا )
يلى بر الوالدين الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام كما ورد بالحديث ، ويوصى بالإنفاق لهم مع عدم التبذير فالمبذرين إخوان الشياطين وأشباههم إذ أن كلا منهما لا يتوسط فى الأمور ويترك الطاعة لله
والشيطان ( كفور ) أى جحود لنعمة ربه ولو أن أحد الأقرباء طلب منك ماليس بمقدورك فعدهم بميسور الحال وبلطف
الآيات 29 ـ 30
( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا * إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا )
ويأمر الله بالتوسط فى النفقة يذم البخل وينهى عن السرف حتى لا يندم الشخص عندما يفقد ماله جميعا ثم يحتاج فلا يجد أو يدعه أقرباءه وذويه لبخله
فالله يوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء لأنه خبير بطباع ونفوس عباده ويبصر أحوالهم .
الآية 31
( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ، نحن نرزقهم وإياكم ، إن قتلهم كان خطئا كبيرا )
ينهى الله عن قتل الأبناء مخافة الفقر حيث كان بعض الأهل فى الجاهلية يقتلون البنات ولا يورثونهم لأن الله أولى بعبده من أمه فيوصى بالنفقة لهم ويوصى بحقهم فى الميراث والإهتمام بهم فالله يرزقهم كما يرزق أهلهم فإن قتلهم ذنب كبير عظيم
الآية 32 ، 33
( ولا تقربوا الزنى ، إنه كان فاحشة وسآء سبيلا * ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ، ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل ، إنه كان منصورا )
ينهى الله عباده عن الزنا فهو ذنب عظيم وهو بئس الطريق والمسلك
وينهى الله عن قتل النفس إلا بحق شرعى كما ورد بحديث النبى صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس والزانى المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة "
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا : وجعل الله الحق للولى أن يقتل القاتل أو يعفو عنه إن شاء ذلك أو يأخذ ديته أو يتركها وهذا هو السلطان فلا يسرف فى القتل : فلا يمثل بالقاتل ولا يقتل غير القاتل إنه كان منصورا : فالولى منصورا على القاتل بيد الشرع
الآيات 34 ، 35
( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده ، وأوفوا بالعهد ، إن العهد كان مسئولا * وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ، ذلك خير وأحسن تأويلا ) يأمر الله بأن لا يقترب إلى مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن
ويأمر بالوفاء بالعقود والعهود
ويأمر بالعدل فى الميزان فذلك كله خير لمعاشكم وحياتكم فى الدنيا والآخرة
الآية 36
( ولا تقف ما ليس لك به علم،إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) لا تقل رأيت ولم تر ولا تقل سمعت ولم تسمع لا تتحدث فيما لا تعلم أو تفهم فسيسألك الله عن سمعك وبصرك وقلبك يوم القيامة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "
وقال : " من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل "
وهذا يسبب ترويجا للشائعات قد تؤدى إلى هلاك دولة وتؤدى إلى قتل النفس أو قطيعة رحم وكلها كبائر عند الله يحاسب بها يوم القيامة .
الآيات 37 ـ 39
( ولا تمش فى الأرض مرحا ، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ، ولا تجعل مع الله إلاها آخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا )
ينهى الله عن التبختر والتجبر ويقول إنك لن تقطع الأرض بمشيك ولن تعلوا الجبال بتفاخرك وإعجابك بنفسك فقد يدفعك ذلك إلى الكبر والعمل الذى يخفضك فى جهنم
وكل ما سبق ونهى عنه فهو سيئة تؤاخذ عليها ولا يرضاه الله ويكرهه
وهذا من الأخلاق الحميدة التى أمرناك بها ونهيناك عن الأخلاق الرذيلة عن طريق الوحى فأمر بها الناس ولا تطع ولا تعبد غير الله فيكون مصيرك إلى جهنم وتطرد من كل خير ،
وهذا الحديث يوجه للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه وحى له ليأمر الناس به لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ ووصفه الله بأنه على خُلق عظيم .
الآيات 40 ـ 43
( أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا ، إنكم لتقولون قولا عظيما * قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا )
قال المشركين إن الملائكة إناث واتخذهم الله بناتا له ثم عبدوهم من دون الله ، وهم أنفسهم كانوا يحزنون عندما ينجب أحدهم أنثى ويدفنها وهى حية
فيقول سبحانه لهم من باب التوبيخ كيف تنسبون البنات اللواتى تكرهون انجابها لله وتتمنون لأنفسكم البنين ، إن هذا كذب وافتراء على الله كبير
فلو كان مع الله آلهة أخرى كما تدعون لتقرب كلا منهم إلى الله ليتشفع لمن يعبدونه ويتقربون إليه ولحدثت أمور عاقبتها وخيمة
فتنزه الله عن أن تكون هناك معبودات غيره ولا واسطة بين العبد وربه وتعالى الله عن هذا الهراء الذى يفتريه الكافرين .
