انظر للصحابة رضي الله عنهم أجمعين كيف حُلَّت مشكلاتهم على يد سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالبصيرة النورانية التي أعطاها له مولاه {أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} وهذه البصيرة مع المؤمنين ومع من بعدهم فقال {أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} كل مؤمن له نصيبه من هذه البصيرة ليمشوا على المنهاج القويم والهدي الكريم والصراط المستقيم
فرأى صلي الله عليه وسلم أن إصلاح العالم ليس في كثرة الأموال ولا في كثرة المزروعات ولا في بعض الصناعات ولا في شاهق البنايات ولا تجهيز الجيوش المدربة بالأسلحة والمعدات إذاً فكيف يأتي الإصلاح يا سيدي يا رسول الله؟ قال بأن كل شخص في المجتمع معه شيء في صدره لو صلح هذا الشيء الذي فينا كلنا سوف تنصلح الدنيا ولكن إذا لم نصلح هذه المنطقة وهذا الأمر امتلأت الدنيا بالمشاكل والأرض أصبحت كلها فساد فسنحارب بعض ونقاتل بعض ويزيد الحقد منا على بعض ويزيد التنافس بيننا وبين بعض وتصير الحروب مستمرة ولن تنتهي
لكن كل المشاكل فيم يكمن حلها؟ {أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ}[1] كل مؤمن له جسد صغير وجماعة المؤمنين يمثلون جسد آخر كبير{مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ شَيْءٌ تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى}[2] إذا احتاج عضو الكل يعاونه وإذا حزن أحد الكل يخفف عنه وإذا فرح أحد الكل يشاركه فرحته كلهم جسد واحد
فاجتهد صلي الله عليه وسلم بنور البصيرة وأعطانا هذا الحل أنا أقول هذا الكلام والأيام قادمة وسنرى أنه لا حل يصلح لمشاكلنا أو مشاكل بلدنا ولا مشاكل المسلمين إلا إذا رجعنا لهذا الحل الذي وضعه أمير الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم ما رأيكم في الرجل الذي يتاجر حالياً ويترك سبعين أو ثمانين مليون جنيه وترك ثلاثة أو أربعة أولاد لم يتطهر فيهم القلب ولا الفؤاد؟ سيكونون راضين أم لا؟ لن يرضوا مع أنهم عندهم ما يكفيهم وليسوا محتاجين وعندهم الخير الكثير
إذاً العبرة ليست في الكثرة ولكن العبرة في القناعة والرضا بالمقسوم الذي قسمه الرزاق وهو الحي القيوم {ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ}[3] هكذا حقاً فسيدنا رسول الله حل كل مشاكل هؤلاء بإصلاح القلب ما الذي يسبب المشاكل بين الناس ويفسد العلاقات من الأساس؟ الحقد المسطور في القلب والحسد إذا أصيب به القلب والأنانية إذا تسلطت على الإنسان والشح إذا سيطر على جنان الإنسان هذه هي المعضلات التي تسبب المشاكل في كل المجتمعات
إن لم نكن سنقضي على هذه الأمراض وتنتهي هذه الأعراض فلن تنتهي هذه المشاكل وسنظل كما نرى في خلافات ومشاكل وفرقة وتمزق وتشرذم في كل زمان ومكان وحتى القيم التي أتى بها لنا نبينا من الله وهي كانت البقية الباقية المحافظة على النسيج الاجتماعي ها نحن نذبحها وننهي عليها ونخرج الفردية والأنانية وأفعال الجاهلية التي قد أتت لنا
لأن الذي يحفظ المجتمع من أعمال الجاهلية القيم الإسلامية توقير الصغير للكبير وعطف الكبير على الصغير وبر الوالدين وصلة الأرحام وإعالة الأيتام هذه هي القيم الإسلامية التي أسس عليها حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام المجتمع الإسلامي لكننا نريد حملة تطهير شاملة نريد أن نطهر المجتمع كله ليس من المجرمين ولكن من دوافع الشر من دوافع السلوك العدواني ومن دوافع السلوك السيئ الدوافع التي أشرنا إليها الآن وهي في القلب {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}
وكلمة نزعنا دليل على أن هذه الصفات السيئة متمسكة ومتمكنة وتحتاج إلى قوة في اقتلاعها فلا تراخي ولا تهاون بل تحتاج إلى قوة في اقتلاع هذه الأوصاف التي بيَّن الله أن بسببها فسدت الأحوال في السموات والأرض فما الذي أخرج إبليس من الجنة؟ مرض الكِبر أصيب بمرض الكبر حيث أمره الله بالسجود لآدم فاستكبر ورفض فأخرجه الله من الجنة والنبي صلي الله عليه وسلم قال {لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ}[4]
ومرض الكبر في هذه الأيام زاد في النفوس عن الحد فالناس تقول طالما معي فلوس في جيبي وعندي كل شيء في بيتي فلست محتاجا لأحد ويقولون (الذي معه فلوس يدوس على الروس) لماذا؟ كلنا محتاجون لبعض فهل فينا واحد سيدخل الجنة إلا إذا صلى عليه أربعون من إخوانه المسلمين وشيعوه إلى مثواه الأخير فبم دخل الرجل الجنة؟ بشفاعة إخوانه قَالَ الْحَسَنُ {اسْتَكْثِرُوا مِنَ الأَصْدِقَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ لَهُمْ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[5]
كل رجل من المسلمين له شفاعة وربما أخ لا تنتبه له وربما تستهزئ الناس به لكن له كلمة مسموعة عند الله {كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ}[6] فيجب ألا تخاصم أحدا من المسلمين حتى تدخل في شفاعة هذا أو هذا فتكون ضمنت الفوز يوم الدين ليس بالأعمال لأنه لن يدخل أحد الجنة بعمله قال صلي الله عليه وسلم {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ قِيلَ: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ} وفي رواية {إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ}[7]
الناس تاهت في هذا الزمان عن الحق وتاهت عن ما ينفعها {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} إذاً فمن الذي سينفعني هنا؟ الصاحب الصالح الصادق الذي قال فيه الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} فها نحن متقين لله ألا يكفي هذا؟ لا ولكن لا بد من مصاحبة الصادقين ابحثوا عنهم وإياكم أن تتركوهم لأن الذي سيجلس معهم حتى ولو جاء في آخر المجلس أو أتى لحاجة يقول الله {هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ }[8] بدأ النبي صلي الله عليه وسلم مع أصحابه حتى طهرت قلوبهم لبعضهم فلا أحقاد ولا أحساد وطهرهم من الغل والشح والكره وكل الصفات التي تفسد المودة بين المؤمنين [1] الصحيحين البخاري ومسلم وسنن ابن ماجة عن النعمان بن بشير [2] الصحيحين البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه [3] سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام احمد عن أبي هريرة رضي الله عنه [4] صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه [5] معالم التنزيل تفسير البغوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه [6] صحيح البخاري وسنن الترمذي وأبي داود عن أنس رضي الله عنه [7] مسند الإمام أحمد وسنن البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه [8] صحيح مسلم وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد