تقوم عملية التأديب على أسس ثلاثة لتصبح عملية إيجابية... وهذه الدعائم هي:1- التنظيم. 2- التقليد والقدوة. 3- البرمجة والإيحاء. وسنحاول الحديث عن كل دعامةلبناء تصور واضح وخطوات إيجابية للعمل التأديبي...
أولاً - التنظيم: ......
إن الأطفال يحبون دوماً أن تكون لهم حدود وضوابط لكل شيء، ويشعرونبالمخافة والريبة والتردد إذا غابت الحدود واختفت الضوابط فيحياتهم..
التنظيم ضروري في حياة الطفل لاسيما سنواته الأولى، وأولى خطواتالتنظيم تحديد مفهومه للطفل بشكل عملي تطبيقي، وتبيان المطالب المراد الالتزام بهامن لدن الطفل..، إن الطفل يحترم ويقدر الوالد والوالدة اللذين يرسمان الحدودويصيغان الضوابط ... والاحترام هو الطريق للدعامة الثانية (القدوة والتقليد) كما أنالطفل -نفسياً- يرفض ويكره ولا يحترم من يتركه دون حدود وضوابط، وهو يحترم كذلكتأديب والديه وتدخلهما وتعبيرهما عن عدم رضاهما عن سلوك معين أكثر من احترامهللتوبيخ والصراخ والتهديد، لاسيما تلك التي لا تعتمد على أسس تنظيمية ومعاييرواضحة.. إن التنظيم يشبع حاجة الطفل إلى سلطة ضابطة توجه سلوكه وتضبط تصرفاته منخلال توازن ووسطية...
وقد عبر أحد الأطفال عن أهمية الحدود قائلاً: "جاءتنااليوم معلمة مناوبة سمحت لنا أن نفعل أي شيء نريده، فلم نحبها".
إن الأطفاليستاؤون ويرتبكون حينما يسمح لهم أن يفعلوا ما يعرفون أنه خطأ... التنظيم يعنيتحديد قوانين ينبغي إتباعها، وهو يفترض أيضاً تدخلاً حازماً وصارماً من خلال بعضالوسائل التأديبية الرادعة من غير عنف أو إضرار...
وقفةمهمة:
نعم للتنظيم وهو ضرورة نفسية تربوية للطفل... وفي الوقت نفسهينبغي ألا يتحول هذا التنظيم وتلك القواعد والضوابط إلى عامل يخنق الطفل ويحد منقدراته ويسجنه في بنوده، ويجعل منه شخصاً اتكالياً اعتمادياً على الغير... إننانريد ضوابط تعين على الانطلاق، وتنمي جوانب الذكاء والإبداع لدى الطفل، وتكشفالمواهب وتعمل على تنميتها.
أفلا يتذكرون؟! اشترى أحد المعلمين حوض سمككبير وملأه ماء. وبعد تعديل حرارته لتناسب السمك البيتي، وضع فيه بعض الأسماك، فإذابها تتصرف تصرفاً غريباً ثم تتجمع في وسط الحوض الشفاف وهي لا تكاد تتحرك. وبعدبضعة أيام وضع أحجاراً ملونة في قعر الحوض، وإذا الأسماك تعود إلى التحرك بحرية،فالأحجار في قعر الحوض أوضحت عمق الماء، وهكذا عرف السمك حده فاستراح فيحركته.
ثانياً - التقليد والقدوة:
تحدثنا عن الأساسالأول للتأديب وهو التنظيم.. الذي هو عبارة عن حدود وضوابط تميز سلوك الطفل وتضع لهالإطار العام للتصرفات.. والأساس الثاني الذي تقوم عليه عملية التأديب هو التقليدوالقدوة.
الابن يقلد قدوته فقط... التقليد أحد خصائص الطفولة الأساسية... حيث إن الطفل يأخذ الكثير من السلوكيات والقيم والمبادئ من خلال محاولة تقليدهللآخرين... ولا نبالغ إذا قلنا إن الطفل كالإسفنج يمتص ما حوله... ويتفاعل معالمحيطين به من خلال تقليد سلوكهم وحركاتهم... وإذا كان الطفل يبرمج سلوكه ويبنياتجاهاته بنسبة 70% عندما يصل السنة السابعة من عمره أدركنا إلى أي مدى يأخذ منمحيطه... ويمتص من المحتكين به... وهذا ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحديث الفطرة: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..." الحديث.
الابن لايقتدي إلا بمن يحب أو يعجب به: مطلوب من الآباء أن يحسنوا سلوكهم، لا سيما أمامأعين الأبناء.. والأهم من هذا أن يكون الأب مصدر قدوة لابنه.. لا سيما في المراحلالعمرية المتقدمة بعد السنة الخامسة فما فوق.. فالإنسان جبل على تقليد من يحب ومنيكسب إعجابه...