الآية 44
( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ، وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، إنه كان حليما غفورا )
الله تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن من مخلوقات وكل شئ ينزهه ويعظمه ويحده على نعمائه ويسبحون كلٌ بلغته ولكن الناس لا يفهمون هذا التسبيح والله حليم بعباده لا يعجل لهم العذاب لعلهم يتوبون ويستغفرون فيغفر لهم
الإنسان لا يسمع إلا الأصوات التى لها تردد معين لا يقل عنه ولا يزداد وهناك أشياء لها أصوات أعلى من هذا التردد وأخرى أقل منه من الجمادات فلا تسمعها أذن الإنسان وكذلك لغات الحيوانات والطيور والنباتات لا يفهمها الإنسان وكذلك تختلف الناس فى لغاتهم ... والجميع يسبح الله ويحمده
الآيات 45 ـ 46
( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا ، وإذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا )
إذا قرأت يا محمد القرآن على هؤلاء المشركين فإن الله يجعل على قلوبهم أكنة وغشاء وحجاب فلا يفقهون ما تقرأ عليهم ، كأن فى آذانهم صمم ، وإذا ذكرت الله وحده فى القرآن وقرأت لا إله إلا الله فإنهم ينفرون ويدبروا راجعين عن الحق .
الآيات 47 ، 48
( نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك و إذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) يخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما يتناجى به المشركون سرا عندما جاؤوا يستمعون لقراءته القرآن فيقول بعضهم لبعض إن محمد مسحور وله من يأتيه من الكلام الذى يتلوه ، ومنهم من قال شاعر ومنهم من قال كاهن ومنهم من قال مجنون .
انظر يا محمد كيف أنهم ضربوا لك الأمثال فلا يهتدون للحق ولا يجدون له طريقا .
الآيات 49 ـ 52
( وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا * قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر فى صدوركم ، فسيقولون من يعيدنا ، قل الذى فطركم أول مرة ، فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو ، قل عسى أن يكون قريبا * يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )
ويتعجب الكافرون من البعث ويقولون كيف بعد أن تبلى أجسادنا وعظامنا بعد الموت يكون لنا بعثا جديدا وعودة للحياة
قل لهم يا محمد مهما كنتم رفاتا أو حديدا أو حجارة أو أى شئ تستعظمونه فسيبعثكم الله خلقا بعد خلق جديد ولكنهم على كفرهم بالبعث ويسألون من الذى يقدر على إعادتنا مرة أخرى
قل لهم الله الذى خلقكم أول مرة من العدم قادر على أن يبعثكم مرة أخرى
فيحركون رؤوسهم استهزاءا ويقولون متى يكون ذلك ؟
قل لهم يا محمد ربما يكون ذلك قريبا ولا يعلم موعده إلا الله وفى هذا اليوم يدعوكم الله فتخرجون من التراب ماثلين لأمره وطاعين له وله الحمد فى كل حال ويوم تخرجون من قبوركم تظنون أنكم لم تمضوا بها إلا القليل
الآية 53ـ 55
( وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن ، إن الشيطان ينزغ بينهم ، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا * ربكم أعلم بكم ، إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ، وما أرسلناك عليهم وكيلا * وربك أعلم بمن فى السموات والأرض ، ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ، وآتينا داود زبورا )
ــ يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بأن يتكلمون بالحسنى إذا تحدثوا وتحاوروا بينهم لأن الشيطان يحاول أن يدخل بينهم العداوة والبغضاء فهو عدو لبنى آدم وعداوته واضحة ظاهرة فلا يمكنوه منهم .
