يا فرحة ما تمت ، ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، أريد أن أنتقم منه،لقد ضحك علي وسرق مني أعز ما أملك، إنها عذريتي، أنني أفكر بالانتحار،لا أدري هل أخبر أهلي بما حصل أم لا؟! الحل الوحيد أن لا أوافق على الزواج بعد اليوم لئلا ينكشف سري ويفتضح أمري، هل إذا ذهبت الى طبيبة النساء لإجراء عملية لترقيع ما تمزق يعتبر غشا لمن سيكون زوجي في المستقبل؟!
هذه العبارات وغيرها كتبت بدم القلب، وبدموع العين، أو سمعت عبر الهاتف من صوت تخنقه العبرات وتقطعه الزفرات وتغلب عليه الآهات.
إنها كتابات ومحادثات من ذهبت سكرتهن وجاءت فكرتهن من الفتيات اللائي يلقين بأنفسهن في مهاوي الردى عبر عدم الالتزام بضوابط الشرع وحدود الدين فينفتحن في العلاقة والجلسات بينهن وبين خاطبيهن ليصل الأمر بعد ذلك للوقوع فيما حرم الله سبحانه، ثم لا تطول المدة واذا بالظروف تتغير وبأحداث تطرأ واذا بالخطبة تفسخ اما بسببها أو بسبب خطيبها أو بسبب علاقة أهلهما ببعضهم البعض حيث سوء التفاهم وانعدام المودة يقود الى الالتزام بفسخ [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط] أو فض العقد.
وعند ذلك تكون الصدمة الكبرى، وتتبدد [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط] وتتكشف الأوهام وتعيش فتاتنا في طوفان من الكوابيس تتجاذبها فمنهن من تتصرف بطريقة خاطئة ، ومنهن من تعرض قضيتها على مجلات وصحف وعناوين تظن أنها ستجد عندها الحلول المناسبة تعنون رسالتها مرة باسم (الوردة الذابلة) ومرة باسم( مكسورة الجناح) ومرة باسم ( المعذبة من بلاد الله الواسعة) ومرة باسم ( العصفورة الحزينة) وتجهل أن قصتها هذه ستكون مادة إثارة وجذب لتسويق وبيع تلك المجلة أو الصحيفة، حيث لن تجد الحل لأن نفس تلك المجلات والصحف هي التي شجعتها وزينت لها مفاهيم الحرية والاختلاط والسخرية من الضوابط الشرعية والمفاهيم الدينية ومكارم العادات والتقاليد. ومنهن من يحالفهن الحظ أو يكرمها الله بمن تشير عليها بطلب النصيحة من صاحب علم وخلق ودين يصدقها النصيحة.
ما أكثر من وقفن بين أيدينا يحدثننا ويستنصحننا، وما أكثر من لم تسعفهن الشجاعة ليسألن وجها لوجه واختبأن خلف سماعة الهاتف يبثثن همومهن وأحزانهن يطلبن النصيحة والخلاص من حيرتهن لا بل ومن مصيبتهن التي وقعن بها.
إنهم الشباب والفتيات الذين يرتبطون بخطبة تطول أو تقصر وبين هذه وتلك وتهاون بالضوابط الشرعية أو تجاهل لها،وتحت تبرير زيادة التعارف بينهما وإذا بهما يسافران لوحدهما لنزهة أو لوجبة في مطعم أو ليوصلها الى الجامعة أو مكان العمل أو ليرجع بها ، أو أنه الذي يجالسها في بيت أهلها بخلوة تامة، ومع زيادة الألفة وغياب معاني الحلال والحرام وثورة الغريزة والشهوة وتحت تبريرات أن هذه علامة الحب ومقدمات الزواج الحقيقي وأننا أولا وأخيرا لبعضنا البعض، ومرة بعد مرة وحاجزا بعد حاجز وإذ بهما يقعان في المحظور صغيره وكبيره.
وتدور الأيام وتتغير الظروف وتتباين الأسباب وتختلط الأوراق وإذا بالقرار الصاعقة : فسخ الخطوبة، فسخ العقد والطلاق قبل الدخول، ماذا تفعل وماذا تقول وبمن تستنجد؟! هل تصرخ بأعلى صوتها تقول الحقيقة ؟!إنها الفضيحة!! هل تتركه هكذا يذهب يبحث عن غيرها وتجلس هي تكتم سرها وتندب حظها تتجاذبها الهواجس، هل تخبر أهلها؟! هل تنتحر؟!
وعليه فما معنى الخطبة وكيف تتم ، وما هي حقوق الخاطب وماذا يحق له أن يرى في مخطوبته، وما هي حدود العلاقة بينهما؟
يقول الاستاذ خالد عبد العال في كتابه ( فن صناعة الحب ومعاملة الرجال)ص28:" فالخطبة هي أولى خطوات الزواج، ولكن يجب أن تعلمي أولا أنها ليست الا وعدا بالزواج، فهي ليست عقدا يصير للخاطب به أن يجلس اليك ويتسامر معك ويرى منك ما يرى الزوج والأهل والمحارم ... لا.. بل هي وعد بأن يتزوجك، وربما عنّ له أن يتخلى عن هذا الوعد في أي وقت من الأوقات ولذلك وجب الحيطة والحذر وأن لا تكون هناك تنازلات أو تهاون من قبلك أو تمادٍ في العلاقة بين الخاطب والمخطوبة".
