لاشك أن الأسرة هي النواة الأولى واللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي وبناء الحياة الإسلامية، الأسرة هي أساس المجتمع وفي ظلال الأسرة يتربى الفرد الصالح وتنمو المشاعر الصالحة، مشاعر الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة ويتعلم الناس التعاون على الخير وعلى البر في ظل الأسرة، ولذلك أول أساس بنى عليه الإسلامالأسرة يبدأ بحسن الاختيار، كيف يختار الرجل الزوجة الصالحة وكيف تختار المرأة وأولياؤها معها الزوج الصالح، أول أساس هو هذا، الناس يخطئون حين يسيئون الاختيار، فالرجل حينما يريد أن يتزوج يبحث مثلاً عن المال أو عن النسب أو عن الحسب، لا مانع أن يبحث عن هذا، إنما ينبغي أن يكون نصب عينيه الدين والصلاح، ولذلك جاء في الحديث الصحيح"الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" وجاء "تُنكح المرأة لأربع لحسبها ولمالها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" صحيح أن الواحد ممكن أن يبحث عن الجمال وعن المال والحسب والنسب، إنما اظفر بذات الدين هذه هي الكنـز العظيم، هذا أول ما ينبغي للمرء أن يبحث عنه المرأة الصالحة، وخصوصاً أن هذه المرأة ستورِّث أبناءها منها، بحكم الوراثة وبحكم البيئة والتربية، ولذلك جاء في الحديث الآخر "تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس" أو إن "العرق نزَّاع"وفي الشعر العربي يقول الأب لأولاده: لماجدة الأعراق بادٍ عفافها وأول إحساني إليكم تخيُّري
فهو يقول لهم أنني أول شيء أحسنت إليكم به أنني اخترت لكم أماً صالحة، هذا عمل عظيم، أول ما يمن به الإنسان على أولاده أنا اخترت لكم الأم، فهذه من ناحية الرجل كيف يختار الزوجة الصالحة التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر وتحفظه إذا غاب (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) فهناك امرأة تكون نعمة وأخرى تكون مصيبة ونقمة، إذا دخلت عليها سبَّتك، وإذا غبت عنها خانتك والعياذ بالله فهذا أول شيء، ومن ناحية المرأة يجب أن تختار أيضاً الرجل الصالح والزوج الصالح وكذلك أوليائها معها يشاركونها في هذا الأمر، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" زوِّجوا الرجل ذا الدين، وكما قال بعض السلف "إذا زوَّجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها" حتى في حالة البغض لا يظلمها لأنه يخاف الله، والذي يخاف الله لا تخشى منه، فزوِّجها ذا دين، ولذلك قال الشعبي وهو من أئمة التابعين: "من زوَّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها". فهذا أول أساس من الأسس التي تقوم عليها الأسرة المسلمة، أن يحسن الإنسان الاختيار وبعد ذلك ينبغي أن تبدأ الحياة الأسرية بالتيسير لا بالتعسير، الناس يعسِّرون ما يسَّر الله عز وجل، ويصعِّبون ما سهَّله الشرع، ويعقِّدون الأمر البسيط، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أكثرهن بركة أيسرهن مهراً" ونحن نغالي في المهور ونغالي في الولائم ونغالي في التأثيث، ونعسِّر على أنفسنا، فيترتب على ذلك أن يصبح الزواج عبئاً لا يقدر عليه إلا أصحاب الأموال، والشاب العادي الذي يبدأ سلم الحياة من جديد لا يقدر على هذا، مَن الذي ألزم الناس بهذا؟ الناس ألزموا أنفسهم ما لا يلزمهم الله به، كان الزواج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة وفي عهد السلف أمراً سهلاً، الآن لم يعد أمراً سهلاً، النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج فاطمة رضي الله عنها أحب بناته إليه زوَّجها من عليّ بن أبي طالب ماذا أمهرها عليّ؟ ماذا دفع مهراً لها؟، دفع لها درعاً، درعه وكان اسمه درع الحطمية، بالله عليك ماذا تفعل المرأة بالدرع هل تحارب به؟ إنما هي شيء رمزي، وماذا كان جهاز فاطمة وأثاثها كان أشياء بسيطة، رحى وأشياء أخرى بسيطة، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فالمهر يجب أن يكون سهلاً، والوليمة تكون على حسب قدرة الشخص، الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: "أولم لو بشاة" لأن عبد الرحمن بن عوف تاجر وربنا فتح عليه، إنما لو واحد لا يستطيع أن يذبح شاة فليذبح بطة أو دجاجة أو يشتري كم رطل لحمة، فنحن الآن نبدأ الحياة الزوجية بأن الإنسان لا يقدر على هذه الأشياء فيستدين، فيدخل الحياة الزوجية وهو مدين والدين هم بالليل ومذلة بالنهار، لماذا نرهق أنفسنا والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، ثم من ناحية أخرى ينبغي أن تبدأ الحياة الزوجية بتبادل الحقوق والواجبات، الحياة الزوجية حقوق متبادلة وواجبات متبادلة على كل من الزوج والزوجة.