ــ أيها الناس ، الله يعلم سرائركم وعلانيتكم ويعلم من يستحق العذاب ومن يستحق المغفرة فلو شاء هداكم لطاعته ولوشاء أضلكم يا محمد لم نرسلك وكيلا لهم وعليهم وإنما أرسلناك مبشرا للمؤمنين منذرا للكافرين ــ والله يعلم بما فى السماء والأرض ويعلم مراتبهم فى الطاعة والمعصية
وقد فضل الله بعض النبيين على بعض بما أسند لهم من تبليغ وبما أوذوا فى سبيل الله وأولى العزم من الرسل أعظم درجات عند الله من سائر النبيين ومنهم داود الذى شرفه الله وفضله قال النبى صلى الله عليه وسلم : " خفف على داود القرآن ، فكان يأمر بدابته فتسرج ، فكان يقرؤه قبل أن يفرغ "
الآيات 56 ـ 59
( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، إن عذاب ربك كان محذورا * وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك فى الكتاب مسطورا * وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا )
ــ قل يا محمد لهؤلاء المشركين الجؤوا لما عبدتم من دون الله ليكشفوا الضر عنكم ، فهم لا يستطيعون رفع ما بكم من ضر ولا أن يحولوه عنكم
ــ فهؤلاء الذين عبدتم من دون الله قد اسلموا وتقربوا إلى الله ويخشونه ويخشون عذابه ويحذروه لأن عذاب الله لابد من الحذر منه وقد أنزلت هذه الآية فى أن نفر من العرب كانوا يعبدون الجن ولكن هؤلاء الجنيون أسلموا لله والإنسيون لا يعلمون
ــ وقد قضى الله فى اللوح المحفوظ بأن الله سيهلكها الله قبل يوم القيامة أو يعذب أهلها عذابا شديدا بسبب ذنوبهم وخطاياهم
ــ عندما سأل أهل مكة النبى صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا أو يزيل الجبال عنهم ليزرعوا ... نزلت هذه الآية ترد عليهم فيقول لهم لو حدث ما تقولون لظلمتم مثل من سبقكم من الأمم مثل قوم ثمود الذين طلبوا ناقة عظيمة لا مثيل فى ضخامتها ولما أرسلها الله لهم عقروها وظلموا وكذبوا والله سهل عليه أن يرسل ما طلب أهل مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يمنع ذلك أن الناس لا تتعظ ويظلموا ، والله يرسل المعجزات تخويفا للناس .
الآية 60
( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ، وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرآن ، ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا )
وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس : يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه أحاط علما بالناس وقهرهم وهم فى قبضته وقادر عليهم ويعصمه منهم ... وذلك ليطمئنه حتى يبلغ رسالته .
وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس : وأن ما رأى يوم الإسراء والمعراج والشجرة الملعونة فى القرآن : وشجرة الزقوم التى تنبت فى قاع جهنم إنما هى ابتلاء واختبار وفتنة للناس إذ أن بعض الناس قد رجعوا عن دينهم بعد أن كانوا على الحق لأن عقولهم لم تستوعب ما قصه الرسول فى هذه الرحلة السماوية
والله يخوف الكفار بالوعيد والعذاب ولكن يزيدهم ذلك طغيانا وكفرا وضلال وخذلان من الله لهم .
الآيات 61 ، 65
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبلبيس قال ءأسجد لمن خلقت طينا * قال أرءيتك هذا الذى كرمت علىّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادى ليس لك عليهم سلطان ، وكفى بربك وكيلا )
عندما انتهى الله عز وجل من خلق آدم عليه السلام من الطين وتركه ليجف ، قال للملائكة ومعهم إبليس إذا نفخت الروح فى آدم وقام رجلا فاسجدوا له ( والسجود هنا ليس سجود عبادة وإنما إنحناءة إجلالا لعظمة الله فى خلقه وتعظيما لقدرته وتحية وسلاما لآدم )
ولكن قارن إبليس نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم ورأى نفسه أشرف من آدم ، فامتنع عن السجود جحودا وغيرة .
هذا القياس من إبليس كان فاسد الأعتبار فإن الطين أنفع وخير من النار حيث الطين فيه الرزانة والأناة والنوم أما النار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق ثم آدم شرفه الله بأربعة تشريفات 1 ـ خلقه بيده الكريمة
2 ـ نفخ فيه من روحه
3 ـ أمر الملائكة بالسجود له
4 ـ علمه الأسماء وهنا كان عدم تنفيذ إبليس الأمر من الله كان من الكفر لأنه رد الأمر على ربه وامتنع استكبارا وليس عجزا ، فقال لربه أخرنى إلى يوم القيامة ، فقال له الله أخرتك فلا تموت حتى يوم القيامة ، فقال إبلبيس لو تركتنى فسوف أهلك ذرية آدم وأضلهم إلا قليلا منهم من الذين يطيعون ويقاومون .
غضب الله عليه وأخرجه من رحمته وسمى إبليس ( أى خارج عن الطاعة وخارج من رحمة ربه ) وقال له من تبعك منهم فأنت وهم فى الجحيم وجزاؤكم جهنم جزاء وافر وعظيم جزاء موفورا. واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا : أفعل كل ما يحلو لك دعاء لمعصية الله بالغناء والكلام والوسوسة وسلط عليهم من هو راكب أو مترجل وكل ما تقدر عليه من إغراء المال والربا وحرام النفقة من الأموال والزنا والقتل وغيره من المعاصى وكل ذلك وعد السوء منك ويظهر الحق يوم القيامة .
