كتبه/ إيهاب الشريف الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فيقول الله -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25). يخبر الله -تعالى- في هذه الآية أنه أرسل رسله (بِالْبَيِّنَاتِ)، أي: المعجزات والحجج الباهرات والدلائل القاطعات، والتي يتبين ويتضح لكل مَن قرأها وسمعها أنها الحق، وأنها من عند الله -عز وجل-. وهذه البينات تشمل المعجزات التي أيد الله بها أنبياءه ورسله، وتشمل كذلك ما أنزله الله -تعالى- من العقائد الواضحة النيرة، والشرائع المستقيمة العادلة. (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ.. ): وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وإنزال الكتاب؛ لأجل الفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما في قوله -تعالى-: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213). و(الْكِتَابَ): متضمن لما جاء به الأنبياء من البينات في أمور العقائد والعلوم، والتصورات والأفهام، وفيما يتعلق بالأعمال والسلوك، والإرادات والمقاصد. (وَالْمِيزَانَ): هو العدل والحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة، فلما أنزل -سبحانه وتعالى- الميزان المادي المحسوس لتوزن به الأشياء المحسوسة، وجعله بين الناس ليعرف العدل -هذا يساوي هذا، وهذا لا يساويه-، فهو -سبحانه- أنزل الكتاب لتوزن به أفكار الناس وعقائدهم وأعمالهم. ولذا كان "القياس الصحيح" هو مما أنزله الله -تعالى-، وهذه الآية يستدل بها العلماء على حجية القياس، وهو من الأدلة المتفق على الاحتجاج بها عند أهل السنة. وإذا كانت التسوية بين المختلفين والتفرقة بين المتساويين قبيحة في الأمور المحسوسة، وهو من الظلم والعدوان -كما يقع من تطفيف في المكاييل والموازين وغيرها.. فأولى من ذلك ألا يُسوى بين المختلف مِن الأقوال والأعمال، والعقائد والتصورات، فلابد من التفرقة بين الحق والباطل، فنسوي بين ما سوى الشرع، ونفرق بين ما فرق. فالشريعة نزلت ليقوم الناس بالعدل الذي شرعه الله، ولم تنزل ليكون الناس منها في شق، لا دخل لهم بها أو أن يأخذوا منها ما يناسبهم -في ظنهم-، ويردوا الآخر! فلا يجوز أن تُنحى الشريعة عن حياة الناس؛ إذ لا قيام لحياتهم ولا تحقيق للعدل إلا بالقيام بها، والأخذ بما أنزله الله -عز وجل-، كما لا يجوز أن يتحاكم الناس إلى ما يرونه عدلاً دون شرع الله -عز وجل-، ولا عدل ولا قسط إلا في شرع الله -سبحانه-. ولذلك فإذا لم يقم الناس بالكتاب والميزان الذي أنزله الله فإنهم لم يقوموا بالقسط، لم يقوموا بالعدل؛ ولذا يكون الضرر والفساد في المعاش والمعاد. ولكن ما العمل نحو مَن لم يستجب لذلك؟! هل يترك وشأنه؟! ماذا نفعل معه؟! هل يترك لينشر في الناس الظلم والفساد؟! ما موقفنا منه كما قررت هذه الشريعة الحكيمة العادلة؟ الموقف توضحه نفس الآية: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ). يقول ابن كثير -رحمه الله-: "أي وجعلنا الحديد رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه؛ ولهذا أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة تُوحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين وبيان إيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على مَن خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام -الرؤوس- لمن خالف القرآن، وكذب به وعانده؛ ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يعني السلاح: كالسيوف، والحراب، والسنان، والنصال، والدروع.. ونحوها" اهـ. وقال شيخ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] -رحمه الله-: "ودين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن يكون السيف تابعًا للكتاب؛ فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعًا لذلك كان أمر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قائمًا" (مجموع الفتاوى20/393). وقال -رحمه الله-: "فمن عدل عن الكتاب قـُوِّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف" (مجموع الفتاوى28/264). إذن مَن