إن الأب القاسي المتسلط لا ينقل لأبنائه غير الاضطهاد، وإنقلده الأبناء لاحقاً فمن باب إفراز الاضطهاد الطفولي، ليس إلا، ولذلك كان لزاماًعلى الآباء والأمهات أن يكتسبوا ثقة أبنائهم ومحبتهم لينالوا فيما بعد إعجابهم. ومنأعجب بشخص عده قدوته والناس لقدوتهم يتبعون ولسلوكياتهم يقلدون.. إن المسلم يعدقدوته العظيمة شخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.. ويتبعه ويقتدي به لأنهيحبه ويقدره، ويجد حلاوته في اتباعه ومحبته.. كما ورد في الحديث: "ثلاث من كن فيهوجد حلاوة الإيمان... أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...".
تمييزالقيم والمعايير لدى الطفل يتم من خلال العلاقة بالوالدين: كلما كانت علاقةالطفل بوالديه طيبة، نزع للاقتداء بهما وتقليد سلوكهما وعد ذلك عين الصواب... وكلمافسدت العلاقة مع الوالدين، نزع الطفل لمعاندة سلوكهما ومعارضته وعد ذلك عينالصواب.. وتكون بداية للانحراف والحيرة في حياة الطفل...
اهتم بالأعمال ثمبالأقوال: درهم أفعال أفضل من قنطار أقوال... إن القدوة تنصب بالدرجة الأولى حولما يفعله الوالدان وما يصدر عنهما من سلوكيات... ويراقب الأطفال سلوك الآباءباستمرار... حال فرحهم وحال غضبهم، وحين الاختلاف بين الأب والأم... ولذلك كانمهماً الحرص على السلوك الحسن الدائم... فرب لحظة غضب تهدم كل ما بناه الإنسان... وكثير هم الأطفال الذين يصابون بالانتكاسة الخلقية في لحظة واحدة من خلال سلوك واحدغير مدروس من طرف مرب.
التقليد حاجة نفسية لدى الطفل: كل طفل يحتاج لينموويتعلم إلى القدوة ويتخذها من أحد والديه أو من كليهما، فالأطفال لديهم حاجة نفسيةأن يتشبهوا بشخصيات من يحبون ويقدرون ويتقمصوها. ومن هذه الحاجة كان ضرورياً أننحبب لأبنائنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياء صحابته والأنبياء- عليهمالسلام- والنماذج الناجحة في تاريخنا الإسلامي... ولا بأس أن نعلم أبناءنا كيف نجحالناجحون ليتعلموا كيف ينجحون في حياتهم..
كن أسوة حسنة لابنك!! لقد حرصعلماء التربية المسلمون على أن يكون المعلم مثلاً يحتذى، وأسوة صالحة يتأسى الأبناءبها، ومما ذكره "الأصمعي" من أبيات لأبي الأسود الدؤلي في هذا الصدد،قال:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم؟ تصف الدواءلذي السقام وذوي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم ونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبداًوأنت من الرشاد عديم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنتحكيم
ثالثاً- البرمجة والإيحاء:
الأساس الثالث لعمليةالتأديب هي البرمجة والإيحاء التي تأتي مكملة للتنظيم (القوانين والقواعد) والتقليد (القدوة)..
أولاً- الإيحاء: ونقصد به كل ما يدور في الحياة الأسرية منعمليات سلوكية ومشاعر نفسية والتي تنتقل تلقائياً للطفل.. الأسر السعيدة تضفيسعادتها على الأبناء.. والأب الإيجابي هو من يتقن الرسائل الإيحائية غير المباشرةوالتي تتأصل في شخصية الطفل وتنمو مع التربية والإيحاء المستمر.. الإيحاء يعني زرعالطموح وحب النجاحوالقوة في اتخاذ القرار وحرية الاختيار المنضبط والدفاع عن النفسوعن القناعات الذاتية.. ويعني الإيحاء كذلك إقناع الطفل وبث المعاني الجميلةوالصفات الإيجابية من خلال فن ممارسة الإيحاء الذاتي..
عشرة أمثلة منالإيحاء الإيجابي: 1 - تفضل يا ذكي.. - 2 أحسنت يا شاطر.. 3 - ما شاء الله يامبدع.. - 4 ما أروعك وما أروع هدوءك!! - 5 أنت متميز في دراستك.. - 6 ابنييفهم بشكل ممتاز.. - 7 ابني يسمع نصائح والديه باستمرار.. - 8 ابني مطيع لربه.. ولد صالح.. - 9 ابني نظيف ومرتب.. - 10 ابني يتصرف تصرفالمتميزين..
الإيحاء يتم كذلك من خلال لغة الجسم لدى الوالدين. فالابتسامةالدائمة تضفي إيحاءً قوياً بالهدوء والطمأنينة لدى الابن وتحقق لديه طمأنينة وسعادةذاتية.. والإيحاء قد يكون سلبياً سواء من خلال اللغة اللفظية أو لغة الجسم.. فإطلاقالنعوت السلبية على الابن تقنعه بها من مثل: أنت غبي، أنت عنيد، وستجعل من الطفلإنساناً غبياً فعلاً لأن تكرار الإيحاء في حياة الطفل تبرمجه من خلال بناء القناعةلديه.. كما أن كثرة التوبيخ والصراخ في وجه الطفل توحي له بالاضطراب وتسحب منهالطمأنينة والاستقرار النفسي.