إن عبادى ليس لك عليهم سلطان ، وكفى بربك وكيلا : ولكن عباد الله المخلصين فى عبادتهم لله وطاعتهم لن يتأثروا بكلامك يا إبليس وليس لك عليهم سلطان ولا قهر لأفعالهم والله يحفظهم ويحميهم من شرورك والله مؤيدا ناصرا لهم
الآية 66 ، 67
( ربكم الذى يزجى لكم الفلك فى البحر لتبتغوا من فضله ، إنه كان بكم رحيما * وإذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون إلآ إياه ، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ، وكان الإنسان كفورا )
وانظر إلى السفن تسير فى البحر بقدرة الله وحده وبأمره وتسخيره هذه آية أخرى لمن كان صابرا فى السراء والضراء وشاكرا لأنعم الله
ومن الناس من إذا كان فى البحر وعلا عليه الموج كالجبال دعوا الله بإخلاص وإذا نجاه وأخرجه إلى البر فإذا به يجحد وينسى ما حدث له ويقصر فى العمل الصالح
والذى يجحد هو الغدار الشديد الكفر وناكر نعمة ربه
الآيات 68، 69
( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا * أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا )
يأمر الله الناس بتقواه والخوف منه ومن حساب يوم القيامة فيقول هل أمنتم أن يعذبكم الله بذنوبكم وفى البر الذى ظننتم أنكم خرجتم من البحر إليه ، فيمطر عليكم مطرا به حجارة فيدمركم ثم لا تجدوا من ينجيكم من عذاب الله
أم أمنتم بعد أن اعترفتم فى البحر بأن الله واحد ثم كفرتم بعد أن نجاكم منه أن يعيدكم فيه مرة أخرى ثم يرسل الريح فيغرق بكم المركب فيغرقكم فيه ثم لا تجدوا من ينقذكم
الآية 70
( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )
يقول تعالى : ولقد شرفنا الإنسان بأحسن خلقة ويسرنا لهم ما يركبون فى البر والبحر ( على الدواب من الأنعام والخيل والبغال وأصبحت السيارات والطائرات فى البر والسفن فى البحر ) ورزقناهم من الزروع والثمار واللحوم والألبان والملابس وما يصنعون من أمتعتهم والتزاماتهم وفضل الله الإنسان على باقى المخلوقات من حيوانات وطيور وأسماك وغيرها ...
الآيات 71 ، 72
( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ، فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا * ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا )
( كل أناس بإمامهم ) : ويوم القيامة يدعى كل إنسان بكتاب عمله ... وقيل كل جماعة من الناس بمن كانوا يتبعونه فالمؤمنين بالأنبياء والكفار بمن عبدوا
ومن أمسك كتاب عمله بيمينه فسوف يقرؤن كتابهم فى يسر ويحاسبون بيسر ولا يظلم الله أحد
ومن كان فى الدنيا غافلا عن كتاب ربه وآياته فهو فى الآخرة يحشر أعمى عن الحق ويكون أكثر ضلالا
الآيات 73 ـ 75
( وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره ، وإذا لاتخذوك خليلا * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا )
يخبر الله بأنه ناصر نبيه وحافظه من كيد أعداءه وأعداء الله وأنه لا يتركه لشرورهم بل هو متولى لأمره ويقول له لقد حاول الكفار أن يفتنوك لتفترى على الله بغير ما أنزل إليك حتى يتخذوا منك خليلا ولكن الله يثبت قلب عبده على الحق والهدى ولو أنه أطاع الكفار لكان الله عسر عليه ولكن الله حفظه من أعدائه .
الآيات 76 ، 77
( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها ، وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ، ولا تجد لسنتنا تحويلا )
هم كفار قريش بإخراج الرسول من بينهم ولكن الله توعدهم بأن لو فعلوا ذلك ما تركهم الله فى مكة إلا القليل من بعده وقد حدث فعلا أن هاجر الرسول من مكة فلم يجعل الله لهذا أمدا إلا أن كانت سنة ونصف حتى جمعهم الله ببدر وأمكن رسوله والمؤمنين من أعدائهم وقتل أشرافهم وسبى الكثير منهم
وهذه هى سنة الله فى رسله جميعا إذا ما اشتد أذى الكفار عليهم فإنه ينصر رسله وينتقم من أعدائهم شر انتقام ولا يخلف الله سنته بين أنبياءه
الآيات 78 ، 79
( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ، إن قرآن الفجر كان مشهودا * ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا )
ثم يأمر الله رسوله بأن يشكر اعتناءه به وبالمؤمنين ونصره لهم بأن يؤدوا الصلاة فى أوقاتها منذ الفجر حتى بدء إشراق الشمس ثم زوالها ثم صلاة الليل وهى الصلوات الخمس المكتوبة ثم يأمر بالنوافل والتهجد فى الليل لمن أراد أن يتقرب إلى الله وسيجد الجزاء المحمودة قيمته .
