قال الحسن ( ماتشاور قوم قط إلا هُدوا لأ رشد أمورهم )) وكلمة ( الشورى) ومشتقاتها كلفظية قرآنية ذكرت في القرآن في ثلاث أيآت ، وكاسم لسورة (الشورى) مرة ، أما الأيات فكانت آيات ( آل عمران و(الشورى ) السابقتين،والمرة الثالثة ذكرت في أية تنظم موضوعا من موضوعات البيت ، يقول تعالى : ((فإن أرادا فضلاً عن تراضِ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما )) [ البقرة : 233 ] وهذه الأية تبين حكم المرأة المطلقة وإرضاعها ولدها والرغبة في فصاله – فطامه - ، يقول إبن كثير : (( فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الأخر ، لايكفي ولايجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشورة الأخر وهذا فيه احتياط للطفل وإلزام للنظر في أمره ، وهو من رحمة الله بعباده )). فإذا كان هذا هو حق المطلقة في الشورى والتراضي والتفاهم على ما فيه مصلحة للطفل ، فأولى أن يكون حق الزوجية القائمه في البيت على رعاية جميع الشئون ، إذا كان هذا هو الحق والزوجان متباعدان متباغضان ، فأولى بهما وهما متقاربان متحابان مشتركان في تحقيق المصلحة . ويبدو أن موضوع استشارة الرجل زوجته او حتى سماع رأيها في شئونه الخاصه والعامة كان أمرا مستنكراً ومرفوضاً في الجاهلية قبل الإسلام . فعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : (( ... وكنا معشر قريش نغلب النساء ،فلما قدمنا على الأنصار إذا قومهم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار ، فصخبت على امرأتي ، فراجعتني ، فأنكرت أن تُراجعني ، قالت : ولم تنكر أن أراجعكَ ؟! فوالله إن أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم – ليراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل )) . ومبادرة امرأه عمر هنا رغم إنكار زوجها عليها تدل على أن هذا الأساس جاء به الإسلام ، ولذلك فقد أقامت عليه الحجة بعرض حال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع أزواجه ، والمراجعة هنا أمر أكبر من الشورى. وقد يكون في إسلوب الشورى مايغضب ، فلا يحق لنا أن نغضب من الشورى من حيث المبدأ ، ولكن من موضوعها و أسلوب أدائها . هكذا فإن زوجة عمر أرادت أن تساله عن شأن من شأنه لتبدأ حواراً زوجياً يشبع عندها هذه الحاجة فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه – يستنكر ذلك عليها ، ويتعجب من زوجته أنها تتدخل في شأن من شئونه ...فإذا بها تفاجئه بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- مصدر الوحي والتنظيم لجميع شئون الحياة تراجعه زوجاته وتأخذ معه وترد في كثير من الأمور وهكذا مع انبضاط المجتمع المسلم مع أوامر الوحي نجده ينضبط في هذا المجال ايضاً. نماذج للشورى في الأسرة المسلمة في عصر القدوة : وقد كان الرجل يطلب المشورة من زوجته فهذا أبو طلحة –رضي الله عنه- يريد أن يدعو رسول الله –صلى الله عليه وسلم – على طعام وليس في بيته شيء ، فيعرض الأمر على زوجته مستشيراً مستنصحاً ، فقال أبو طلحة : (( يـا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت : الله ورسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأبو طلحة معه فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : (( هلمي يا أم سليم ماعندك )) ، فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا،، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا،، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا،، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا ً)). عن أنس بن مالك قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها ، فقال حتى استأمر أمها فقال النبي : فنعم إذن قال : فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر لها .... وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث – قد أقر الرجل على استئمار زوجته في نكاح ابنته ، رغم أن الخطبة كانت بطلب وأمر منه –صلى الله عليه وسلم- فهذا الغقرار يفيد بجانب الجواز الحث والاستحباب. وكانت المرأة تطلب المشورة من زوجها : فعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي ؟ قال : أو فعلت ؟ قالت : نعم قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )) وقوله صلى الله عليه وسلم – إما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )) يُفهم منه أنها لو استشارته –صلى الله عليه وسلم –لأشار عليها بما هو أعظم لأجرها ، ونحسب ان فيه لفتة كريمة لفضل مشورة المرأة زوجها. وهذه أم سلمة تستشير النبي صلى الله عليه وسلم – ( زوجها ) في فعل الخير والمعروف : فعن عبدالله بن كعب بن مالك عن أبيه قال : سمعت أبي كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم يحدث أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط غير غزوتين غزوة العسرة وغزوة بدر قال فأجمعت صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وكان قلما يقدم من سفر سافره إلا ضحى وكان يبدأ بالمسجد فيركع ركعتين ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا فاجتنب الناس كلامنا فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي ولا يسلم علي فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الآخر من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل إليه فأبشره قال إذا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة)) هكذا – رضي الله عنها – استشارت زوجها فنصحها أن تؤجل هذا الأمر إلى الصباح حتى يستريحوا بالنوم في الليل . بل كانت المرأة تبادر بإعطاء المشورة لزوجها : وأشهر هذه المواقف موقف أم سلمة يوم الحديبية الذي كان خير وبركة على الأمة ، فعن المسور بن مخزمة ومروان قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((قوموا فانحروا ثم احلقوا ، قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يانبي الله ، أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لاتكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك ،فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً )) مشورة النبي صلى الله عليه وسلم – زوجاته في طلاقهن : وهذا من أعجب المواقف ، أن يستشير الزوج زوجاته عندما يحدث خلاف بينهما ، وإن كان هذا الأمر قد ورد على سبيل الأمر من الله تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم – في تخير زواجاته بين البقاء معه على ما اختاره لنفسه ولاهل بيته من معيشة الكفاف ، وبين أن يطلقهن ، حيث لن يستطيع أن يوفر لهن مايطلبنه من توسيع المعيشه ، إلا أن هذا يعلي من أمر الشورى ، حيث جاءت بتوجيه من الله. والنبي –صلى الله عليه وسلم- لم يختر هذه المعيشة عن عجز عن حياة المتاع لنفسه ، فقد عاش حتى فُتحت له الأرض ، وكثرت مغانمها ، وعم فيؤها ، واغتنى من لم يكن له مال ، ومع هذا فقد كان الشهر يمضي ولا توقد في بيوته – صلى الله عليه وسلم – نار مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا. كان ذلك اختياراً للاستعلاء على متاع الدنيا ، ورغبة خالصة فيما عند الله ، ورغبة الذي يملك ولكنه يعف ويستعلي ويختار. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم – مكلفاً من شريعته أن يعيش مثل هذه المعيشة التي أخذ بها نفسه واهل بيته ، فلم تكن الطيبات محرمة في شريعته ، ولم يحرمها على نفسه حين كانت تُقدم إليه عفواً بلا تكلف ، وتحصل بين يديه مصادفة واتفاقاً ، لاجريا وراءها ولاتشهياً لها ، ولا انغماساً فيها ولا انشغالاً بها ، ولم يكلف أمته كذلك أن تعيش عيشته التي اختارها لنفسه ، إلا أن يختارها من يريد ، إستعلاء على اللذائذ والمتاع ، وانطلاقاً من ثقلها إلى حيث الحرية التامة من رغبات النفس وميولها ولكن نساء النبي –صلى الله عليه وسلم – كن نساء من البشر ، لهن مشاعر البشر ، وعلى فضلهن وكرامتهن وقربهن من ينابيع النبوة الكريمة ، فإن الرغبة الطبيعية في متاع الدنيا ظلت حية في نفوسهن ، فلما أن رأين السعة و الرخاء-بعدما أفاض الله على رسوله وعلى المؤمنين – راجعن النبي صلى الله عليه وسلم- في أمر النفقة ، فلم يستقبل هذه المراجعة بالترحيب ، إنما استقبلها بالأسى وعدم الرضا ، إذ كانت نفسه صلى الله عليه وسلم – ترغب أن تعيش فيما اختاروه لها من طلاقة وارتفاع ورضا ، متجردة من الانشغال بمثل ذلك الأمر والاحتفال به أدني احتفال ، وان تظل حياته وحياة من يلوذون به على ذلك الأفق السامي الوضيء المبرأ من كل ظل لهذه الدنيا وشوائبها ، لا بوصفه حلالا أو حراماً صلى الله عليه وسلم – فقد تبين الحلال والحرام ، ولكن من ناحية التحرر والانطلاق والفكاك من هواتف هذه الأرض الرخيصة ولقد بلغ الأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم – من مطالبة نسائه له بالنفقة أن احتجب عن أصحابه ، وكان احتجابه عنهم أمراً صعباً عليهم يهون كل شيءٍ دونه ، حتى جاءوا ليدخلوا عليه فلم يؤذن لهم فعن جابر قال أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبيّ صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت بنت زيد امرأة عمر فسألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال: «هُنَّ حَوْلِي كَما تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ» فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده وأنزل الله عزوجل- قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)) [ الأحزاب 28-29] ، فبدأ صلى الله عليه وسلم – بعائشة فقال : ((إني أريد أن أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تسـتأمري أبويك قالت : ما هو ؟ قال فتلا عليها يا أيـهـا النبي ق لا زواجك .. الآية قالت عائشة:أفيك أستأمر أبوي بل أختار الله ورسوله وأسألك أن لا تذكر لا امرأة من نسائك ما اخترت فقال:إن الله عز وجل لم يبعثن معنفا و لكن بعثني معلما ميسرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها )) فنزل القرآن ليقرر أصل القضية ، فليست المسألة أن يكون عنده أو لا يكون ، إنما المسألة هي اختيار الله ورسوله والدار الآخرة كلية ، أو اختيار الزينة والمتاع ، سواء كانت خزائن الأرض كلها تحت أيديهن ، أو كانت بيوتهن خاوية من الزاد ، وقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة اختيارا مطلقاً بعد هذا التخيير الحاسم ، وكن حيث تؤهلن مكانتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ، وفي ذلك الأفق العالي الكريم اللائق بيت الرسول العظيم ، وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم – فرح بهذا الاختيار وهكذا يقوم البيت على الشورى وعلى الاختيار الحر للحياة ، وأن لكل طرف من أطرافه الحق في إبداء رأيه وفي الاختيار ، ولا يحق لأحد أن يصادر هذا الحق أو أن يمنعه عن صاحبه . وهكذا تكون الشورى أساساً من أسس العشرة بالمعروف في البيتالمسلم فإذا استقر هذا الأساس واستوعبه الزوجان فإنه مصدر وافر لتواصل الحوار بينهما وإشباع تلك العاطفة التي تصب في بنك الحب وحدات ووحدات من وحدات القلب .