يقول أحد الأزواج: بعد 8 سنوات من الزواج اكتشفت أن زوجتي تتلصص على أوراقي ومستنداتي, وفي أحد النزاعات طالبتني بأن أسجل أرضًا اشتريتها باسمها حتى لا يكون لأهلي من بعدي فيها نصيب, لأن ذريتي كلها بنات، فأدركت أنها تقرأ أوراقي ومستنداتي، وصرت أحتفظ بها في المكتب, المشكلة أنني فقدت الشعور بالثقة والسكن الذي كان من قبل, وما زال بداخلي صدمة لكنني كتمت الأمر ولم أخبر به الآخرين.
وقالت زوجة:
أنا امرأة عاملة, انشغلت بتربية الأبناء والبيت والطلبات, تنبهت لزوجي وقد تغير، بحثت وعرفت أن السبب هو السكرتيرة, فهي صغيرة وتراه رجلًا له وضع اجتماعي، تريد أن تبدأ السلم من حيث انتهيت أنا بعد كفاح, زدت من اهتمامي به, أقنعته بأن يتزوج بامرأة أخرى متدينة؟ وذلك في هدوء وصبر بتلميحات فقط، لكن الثقة اهتزت بلا شك.
أخي/ أختي الزوجة المسلمة:
لا يختلف اثنان أن الثقة أمر هام في الحياة الزوجية حتى يستطيعا العيش بسعادة وهناء, لأن من بديهات الحياة الزوجية السعيدة أنه لا تقوم حياة على الشك، ولا تستمر حياة مع الشك. (والثقة لا بد أن تكون متبادلة ومطلقة, لا تشوبها شائبة, وكل ذرة شك ينهار أمامها ذرة حب, يختل التماسك, يبدأ الهرم في الانهيار كثيرون لا يدركون هذه الحقيقة الخطيرة، إن أعظم هرم يمكن أن ينهار تدريجيًا هرم الثقة، تسقط ذرة يتبعها ذرة أخرى وهكذا، حتى يأتي مباح فلا تجد له أثرًا، هكذا يضيع الحب، وينهار الزواج, وهو ضياع لا نهائي, وانهيار لا رجعة فيه. قد تتصور الزوجة مخطئة أنها بتحريك شكوك زوجها ستحرك عواطفه، وتجعله أكثر تشبثًا بها, ولعله يعرف قيمتها. (وكذلك قد يلعب الرجل هذه اللعبة السخيفة فتبدي الزوجة غيرتها, وتبدي اهتمامًا بزوجها. ولكن ثمة شك انزرع في داخلها, وأوهام انغرست في عقلها، ومرارة علقت بعواطفها .....وكذلك الزوج، قد يبدي غيرته الفعلية ويبدي اهتمامًا بزوجته.... ولكن يذهب من قلبه – ربما للأبد – براءة الحب وطهارة العلاقة. وهكذا ينام الزوجان على فراش من شوك ويمشيان على أرض من نار, ويتنفسان هواء مسمومًا) [متاعب الزواج، د/ عادل صادق، ص273-275، بتصرف].
الثقة البعيدة:
لا تقتصر الثقة في شريك الحياة على هذا الأمر فقط، بل تتعداه إلى الثقة في قدراته، ومواقفه وقراراته، وتصرفاته وكلماته, ومن ثم تشجيعه على التصرف في كثير من أمور الأسرة واتخاذ القرارات فيها، حتى إذا غاب هذا الطرف في المنزل عرف الطرف الآخر كيف يتصرف في أمور الأسرة. والعكس تمامًا إذا لم يكن هناك ثقة في قدرات وقرارات وتصرفات الطرف الآخر, فالطرف المتضرر من هذا سيتخذ كل التدابير لتصريف الأمور بشكل صحيح وبدون خسائر وخصوصًا الخسائر المادية. وأعرف قصة زوج عنده سفه في التصرف في الأمور المادية, ولا يخطط لحياة الأسرة وكل عام يخرج لهم بمصيبة، مرة سقط مني 500 دولار، ومرة سُرقت, ومرة يخسر في مشروع الآلاف, ومرة يشتري سيارة جديدة وبعد شهور يبيعها وهكذا، حتى فقدت الزوجة الثقة في تصرفاته وقراراته تمامًا، وأصبحت تفكر ليل نهار كيف تحقق الأمان لهذه الأسرة بعيدًا عن تصرفاته السفيهة.
