رحلة, تمتزج, فيها, المشاعر, بالمشاعر!,رحلة, تمتزج, فيها, المشاعر, بالمشاعر!,رحلة, تمتزج, فيها, المشاعر, بالمشاعر! -------------------------- بسم الله الرحمن الرحيم --------------------------------- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الوقوف بعرفات.. الصورة بين المناجاة.. والمباهاة
عندما تمتزج المشاعر الشاعرة.. بالمشاعر المقدسة، فهذا يعني تمازجا لامتداد على مستويات عدة دينية وتاريخية وأدبية.. فلقد كان للركن الخامس وما يزال وسيظل حضوره العميق على مستوى الموضوع.. والفكرة.. والمجال الإبداعي بمختلف فنونه الشعري منها والنثري.. فرحلة العمر التي توارثتها الأمم بوصفها شعيرة دينية، منذ أن أذّن إبراهيم – عليه السلام - في الناس بالحج وهي رحلة روحانية تزداد تجددا ورسوخا بتجدد الأمم والأجيال جيلا بعد جيل.
ومنذ أن بزغ فجر الإسلام وفرض الحج على هذه الأمة بمناسكه الإسلامية، والقصيدة صوت حاضر في مواكب الحج عبر العصور الإسلامية وحتى يومنا هذا.. فما تزال عيون الشعراء تلتقط عبر مسير هذه الرحلة ومن خلال مناسكها صورا لا ينضب معينها، ومعاني متجددة بتجدد هذه الرحلة الروحانية.. فمع اجتماع النصوص في موضوع الزان، وفي حدود المكان المقدس، إلا أن فضاءات الموضوع، ومناسك الحج تتحول عبر محدودية الزمان والمكان إلى ما لانهايات له، لنجد في كل نص نافذة تطل بنا على رحلة العمر.. فهذا عبدالرحيم البرعي الذي وفد مع الحج الشامي، إلا أن المنية وافته قبل وصوله المدينة المنورة بخمسين ميلا.. إذ يقول الرواة بأنه لفظ أنفاسه بعد هذه القصيدة التي كان يرددها في الرمق الأخير من حياته، والتي يقول فيها:
يا راحلين إلى مِنى بقيادي هيّجتموا يوم الرحيل فؤادي سِرتم وسار دليلكم يا وحشتي الشوق أقلقني وصوتُ الحادي أحرمتموا جفني المنام ببعدكم يا ساكنين المنحنى والوادي فإذا وصلتم سالمين فبلّغوا منّي السلام إلى النبيّ الهادي ويلوح لي ما بين زمزم والصفا عند المقام سمعتُ صوت منادي من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كلّ مُراد تاللهِ ما أحلى المبيت على مِنى في ليل عيدٍ أبركِ الأعياد ضحّوا ضحاياهم وسال دماؤها وأنا المتيّم قد نحرتُ فؤادي بالله يا زوّار قبرِ محمّدٍ من كان منكم رائحاً أو غادي يُبلّغ إلى المختار ألف تحيّة من عاشق متفتتِ الأكباد قولوا له عبد الرحيم متيّم ومفارق الأحباب والأولاد صلّى عليك الله يا علمَ الهُدى ما سار ركبٌ أو ترّنم حادي لا غرابة أن تقترن الرحلة بالشوق، الذي سابق ترحال الشعراء إلى الأماكن المقدسة، حيث يأتي الشوق على مستوى الموضوع فكرة حقيقة لكل قاصدي البيت الحرام، فهذا يخاطب الركب.. وذاك يستحث الحادي.. وذلك يناجي الغوادي والروائح إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.. وآخر يخاطب أودية المسير إشراكا لها في المشاعر من جانب، ورفقة الرحلة من جانب آخر.. كما تظل حرارة الشوق كجمر الغضا.
اَلراحلونَ إلى ديار أحبتي عتَبي عليكمْ.. قد أخذتم مهجتي كما درج الشعراء في قصائدهم عبر هذه المشتركات على توظيف أسماء الأماكن المقدسة ومن ثم توظيفها في القصيدة، إذ يأتي في مقدمتها الكعبة المشرفة، المسجد النبوي، الحجر الأسود. زمزم، الحطيم، الصفا، المروة، مزدلفة، منى عرفات.. إلى جانب ما يستحضره الشعراء من إبلاغ السلام للرسول - صلى الله عليه وسلم – كناية عن زيارة قبره، لتتجاوز هذه الأماكن في قصائد الشعراء المكان، إلى فضاء من الخيال الذي يتخذ من الحقيقية الزمانية والمكانية جناحين للتحليق في فضاءات شعرية لا يحدها زمان ولا يزاحمها مكان. وهذا أمير الشعراء أحمد شوقي يقول في قصيدة له عن
هذه الرحلة الإيمانية التي يقول فيها: إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله في عرفات ففي الكعبة الغراء ركن مرحب بكعبة قصّاد وركن عفاة وما سكب الميزاب ماء وإنما أفاض عليك الأجر والرحمات إِذا حُدِيَت عِيسُ المُلوكِ فَإِنَّهُم لِعيسِكَ في البَيداءِ خَيرُ حُداةِ تَساوَوْا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ لَدَيْكَ ، وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ وزمزم تجري بين عينيك أعينا من الكوثر المعسول منفجرات وإذا كنا نجد الأماكن ذاتها.. والرحلة نفسها.. والشوق.. والحادي.. عند أمير الشعراء إلا أن توظيف الأسماء ذاتها حلقت في فضاءات مختلفة المعاني والدلالات والصور.. وكأننا في كل قصيدة نمر في مسالك رحلة مختلفة.. ونستشرف البقاع المقدسة من مطالع جديدة عند كل شاعر.. مما يعكس مدى قدرة الموضوع على خلق الأفكار وفتح آفاق الرؤية على نص جديد لدى كل شاعر، وكأننا بتجدد هذه الرحلة الإيمانية في النفوس يتجدد معها الموضوع والرؤية ومن ثم النص بكافة مكوناته الإبداعية.