الآيات 80 ، 81
( وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا * وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا )
وقل رب أدخلنى مدخل صدق : يرشد الله رسوله بالدعاء أن يدخله المدينة ،و قيل يعنى الموت على الحق وأخرجنى مخرج صدق : يعنى مكة وقيل الحياة الكريمة بعد الموت وقال ابن جرير المقصود بالمدينة ومكة أصح وقل جاء الحق وزهق الباطل : وقل الحمد لله قد جاء القرآن بالحق والعلم النافع واضمحل الباطل وهلك إن الباطل كان زهوقا : فالباطل لا بقاء له .
الآيات 82
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) وهذا القرآن فيه شفاء لأمراض القلوب والنفوس وفيه رحمة للعالمين بما فيه من حكمة وطلب الخير وتنظيم العلاقات بين الناس أما الكافرين فهو لا يؤثر فيهم ويزيدهم نفورا وتمردا وبعدا عن الحق .
الآيات 83 ، 84
( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأآ بجانبه ، وإذا مسه الشر كان يؤسا * قل كلٌ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا )
وهذا هو حال الناس _ إلا من عصم الله من المؤمنين _ إذا وجد نعمة من ربه فهو يفتتن بها ويبتعد عن طاعة ربه ، وإذا مسه الشر ييأس من رحمة الله ويحزن ويظن أن لا مخرج له من أمره
وكل إنسان يعمل على نيته وطريقته ودينه ويحذر المشركين بأنه الله يعلم خبايا النفوس ويعلم من اهتدى ويعلم من ضل ويحاسب كل على عمله .
الآية 85
( ويسئلونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
سأل جماعة من اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح فلم يرد عليهم حتى نزل الوحى فقال : ( الآية 85 ) أى أن الروح لا يعلم عنها إلا الله وهى مما استأثر به الله لا يعلمها إلا هو ولم يطلع عليها أحدا من خلقه ، وما علم الله الناس إلا القليل من علمه الذى يحتاجون إليه فقط . الآيات 86 ـ 89
( ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا * إلا رحمة من ربك ، إن فضله كان عليك كبيرا * قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا * ولقد صرفنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا )
فى الآية 82 يذكر سبحانه فضله على الناس حين أنزل القرآن الكريم وهنا يتابع ذكره لهذا الشرف والفضل وأن الله لو شاء أن يمنعه عن عباده لفعل ذلك ولا أحد يقدر على أن يعيده ويبقى عليه ، ولكن الله فضله على عباده كبيرا فى استمرار نزول القرآن للعباد رحمة بهم من ربهم .
ويقول لو أن اجتمع الإنس والجن على أن يقولوا ولو آية واحدة مثل القرآن بشرفها وفائدتها للناس وإعجازها معنى وقولا وأثرا ما استطاعوا ولو تعاونوا جميعا على ذلك وقد أوضح الله للناس فى القرآن الحجج والحق والدلائل ولكن كثير من الناس يظل على جحوده وظلمه وتجاهله .
الآيات 90 ـ 93
( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا )
سأل كفار مكة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفجر لهم عين ماء جارية حتى يؤمنوا له . وسألوه أن تكون له بدلا من جبال مكة جنة مملوءة بالنخيل والأعناب تجرى فيها الأنهار بلا انقطاع فى مكة الصحراء . أو أن السماء تنشق وتتدلى أطرافها وتسقط قطعا ( كسفا ) على الأرض كما وعدهم بما يحدث يوم القيامة . أو أن يروا الله والملائكة كما حدثهم بما يكون يوم القيامة . أو أن يكون له قصر من الزخارف واللآلئ والذهب ، أو أن يصعد إلى السماء على سلم وتراه أعينهم . وأن ينزل صحيفة لكل واحد منهم باسمه فيها هذا كتاب من الله لفلان بن فلان وتصبح موضوعة عند رأسه يقرأها بنفسه .
سبحان الله وتنزه عن أن يشترط أحد عليه فى أمر من أمور سلطانه فقل لهم يامحمد أنك بشر مثلهم ورسول من الله يبلغهم رسالات الله إليهم تفضلا من الله .