الثقة = الأمن:
إذا توفرت الثقة بين الزوجين, فإن ذلك يكفي بالنسبة إليهما تحقيق الأمن والأمان في الحياة الزوجية، وخاصة الثقة في الزوج في قراراته وتصرفاته وحكمته لأنه هو ربان السفينة والقائد للحياة الزوجية, فإن الشعور العام في الأسرة سيكون الشعور بالأمان والأمن (وهو من الحاجات النفسية الضرورية، لكي يسعد الإنسان في حياته وينعم، ولو تخيلنا أن إنسانًا يملك العقار والدينار والطعام, وبينه وبين هذه الملذات أسد جائع فاغرًا فاه ينتظر قدومه، فهل يهنأ هذا الإنسان بهذه النعم, أم يكون تفكيره في الأسد وكيفية النجاة منه؟ لا شك أن الأمن إن فُقد فإن الإنسان لا يهنأ بعيش أبدًا، وهذا ما يحدث لأحد الطرفين في الحياة الزوجية، إذا لم يتوفر له الأمن النفسي من الطرف الآخر حتى لو أغدق عليه المال والعقار، فإنه يبقى محتاجًا إلى الاهتمام به ليشعر أنه آمن، يبقى محتاجًا إلى اللمسة الحانية, وإلى النظرة الرحيمة, وإلى مشاركته في الأحزان والأفراح, ويبقى محتاجًا إلى الجلوس معه والحديث إليه عن الأحلام والأماني المشتركة, حينها يشعر أن الطرف الآخر مهتم به ويقدره ويحترمه....ولهذا لا بد أن يُسمع الزوج زوجته بعض الكلمات التي تشعرها بالأمان في حياتها معه, وكذلك الزوجة تسمع زوجها بعض الكلمات التي يشعر الزوج بعد سماعها بأنها تحافظ عليه وعلى أبنائه وأمواله وبيته فيطمئن ويستقر) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية, جاسم محمد المطوع, ص5 بتصرف]. وتأثير الفعل بالطبع أوقع من الكلام, فإذا وجد الزوجان الأفعال التي تدل على توفير الأمن والأمان لحياتهما الزوجية، فإن تمسُّك كل منهما بالآخر يزيد، ويزيد الحب بينهما يومًا بعد يوم. أما إذا لم يتوافر الشعور بالأمان لدى كلا الزوجين فإن الولاء للمؤسسة الزوجية سينتهي حتمًا، وذلك لعدم شعور أحدهما بالأمان تجاه الآخر والاطمئنان لتصرفاته. ومن علامات الأمان أن يبث كل من الزوجين همومه للآخر ويتحدث كل منهما عن طموحه وأحلامه, ويردد بين حين وآخر أنه بحاجة للطرف الآخر, وأنه يشكر الله تعالى أن جمع بينهما في علاقتهما الزوجية وهذا من الإشعار بالأمان في القول. فدفاع كل واحد منهما عن الآخر عن ماله واسمه وسمعته وعمله, بل وحتى عن عيوبه وأخطائه, هذا مما يزيد شعورهما بالارتياح وتحقيق الأمن. ولعل حاجة المرأة للشعور بالأمان أكثر منها بالنسبة للرجل, ولهذا نقول للزوج: كن صريحًا معها وأخبرها عن حبك وعن حاجتك لها. أعط زوجتك الأمان تعطيك هي الحب والهتمام. واعلم أن المرأة عندما لا تشعر بالأمن "فإن خيارها الوحيد أن تتفادى مشاعر الحب...وأن تقوم بتخدير تلك المشاعر عن طريق بعض السلوكيات الإدمانية مثل: الإفراط في الأكل, والإفراط في العمل، أو ربما الإفراط في الرعاية. الموضوع الأصلى من هنا: منتديات عالم المرأة http://www.movieszoom.net/f59-montadat258798.html#post3286336 ولكن حتى مع هذه السلوكيات الإدمانية, فإنها تسقط في بئر من مشاعر الإحباط التي لا يمكن التحكم فيها بسهولة) [الرجال من المريخ النساء من الزهرة، د. جون جراي, ص169 بتصرف].
إشباع الحاجات العاطفية:
من الحاجات العاطفية التي يحتاجها الرجل والمرأة الثقة والرعاية: (عندما تثق المرأة في قدرة زوجها، فإنه يصبح أكثر رغبة في رعايتها وخدمتها, وكذلك عندما يقوم الرجل برعاية زوجته فإنها تصبح أكثر قدرة على الثقة العميقة به وبإمكاناته) [حتى يبقى الحب, د/ محمد محمد بدري ص48]. أن تثق المرأة بالرجل يعني أنها تؤمن بأنه يفعل ما بوسعه، وأنه يريد الأفضل لزوجته فهو يجتهد، وهي تثق باجتهاده. وأن يرعى الرجل المرأة يعني بالنسبة لها أن يظهر اهتمامًا تجاه مشاعرها وأحاسيسها, (والرجل إذا أظهر ذلك أحست المرأة أنه يهتم بها, وبالتالي فهو يحبها, وهي ـ الزوجة ـ تثق به....تثق باجتهاداته وقدراته ونواياه، فيكون رد فعل الزوج أن يحبها) [المصدر السابق ص104]. إن من المهم جدًا أن تعمل الزوجة على تعزيز إيمان زوجها بقدراته الخاصة لئلا يفقد هذا الإيمان, فتكرر على مسامع زوجها عبارات مثل:
ـ أنا أعلم أنك قادر على فعل ذلك. ـ ثقتي بك كبيرة. ـ أنا أثق بقدرتك فأنت طالما اجتزت مثل ذلك بنجاح. ـ أنا أعلم أنك قادر على اجتياز ما هو أصعب من ذلك. ـ كل شيء سيسير نحو الأفضل. ـ سترى ـ إن شاء الله ـ كيف ستنجح في فعل ذلك بمنتهى البساطة, لقد نجحت في كذا وكذا قبل ذلك. ـ تذكر أحلامنا المشتركة, وأهدافنا النبيلة.
الأمان أولوية المرأة:
تحتاج المرأة أن تسمع منك أنها (أهم امرأة بالنسبة لك, أنها أول أولوياتك, أنك فخور بها, أنك لا تستطيع أن تتحمل فراقها, أنه لا يوجد امرأة في العالم مثلها, وأنك تحبها وتخبرها بذلك دائمًا. إن هذه الأشياء تشعرها بالأمان, والأمان من أولويات المرأة ... وبما أنك القائد فعليك أن توفر لها الأمان, لذا فإن الزوج العاقل لا يزعزع أمان زوجته بالتهديد بالزواج حتى ولو أراد ذلك, أو بالانفصال، أو حب غيرها, والأمان عند الكثيرات من النساء أنك ستبقى لها وبجانبها. ومن سيكولوجية المرأة الغيرة المرتفعة، تجنب أن تقارن زوجتك بامرأة أخرى ولو كانت أمك أو زوجتك السابقة أو سيدة معروفة أو غيرهن, فالمقارنة والتفضيل سبب رئيسي للإزعاج عند الكثيرات) [كيف تكسب محبوبتك, د/ صلاح صالح الراشد، ص43-44 باختصار].
كيف نبني الثقة؟
ويكون الشعور بالثقة بين الأزواج عندما: 1. لا يخفي أحدهما عن الآخر شيئًا من أموره، ويحاول الأخذ بأراء الطرف الثاني ومناقشته. 2. عندما يتجنب الزوجان المشاحنات ويتناقشان بهدوء. 3. الاهتمامات المشتركة بين الزوجين تزيد من الثقة بينهما. 4. المصارحة, فالصراحة بين الزوجين تؤدي إلى الثقة بينهما. 5. عدم الكذب واللف والدوران فالصدق هو أساس الثقة. 6. اهتمام كل طرف بمشاعر الطرف الآخر. وتذكر أخي/ أختي الزوجة أن الثقة لا تعني الغفلة، ولكنها تعني الاطمئنان الواعي, وأساسه الحب الصادق والاحترام العميق. وبناء الثقة مسئولية مشتركة بين الزوجين، والمصارحة تدفع إلى مزيد من الثقة بين الزوجين، أما الكذب إنه يدمر الحياة الزوجية.
وتأمل معي أختي/ أخي القارئ عاطفة الحب وقمة الثقة بين خديجة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم حتى بعد موتها, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء, قالت فغِرت يومًا، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشوقين, قد أبدلك الله خيرًا منها, قال صلى الله عليه وسلم: (ما أبدلني الله خيرًا منها, قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس, وواستني بمالها إذ حرمني الناس, ورزقني الله ولدها، إذ حرمني أولاد النساء) [رواه أحمد وهو صحيح].
ماذا بعد الكلام؟
1. كن/ كوني صريحة واضحة مع الطرف الآخر. 2. امنحي زوجك الثقة, وامنح زوجتك الرعاية والشعور بالأمان. 3. لا تهدد زوجتك بالزواج الثاني أو الطلاق لأن هذا يفقدها الثقة بك. 4. أحسن/ أحسني التصرف في اتخاذ القرار والأمور المادية, وفي المواقف وحتى في اختيار الكلمات لتحوز ثقة الطرف الآخر.