ومع تناغم الأفكار والصور في نصوص الشعراء على مر العصور الأدبية منذ فجر الإسلام، ومنذ أن فرض الله – سبحانه وتعالى هذه الفريضة على عباده، تظل الكعبة المشرفة ذروة الموضوع وسنامه.. فها هو الشاعر"بدوي الجبل" يناجي الكعبة المشرفة بقصيدة جاء منها:
بنور على أم القرى وبطيب غسلت فؤادي من أسى ولهيب لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي بحسن كأسرار السماء مهيب وأمسكت قلبي لا يطير إلى منى بأعبائه من لهفة ووجيب هنا الكعبة الزّهراء والوحي والشذا هنا النور فافني في هواه وذوبي ويا مهجتي بين الحطيم وزمزم تركت دموعي شافعا لذنوبي وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي وعطّر أبواب السماء نحيبي وردّدت الصحراء شرقا ومغربا صدى نغم من لوعة ورتوب تلاقوا عليها، من غني ومعدم ومن صبية زغب الجناح وشيب نظائر فيها بردهم برد محرم يضوع شذا والقلب قلب منيب أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا بأفيح - من عفو الإله – رحيب فأيا كان تلاقي تراكيب القصائد في خفقان القلوب.. والطيران شوقا إلى الديار المقدسة.. واللحظات الأولى التي يطل خلالها حجاج بيت الله الحرام على الكعبة المشرفة.. فاللهفة، والدموع، والنور، واللوعة، والحادي، واللقاء، والنظرات، والعبرات، والشذا، واللقاء، والحنين، والشغف، والإحرام، والإنابة.. وغيرها من المفردات، التي تتقاطع في قصائد الشعراء، لا تكاد تلتمس لها تماثلا من قبيل ما يسميه النقاد "وقع الحافر على الحافر" من خلال التركيب الموصول إلى صور متكررة في كل رحلة بين مشاعر المكان، ومشاعر الكلام، مما يجعل من هذه الرحلة الإيمانية في الشعر لغة متجددة، وصورا أشبه ما تكون بلوحة يرسمها كل شاعر لرحلة من رحلات الحج عبر العصور الأدبية بدءا بعصر صدر الإسلام وحتى العصر الحديث.
وإذا ما انتقلنا عبر العصر – أيضا – وجئنا إلى الشاعر عبدالمعطي الدالاتي، يتخذ من مناجاة القلب.. وحديث الذات راحلة لوصف أشواقه في موكب رحلة الحج، الذي يتخذ من صواع يوسف – عليه السلام – رمزا لحتمية وضعه في رحل العير.. إلا أن هذا الصواع يتحول إلى رحلة ومهمة إيمانية أخرى، رافعا صوته بلبيك اللهم لبيك.. قلبا ملبيا.. محرما.. طوافا بالبيت العتيق.. ساعيا بين الصفا والمروة لينهل من زمزم، ومن ثم يواصل رحلته الإيمانية في المشاعر المقدسة واقفا بعرفات الله.. راجيا مغفرته ومعلنا توبته.. ليطير به الشوق بعد أن أتم رحلته الإيمانية إلى المدينة المنورة ومسجدها النبوي، متخذا من زيارة قبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – آخر وقفات هذه الرحلة الإيمانية التي يجمع فيها بين هم الذات وهموم الأمة الإسلامية، إذ يقول الدالاتي:
قلبي..وأعلم أنه في رحلكمْ كصُواع يوسفََ في رحال الإخوةِ قلبي ..ويُحرمُ بالسجود ملبياً لبيكَ ربي .. يا مجيبَ الدعوةِ قلبي.. ويسعى بين مروةَ والصفا ويطوفُ سبعاً في مدار الكعبةِ قلبي ارتوى من زمزمٍ بعد النوى وأتى إلى عرفات أرضِ التوبةِ هو مذنبٌ متنصِّل من ذنبه هو محرمٌ يرنو لباب الرحمةِ قلبي .. ويهفو للمدينة طائراً للمسجد النبوي عند الروضة اَلزائرونَ ألا بشيرٌ قد رمى بقميص أحمدَ فوق عزم الأمةِ ؟
هكذا تظهر لنا صورة الحج في عيون الشعراء، وتتجلى موضوعا يفيض روحانية وعاطفة صادقة، وخطابا تجتمع فيه الذات بذوات جمع الركب، وصورا يقتنصها الشعراء خلال رحلتهم إلى البقاع المقدسة، وخلال نسك الحج، إذ نجد خيالاتهم الشعرية محلقة بجناحي الزمان والمكان، لنجد هذه الرحلة الإيمانية موضوعا متجددا في قصائد الشعراء عبر العصور الإسلامية وحتى يومنا هذا، لنجد أن كل قصيدة تمضي إلى رحلة الحج في صورة إيمانية مختلفة، رغم ما يجتمع إليه العديد من القصائد من "تناص" إلا أن رحلة الحج كانت وما تزل وستظل في عيون الشعراء المعين الذي لا ينضب. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الكعبة.. والمقام.. حضور دائم في قصائد الشعراء