لم يقبل البينات الواضحات، ولم يقبل الكتاب والميزان والعدل الذي شرعه الله كان له الحديد.. نعم لا نكره أحدًا على الإيمان إذ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256)، بل: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف:29)، فلا يجبر في خاصة نفسه على الدخول في هذا الدين وقبوله، ولكن ليس من حقه أن يفرض الكفر والضلال على غيره من الناس؛ فله الحديد؛ ليمنع من فرض ظلمه وطغيانه على الناس؛ ولِتُزال الحواجز بين الناس وبين الحق الذي أنزله الله. يقول -صلى الله عليه وسلم-: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني)، بالجهاد في سبيل الله -تعالى-، والذي مِن مقاصد إزالة الطواغيت التي تحول بين الناس وشرع الله -عز وجل-؛ لإيصال الحق إلى الخلق، ثم يترك لهم الاختيار، ولا يكره أحد منهم على الإسلام. فرض الجهاد لإقامة القسط في الأرض كلها.. لإعلاء كلمة الله -تعالى- على أرضه وبين خلقه؛ فلا تترك بقعة يعلوها كلمة الكفر:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال:39)، أي لا يكون شرك وصد عن سبيل الله -تعالى-، ويكون الإذعان لأحكام الإسلام، ويكون هو العالي على سائر الأديان، مع التأكيد على أن من اختار دينًا غير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في خاصة نفسه فلا يجبر على تركه، إذن لا يقف أبدًا أهل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] موقف المتفرج ممن خالف (الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)؛ لأنهم خير أمة أخرجهم الله -تعالى- لتصحيح أحوال العالم مِن حولهم وفق شرع الله -تعالى-. والحق لابد له من قوة تؤيده.. وإذا كان الحق يبدأ ضعيفًا لِحِكَم يعلمها الله -عز وجل-، لكن لا بد بعد حين مِن تأييده بقوة الحديد، أما الحق الضعيف فالباطل يتغلب عليه، بل ويسعى لمحوه وإزالته. فالبينات والهدى والكتاب لمن يَعقل، وأما من كابر وعاند بعد بيان الحجج فله الحديد؛ فهكذا بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا كان أصحابه من بعده. لا يمكن أبدًا أن تترك الأجيال تتربى على غير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وتُظلم بمنعها من نور الحق.. لا يحق لنا أبدًا أن نترك الفساد والظلم ينتشر في العالم طالما كان في قدرتنا منع ذلك. هذا دين الله وهم خلقه، والأرض أرضه؛ فلابد أن يعلوها شرعه وحكمه. (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ). يقول السعدي -رحمه الله-: "أي ليقيم -تعالى- سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد، فيتبين من ينصره وينصر رسوله في حال الغيب التي ينفع فيها الإيمان". وهو -سبحانه- يعلم ما كان وما سيكون، قد علم -سبحانه- ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، لكن المراد بالعلم هنا علمًا آخر غير العلم الأزلي، علمًا سيحاسبهم -سبحانه وتعالى- عليه على ما فعلوه ووقع منهم، فهو يحب أن يرى من ينصره ورسله بالغيب، وهذه النصرة.. للحديد دخل فيها بلا شك، كما يكون من استعماله في [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] المظلومين، وفي رفع الظلم، وحماية الأهل والمال والنفس، وكذا في الجهاد في سبيل الله -عز وجل-. (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ): لا يحتاج -سبحانه- إلى عباده، بل هو غني عنهم، لكن الاختبار والابتلاء للعباد، وهو -سبحانه- القوى الذي لا أقوى منه، العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع. هـو الـقـوي له الـقـوى جـمـيـعـًا تعالى رب ذي الأكوان والأزمانوإذا كان هذا وصفه فلا يتوكل العبد إلا عليه؛ لأنه وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا أراد أمرًا لا راد لأمره، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وحينها يستهين بقوة غيره من المخلوقين؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا؛ فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم، فينطلق العبد حينها مجاهدًا لإقامة شرع الله -عز وجل- مستشعرًا أن معه القوة التي لا تغلب، والفئة التي تهزم. ومن اسمه -تعالى- العزيز يشهد العبد نفاذ حكمه -سبحانه- وأمره في عباده، وتصريف قلوبهم على ما يشاء، وهذا ما لا يقدر عليه سواه -سبحانه-، ثم هو يشعر بالاستعلاء على الباطل وأهله والاستعانة بهم، وعدم الاستكانة لهم مهما تسلطوا أو تجبروا؛ إذ غاية ما يقدرون عليه الأذى الظاهري (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون:، ومصدر هذه العزة هو الاعتزاز بالإسلام، فـ"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله". ولما ركنت الأمة إلى الكافرين، وابتغت العزة عندهم، واتخذت دينها ظهريًا وسمح للمنافقين والكافرين الاستهزاء به وتنقصه، ووصفه بأنه لا يصلح لعصرنا، وغير ذلك من الشبه الباطلة.. لما كان ذلك ذلت الأمة بعد عز وهانت، بل صار البعض يستحيي مِن أحكام الإسلام، ويشعر بالقزامة! فكيف تنتصر أمة بهذا الوصف؟! ولعل ختم هذه الآية بهذين الاسمين إشارة إلى الاعتزاز به -سبحانه-، وصدق التوكل عليه في الأخذ بتعاليم هذا الكتاب الذي أنزله الله -عز وجل-، والقيام في الناس بالعدل والميزان، وإزالة الطواغيت التي تصر على نشر باطلها، وإجبار الناس عليه باستعمال الحديد الذي أنزله الله فيه بأس شديد، فتكون النصرة التي أرادها الله -عز وجل- من عباده المؤمنين. نسأل الله أن يجعلنا ممن ينصره ورسله بالغيب. آمين.
كتبه/ إيهاب الشريف الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فيقول الله -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25). يخبر الله -تعالى- في هذه الآية أنه أرسل رسله (بِالْبَيِّنَاتِ)، أي: المعجزات والحجج الباهرات والدلائل القاطعات، والتي يتبين ويتضح لكل مَن قرأها وسمعها أنها الحق، وأنها من عند الله -عز وجل-. وهذه البينات تشمل المعجزات التي أيد الله بها أنبياءه ورسله، وتشمل كذلك ما أنزله الله -تعالى- من العقائد الواضحة النيرة، والشرائع المستقيمة العادلة. (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ.. ): وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وإنزال الكتاب؛ لأجل الفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما في قوله -تعالى-: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213). و(الْكِتَابَ): متضمن لما جاء به الأنبياء من البينات في أمور العقائد والعلوم، والتصورات والأفهام، وفيما يتعلق بالأعمال والسلوك، والإرادات والمقاصد. (وَالْمِيزَانَ): هو العدل والحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة، فلما أنزل -سبحانه وتعالى- الميزان المادي المحسوس لتوزن به الأشياء المحسوسة، وجعله بين الناس ليعرف العدل -هذا يساوي هذا، وهذا لا يساويه-، فهو -سبحانه- أنزل الكتاب لتوزن به أفكار الناس وعقائدهم وأعمالهم. ولذا كان "القياس الصحيح" هو مما أنزله الله -تعالى-، وهذه الآية يستدل بها العلماء على حجية القياس، وهو من الأدلة المتفق على الاحتجاج بها عند أهل السنة. وإذا كانت التسوية بين المختلفين والتفرقة بين المتساويين قبيحة في الأمور المحسوسة، وهو من الظلم والعدوان -كما يقع من تطفيف في المكاييل والموازين وغيرها.. فأولى من ذلك ألا يُسوى بين المختلف مِن الأقوال والأعمال، والعقائد والتصورات، فلابد من التفرقة بين الحق والباطل، فنسوي بين ما سوى الشرع، ونفرق بين ما فرق. فالشريعة نزلت ليقوم الناس بالعدل الذي شرعه الله، ولم تنزل ليكون الناس منها في شق، لا دخل لهم بها أو أن يأخذوا منها ما يناسبهم -في ظنهم-، ويردوا الآخر! فلا يجوز أن تُنحى الشريعة عن حياة الناس؛ إذ لا قيام لحياتهم ولا تحقيق للعدل إلا بالقيام بها، والأخذ بما أنزله الله -عز وجل-، كما لا يجوز أن يتحاكم الناس إلى ما يرونه عدلاً دون شرع الله -عز وجل-، ولا عدل ولا قسط إلا في شرع الله -سبحانه-. ولذلك فإذا لم يقم الناس بالكتاب والميزان الذي أنزله الله فإنهم لم يقوموا بالقسط، لم يقوموا بالعدل؛ ولذا يكون الضرر والفساد في المعاش والمعاد. ولكن ما العمل نحو مَن لم يستجب لذلك؟! هل يترك وشأنه؟! ماذا نفعل معه؟! هل يترك لينشر في الناس الظلم والفساد؟! ما موقفنا منه كما قررت هذه الشريعة الحكيمة العادلة؟ الموقف توضحه نفس الآية: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ). يقول ابن كثير -رحمه الله-: "أي وجعلنا الحديد رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه؛ ولهذا أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة تُوحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين وبيان إيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على مَن خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام -الرؤوس- لمن خالف القرآن، وكذب به وعانده؛ ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يعني السلاح: كالسيوف، والحراب، والسنان، والنصال، والدروع.. ونحوها" اهـ. وقال شيخ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] -رحمه الله-: "ودين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن يكون السيف تابعًا للكتاب؛ فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعًا لذلك كان أمر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قائمًا" (مجموع الفتاوى20/393). وقال -رحمه الله-: "فمن عدل عن الكتاب قـُوِّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف" (مجموع الفتاوى28/264). إذن مَن لم يقبل البينات الواضحات، ولم يقبل الكتاب والميزان والعدل الذي شرعه الله كان له الحديد.. نعم لا نكره أحدًا على الإيمان إذ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256)، بل: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف:29)، فلا يجبر في خاصة نفسه على الدخول في هذا الدين وقبوله، ولكن ليس من حقه أن يفرض الكفر والضلال على غيره من الناس؛ فله الحديد؛ ليمنع من فرض ظلمه وطغيانه على الناس؛ ولِتُزال الحواجز بين الناس وبين الحق الذي أنزله الله. يقول -صلى الله عليه وسلم-: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني)، بالجهاد في سبيل الله -تعالى-، والذي مِن مقاصد إزالة الطواغيت التي تحول بين الناس وشرع الله -عز وجل-؛ لإيصال الحق إلى الخلق، ثم يترك لهم الاختيار، ولا يكره أحد منهم على الإسلام. فرض الجهاد لإقامة القسط في الأرض كلها.. لإعلاء كلمة الله -تعالى- على أرضه وبين خلقه؛ فلا تترك بقعة يعلوها كلمة الكفر:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال:39)، أي لا يكون شرك وصد عن سبيل الله -تعالى-، ويكون الإذعان لأحكام الإسلام، ويكون هو العالي على سائر الأديان، مع التأكيد على أن من اختار دينًا غير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في خاصة نفسه فلا يجبر على تركه، إذن لا يقف أبدًا أهل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] موقف المتفرج ممن خالف (الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)؛ لأنهم خير أمة أخرجهم الله -تعالى- لتصحيح أحوال العالم مِن حولهم وفق شرع الله -تعالى-. والحق لابد له من قوة تؤيده.. وإذا كان الحق يبدأ ضعيفًا لِحِكَم يعلمها الله -عز وجل-، لكن لا بد بعد حين مِن تأييده بقوة الحديد، أما الحق الضعيف فالباطل يتغلب عليه، بل ويسعى لمحوه وإزالته. فالبينات والهدى والكتاب لمن يَعقل، وأما من كابر وعاند بعد بيان الحجج فله الحديد؛ فهكذا بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا كان أصحابه من بعده. لا يمكن أبدًا أن تترك الأجيال تتربى على غير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وتُظلم بمنعها من نور الحق.. لا يحق لنا أبدًا أن نترك الفساد والظلم ينتشر في العالم طالما كان في قدرتنا منع ذلك. هذا دين الله وهم خلقه، والأرض أرضه؛ فلابد أن يعلوها شرعه وحكمه. (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ). يقول السعدي -رحمه الله-: "أي ليقيم -تعالى- سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد، فيتبين من ينصره وينصر رسوله في حال الغيب التي ينفع فيها الإيمان". وهو -سبحانه- يعلم ما كان وما سيكون، قد علم -سبحانه- ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، لكن المراد بالعلم هنا علمًا آخر غير العلم الأزلي، علمًا سيحاسبهم -سبحانه وتعالى- عليه على ما فعلوه ووقع منهم، فهو يحب أن يرى من ينصره ورسله بالغيب، وهذه النصرة.. للحديد دخل فيها بلا شك، كما يكون من استعماله في [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] المظلومين، وفي رفع الظلم، وحماية الأهل والمال والنفس، وكذا في الجهاد في سبيل الله -عز وجل-. (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ): لا يحتاج -سبحانه- إلى عباده، بل هو غني عنهم، لكن الاختبار والابتلاء للعباد، وهو -سبحانه- القوى الذي لا أقوى منه، العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع. هـو الـقـوي له الـقـوى جـمـيـعـًا تعالى رب ذي الأكوان والأزمانوإذا كان هذا وصفه فلا يتوكل العبد إلا عليه؛ لأنه وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا أراد أمرًا لا راد لأمره، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وحينها يستهين بقوة غيره من المخلوقين؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا؛ فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم، فينطلق العبد حينها مجاهدًا لإقامة شرع الله -عز وجل- مستشعرًا أن معه القوة التي لا تغلب، والفئة التي تهزم. ومن اسمه -تعالى- العزيز يشهد العبد نفاذ حكمه -سبحانه- وأمره في عباده، وتصريف قلوبهم على ما يشاء، وهذا ما لا يقدر عليه سواه -سبحانه-، ثم هو يشعر بالاستعلاء على الباطل وأهله والاستعانة بهم، وعدم الاستكانة لهم مهما تسلطوا أو تجبروا؛ إذ غاية ما يقدرون عليه الأذى الظاهري (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون:، ومصدر هذه العزة هو الاعتزاز بالإسلام، فـ"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله". ولما ركنت الأمة إلى الكافرين، وابتغت العزة عندهم، واتخذت دينها ظهريًا وسمح للمنافقين والكافرين الاستهزاء به وتنقصه، ووصفه بأنه لا يصلح لعصرنا، وغير ذلك من الشبه الباطلة.. لما كان ذلك ذلت الأمة بعد عز وهانت، بل صار البعض يستحيي مِن أحكام الإسلام، ويشعر بالقزامة! فكيف تنتصر أمة بهذا الوصف؟! ولعل ختم هذه الآية بهذين الاسمين إشارة إلى الاعتزاز به -سبحانه-، وصدق التوكل عليه في الأخذ بتعاليم هذا الكتاب الذي أنزله الله -عز وجل-، والقيام في الناس بالعدل والميزان، وإزالة الطواغيت التي تصر على نشر باطلها، وإجبار الناس عليه باستعمال الحديد الذي أنزله الله فيه بأس شديد، فتكون النصرة التي أرادها الله -عز وجل- من عباده المؤمنين. نسأل الله أن يجعلنا ممن ينصره ورسله بالغيب. آمين.
كتبه/ إيهاب الشريف الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فيقول الله -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25). يخبر الله -تعالى- في هذه الآية أنه أرسل رسله (بِالْبَيِّنَاتِ)، أي: المعجزات والحجج الباهرات والدلائل القاطعات، والتي يتبين ويتضح لكل مَن قرأها وسمعها أنها الحق، وأنها من عند الله -عز وجل-. وهذه البينات تشمل المعجزات التي أيد الله بها أنبياءه ورسله، وتشمل كذلك ما أنزله الله -تعالى- من العقائد الواضحة النيرة، والشرائع المستقيمة العادلة. (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ.. ): وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وإنزال الكتاب؛ لأجل الفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما في قوله -تعالى-: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213). و(الْكِتَابَ): متضمن لما جاء به الأنبياء من البينات في أمور العقائد والعلوم، والتصورات والأفهام، وفيما يتعلق بالأعمال والسلوك، والإرادات والمقاصد. (وَالْمِيزَانَ): هو العدل والحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة، فلما أنزل -سبحانه وتعالى- الميزان المادي المحسوس لتوزن به الأشياء المحسوسة، وجعله بين الناس ليعرف العدل -هذا يساوي هذا، وهذا لا يساويه-، فهو -سبحانه- أنزل الكتاب لتوزن به أفكار الناس وعقائدهم وأعمالهم. ولذا كان "القياس الصحيح" هو مما أنزله الله -تعالى-، وهذه الآية يستدل بها العلماء على حجية القياس، وهو من الأدلة المتفق على الاحتجاج بها عند أهل السنة. وإذا كانت التسوية بين المختلفين والتفرقة بين المتساويين قبيحة في الأمور المحسوسة، وهو من الظلم والعدوان -كما يقع من تطفيف في المكاييل والموازين وغيرها.. فأولى من ذلك ألا يُسوى بين المختلف مِن الأقوال والأعمال، والعقائد والتصورات، فلابد من التفرقة بين الحق والباطل، فنسوي بين ما سوى الشرع، ونفرق بين ما فرق. فالشريعة نزلت ليقوم الناس بالعدل الذي شرعه الله، ولم تنزل ليكون الناس منها في شق، لا دخل لهم بها أو أن يأخذوا منها ما يناسبهم -في ظنهم-، ويردوا الآخر! فلا يجوز أن تُنحى الشريعة عن حياة الناس؛ إذ لا قيام لحياتهم ولا تحقيق للعدل إلا بالقيام بها، والأخذ بما أنزله الله -عز وجل-، كما لا يجوز أن يتحاكم الناس إلى ما يرونه عدلاً دون شرع الله -عز وجل-، ولا عدل ولا قسط إلا في شرع الله -سبحانه-. ولذلك فإذا لم يقم الناس بالكتاب والميزان الذي أنزله الله فإنهم لم يقوموا بالقسط، لم يقوموا بالعدل؛ ولذا يكون الضرر والفساد في المعاش والمعاد. ولكن ما العمل نحو مَن لم يستجب لذلك؟! هل يترك وشأنه؟! ماذا نفعل معه؟! هل يترك لينشر في الناس الظلم والفساد؟! ما موقفنا منه كما قررت هذه الشريعة الحكيمة العادلة؟ الموقف توضحه نفس الآية: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ). يقول ابن كثير -رحمه الله-: "أي وجعلنا الحديد رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه؛ ولهذا أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة تُوحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين وبيان إيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على مَن خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام -الرؤوس- لمن خالف القرآن، وكذب به وعانده؛ ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يعني السلاح: كالسيوف، والحراب، والسنان، والنصال، والدروع.. ونحوها" اهـ. وقال شيخ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] -رحمه الله-: "ودين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن يكون السيف تابعًا للكتاب؛ فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعًا لذلك كان أمر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قائمًا" (مجموع الفتاوى20/393). وقال -رحمه الله-: "فمن عدل عن الكتاب قـُوِّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف" (مجموع الفتاوى28/264). إذن مَن لم يقبل البينات الواضحات، ولم يقبل الكتاب والميزان والعدل الذي شرعه الله كان له الحديد.. نعم لا نكره أحدًا على الإيمان إذ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256)، بل: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف:29)، فلا يجبر في خاصة نفسه على الدخول في هذا الدين وقبوله، ولكن ليس من حقه أن يفرض الكفر والضلال على غيره من الناس؛ فله الحديد؛ ليمنع من فرض ظلمه وطغيانه على الناس؛ ولِتُزال الحواجز بين الناس وبين الحق الذي أنزله الله. يقول -صلى الله عليه وسلم-: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني)، بالجهاد في سبيل الله -تعالى-، والذي مِن مقاصد إزالة الطواغيت التي تحول بين الناس وشرع الله -عز وجل-؛ لإيصال الحق إلى الخلق، ثم يترك لهم الاختيار، ولا يكره أحد منهم على الإسلام. فرض الجهاد لإقامة القسط في الأرض كلها.. لإعلاء كلمة الله -تعالى- على أرضه وبين خلقه؛ فلا تترك بقعة يعلوها كلمة الكفر:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال:39)، أي لا يكون شرك وصد عن سبيل الله -تعالى-، ويكون الإذعان لأحكام الإسلام، ويكون هو العالي على سائر الأديان، مع التأكيد على أن من اختار دينًا غير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في خاصة نفسه فلا يجبر على تركه، إذن