وإن من حق الشاب والفتاة أن يطمئن الى أنه قد أحسن الاختيار بمن يريدها أو تريده زوجا لها وذلك عبر النظر اليها والاطمئنان الى مظهرها وكذلك الجلوس معها ومحادثتها عبر وجود محارمها الشرعيين ، فقد جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأخبره بأنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" انظر اليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم :" إذا خطب أحدكم المرأة -أي عزم خطبتها- فإن استطاع أن ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل" وليس هذا للشاب بل هو للفتاة كذلك حيث من حقها أن ترى من الشاب ما يرغبها في نكاحه.
" والإسلام إنما شرع هذه الرؤية وهذا النظر ليبصر كل من الرجل والمرأة ما في الآخر من ميزات وعيوب وما يستطيع أن يتقبله كل منهما فيمن سيكون شريكه في الحياة حتى لا ينهدم البناء بعد تمامه وتتشقق العلاقات وتتصدع الزوجية ويكون الانفصال بسلبياته النفسية والاجتماعية من نصيب الطرفين". ورأي جمهور علماء المسلمين بجواز النظر الى وجهها وكفيها فقط وليس غير ذلك ،فإذا ما تمت الخطبة فليس للخاطب شيء حتى يتم العقد فهو كالأجنبي عن المرأة تماما لا يرى منها شيئا ولا يخرج معها ولا يجالسها بخلوة.
* يقول الأستاذ حسين محمد يوسف في كتابه ( اختيار الزوجين في الإسلام) :" إن قبول الخطبة لا معنى له أكثر من أنه اتفاق أو مواعدة بين الطرفين على اتمام عقد الزواج متى توافرت أسبابه وتيسرت ظروفه وتحققت شروطه والمفروض شرعا أن الاتفاق ملزم للطرفين وأن المواعدة واجبة الوفاء بل إنها بالنسبة لأهل التقوى كل شيء، ولا يقلل من قيمتها افتقادها للشكل القانوني. ولكن الاحتياط في هذا الزمان أوجب وألزم ، فقد تغيرت المقاييس وتبدلت العادات والتقاليد واختلط الحق بالباطل والحابل بالنابل وترتب على ذلك الكثير من الفتن والمآسي وأصبح من الضروري لمن يحرص على سلامة دينه وعرضه أن يتقي الشبهات وأن يأخذ بالعزائم، ومن ثم فإن قبول الخطبة أو إعلانها والاحتفال بها لا يجب أن يغير من وضع الخطيبين شيئا ولا يصح أن يستحل به ما حرم الله ، أو أن يحرم به ما أحل الله ولا يترتب عليه للرجل أي حرمة أو سلطان ولا تستحق به المرأة أي نفقة أو إلزام لأنه ما زال بالنسبة لها أجنبيا عنها وما زالت بالنسبة له أجنبية عنه ، وقد يستجد من الأمور ما يؤدي الى فسخ الخطبة دون أن يعتبر مخالفة قانونية أو يترتب عليه أية حقوق شرعية.
إن المرأة المسلمة يجب أن تكون في مأمن على دينها وشرفها وعرضها وبعيدة عن مواضع الشبهات ولتعلم أن تماديها في العلاقة مع الخطيب يقلل مكانتها عنده ويجعله يستهين بها، ذلك الى جانب ما هو ممكن الوقوع فيه من المصائب التي نعاينها ونسمع بها في كل وقت".
* وأما فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي فقد أجاب لمن سأله قائلا له :" تقدمت لخطبة فتاة من أهلها فوافقوا وقبلوا وأقمنا لذلك حفلا دعونا فيه الأقارب والأحباء ، وأعلنا الخطبة وقرأنا الفاتحة وضربنا الدفوف ، ألا يعتبر هذا الاتفاق وذلك الإعلان زواجا من الناحية الشرعية يبيح لي الخلوة بخطيبتي لا سيما أن ظروفي حاليا لا تسمح لي بعقد رسمي شرعي يوثقه المأذون ويسجل في دفاتر الحكومة"؟!
فكان جواب الدكتور القرضاوي أطال الله عمره:" الخطبة لغة وعرفا وشرعا شيء غير الزواج ،فهي مقدمة له وتمهيد لحصوله والعرف يميز جيدا بين رجل خاطب ورجل متزوج والشريعة كذلك فرقت بين الأمرين تفريقا واضحا ، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة ، أما الزواج فعقد وثيق وميثاق غليظ له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره ... والخطبة مهما يقم حولها من مظاهر الإعلان فلا تزيد عن كونها تأكيدا وتثبيتا لشأنها ... والخطبة على أية حال لا يترتب عليها أي حق للخاطب إلا حجز المخطوبة بحيث يحظر على غير الخاطب أن يتقدم لخطبتها، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" والمهم في هذا المقام أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب حتى يتم زواجه بها ولا تنتقل المرأة الى دائرة الزوجية إلا بعقد شرعي صحيح والركن الأساسي في العقد هو الإيجاب والقبول وللإيجاب والقبول ألفاظ معهودة معلومة في العرف والشرع وما دام هذا العقد بإيجابه وقبوله لم يتحقق فالزواج لم يحدث أيضا لا عرفا ولا شرعا ولا قانونا وتظل المخطوبة أجنبية عن خاطبها لا يحل له الخلوة بها ولا السفر معها دون وجود أحد محارمها كأبيها أو أخيها.