لا يقف أبدًا أهل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] موقف المتفرج ممن خالف (الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)؛ لأنهم خير أمة أخرجهم الله -تعالى- لتصحيح أحوال العالم مِن حولهم وفق شرع الله -تعالى-. والحق لابد له من قوة تؤيده.. وإذا كان الحق يبدأ ضعيفًا لِحِكَم يعلمها الله -عز وجل-، لكن لا بد بعد حين مِن تأييده بقوة الحديد، أما الحق الضعيف فالباطل يتغلب عليه، بل ويسعى لمحوه وإزالته. فالبينات والهدى والكتاب لمن يَعقل، وأما من كابر وعاند بعد بيان الحجج فله الحديد؛ فهكذا بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا كان أصحابه من بعده. لا يمكن أبدًا أن تترك الأجيال تتربى على غير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وتُظلم بمنعها من نور الحق.. لا يحق لنا أبدًا أن نترك الفساد والظلم ينتشر في العالم طالما كان في قدرتنا منع ذلك. هذا دين الله وهم خلقه، والأرض أرضه؛ فلابد أن يعلوها شرعه وحكمه. (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ). يقول السعدي -رحمه الله-: "أي ليقيم -تعالى- سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد، فيتبين من ينصره وينصر رسوله في حال الغيب التي ينفع فيها الإيمان". وهو -سبحانه- يعلم ما كان وما سيكون، قد علم -سبحانه- ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، لكن المراد بالعلم هنا علمًا آخر غير العلم الأزلي، علمًا سيحاسبهم -سبحانه وتعالى- عليه على ما فعلوه ووقع منهم، فهو يحب أن يرى من ينصره ورسله بالغيب، وهذه النصرة.. للحديد دخل فيها بلا شك، كما يكون من استعماله في [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] المظلومين، وفي رفع الظلم، وحماية الأهل والمال والنفس، وكذا في الجهاد في سبيل الله -عز وجل-. (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ): لا يحتاج -سبحانه- إلى عباده، بل هو غني عنهم، لكن الاختبار والابتلاء للعباد، وهو -سبحانه- القوى الذي لا أقوى منه، العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع. هـو الـقـوي له الـقـوى جـمـيـعـًا تعالى رب ذي الأكوان والأزمانوإذا كان هذا وصفه فلا يتوكل العبد إلا عليه؛ لأنه وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا أراد أمرًا لا راد لأمره، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وحينها يستهين بقوة غيره من المخلوقين؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا؛ فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم، فينطلق العبد حينها مجاهدًا لإقامة شرع الله -عز وجل- مستشعرًا أن معه القوة التي لا تغلب، والفئة التي تهزم. ومن اسمه -تعالى- العزيز يشهد العبد نفاذ حكمه -سبحانه- وأمره في عباده، وتصريف قلوبهم على ما يشاء، وهذا ما لا يقدر عليه سواه -سبحانه-، ثم هو يشعر بالاستعلاء على الباطل وأهله والاستعانة بهم، وعدم الاستكانة لهم مهما تسلطوا أو تجبروا؛ إذ غاية ما يقدرون عليه الأذى الظاهري (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون:، ومصدر هذه العزة هو الاعتزاز بالإسلام، فـ"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله". ولما ركنت الأمة إلى الكافرين، وابتغت العزة عندهم، واتخذت دينها ظهريًا وسمح للمنافقين والكافرين الاستهزاء به وتنقصه، ووصفه بأنه لا يصلح لعصرنا، وغير ذلك من الشبه الباطلة.. لما كان ذلك ذلت الأمة بعد عز وهانت، بل صار البعض يستحيي مِن أحكام الإسلام، ويشعر بالقزامة! فكيف تنتصر أمة بهذا الوصف؟! ولعل ختم هذه الآية بهذين الاسمين إشارة إلى الاعتزاز به -سبحانه-، وصدق التوكل عليه في الأخذ بتعاليم هذا الكتاب الذي أنزله الله -عز وجل-، والقيام في الناس بالعدل والميزان، وإزالة الطواغيت التي تصر على نشر باطلها، وإجبار الناس عليه باستعمال الحديد الذي أنزله الله فيه بأس شديد، فتكون النصرة التي أرادها الله -عز وجل- من عباده المؤمنين. نسأل الله أن يجعلنا ممن ينصره ورسله بالغيب. آمين.