أولاً: التربية بالملاحظة: تعد هذه التربية أساساً جسَّده النبي _صلى الله عليه وسلم_ في ملاحظته لأفراد المجتمع تلك الملاحظة التي يعقبها التوجيه الرشيد،والمقصود بالتربية بالملاحظة ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي،ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي، وهذا يعني أن الملاحظة لا بد أن تكون شاملة لجميع جوانب الشخصية. ويجب الحذر من أن تتحول الملاحظة إلى تجسس، فمن الخطأ أن نفتشغرفة الولد المميز ونحاسبه على هفوة نجدها؛ لأنه لن يثق بعد ذلك بالمربي، وسيشعرأنه شخص غير موثوق به، وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه،ولم يكن هذا هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ في تربيته لأبنائه وأصحابه. كماينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان؛ لأن الطفل وبخاصةالمميز والمراهق يحب أن تثق به وتعتمد عليه، ويحب أن يكون رقيباً على نفسه،ومسؤولاً عن تصرفاته، بعيداً عن رقابة المربي، فتتاح له تلك الفرصةباعتدال. وعند التربية بالملاحظة يجد المربي الأخطاء والتقصير، وعندها لا بد منالمداراة التي تحقق المطلوب دون إثارة أو إساءة إلى الطفل، والمداراة هي الرفق فيالتعليم وفي الأمر والنهي، بل إن التجاهل أحياناً يعد الأسلوب الأمثل في مواجهةتصرفات الطفل التي يستفز بها المربي، وبخاصة عندما يكون عمر الطفل بين السنة والنصفوالسنة الثالثة، حيث يميل الطفل إلى جذب الانتباه واستفزاز الوالدين والإخوة، فلابد عندها من التجاهل؛ لأن إثارة الضجة قد تؤدي إلى تشبثه بذلك الخطأ، كما أنه لا بدمن التسامح أحياناً؛ لأن المحاسبة الشديدة لها أضرارها التربوية والنفسية
ثانياً: التربية بالعادة: المبحث الأول: أصول التربية بالعادة: الأصل في التربية بالعادة حديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ في شأن الصلاة؛ لأن التكرار الذييدوم ثلاث سنوات كفيل بغرس العبادة حتى تصبح عادة راسخة في النفس، وكذلك إرشاد ابنمسعود – رضي الله عنه – حيث قال: "وعودوهم الخير، فإن الخير عادة"، وبهذا تكونالتربية بالعادة ليست خاصة بالشعائر التعبدية وحدها، بل تشمل الآداب وأنماط السلوك. المبحث الثاني: كيفية التربية بالعادة: ولكي نعوِّد الطفل علىالعبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمالوالمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربوية. يبدأ تكوين العادات في سن مبكرة جداً، فالطفل في شهره السادس يبتهج بتكرارالأعمال التي تسعد من حوله، وهذا التكرار يكون العادة، ويظل هذا التكوين حتىالسابعة، وعلى الأم أن تبتعد عن الدلال منذ ولادة الطفل، ففي اليوم الأول يحس الطفلبأنه محمول فيسكت، فإذا حمل دائماً صارت عادته، وكذلك إذا كانت الأم تسارع إلى حملهكلما بكى، ولتحذر الأم كذلك من إيقاظ الرضيع ليرضع؛ لأنها بذلك تنغص عليه نومهوتعوده على طلب الطعام في الليل والاستيقاظ له وإن لم يكن الجوع شديداً، وقد تستمرهذه العادة حتى سن متأخرة، فيصعب عليه تركها، ويخطئ بعض المربين إذ تعجبهم بعض الكلمات المحرمة على لسان الطفل فيضحكون منها، وقد تكون كلمة نابية، وقد يفرحون بسلوك غير حميد لكونه يحصل من الطفل الصغير، وهذا الإعجاب يكون العادة من حيث لايشعرون. وترجع أهمية التربية بالعادة إلى أن حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق منوجهين، الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعود والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولاًعلى الدين والخلق الفاضل كان تعويده عليه يرسخه ويزيده. ولكي نعوِّد الطفل علىالعبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمالوالمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربوية.
ثالثاً: التربية بالإشارة: تستخدم التربية بالإشارة في بعض المواقف كأن يخطئ الطفل خطأ أمام بعض الضيوف أو في مَجْمَع كبير، أو أن يكون أول مرة يصدر منه ذلك،فعندها تصبح نظرة الغضب كافية أو الإشارة خفية باليد؛ لأن إيقاع العقوبة قد يجعلالطفل معانداً؛ لأن الناس ينظرون إليه، ولأن بعض الأطفال يخجل من الناس فتكفيهالإشارة، ويستخدم كذلك مع الطفل الأديب المرهف الحس. ويدخل ضمنه التعريض بالكلام، فيقال: إن طفلاً صنع كذا وكذا وعمله عمل ذميم، ولو كرر ذلك لعاقبته، وهذاالأسلوب يحفظ كرامة الطفل ويؤدب بقية أهل البيت ممن يفعل الفعل نفسه دون علم المربي.
خامساً: التربية بالترغيب والترهيب وضوابطها: الترهيب والترغيب من العوامل الأساسية لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتعزيز القيم الاجتماعية. المبحث الأول: الترغيب: ويمثل دوراً مهماً وضرورياً في المرحلة الأولى من حياة الطفل؛ لأن الأعمال التي يقوم بها لأول مرة شاقة تحتاج إلى حافز يدفعه إلى القيام بها حتى تصبح سهلة، كما أن الترغيب يعلمه عادات وسلوكيات تستمر معه ويصعب عليه تركها. والترغيب نوعان: معنوي ومادي، ولكلٍّ درجاته فابتسامة الرضا والقبول،والتقبيل والضم، والثناء، وكافة الأعمال التي تُبهج الطفل هي ترغيبٌ فيالعمل. ويرى بعض التربويين أن تقديم الإثابة المعنوية على المادية أولى؛ حتى نرتقي بالطفل عن حب المادة، وبعضهم يرى أن تكون الإثابة من جنس العمل، فإن كانالعمل مادياً نكافئه مادياً والع**. وهناك ضوابط خاصة تكفل للمربي نجاحه، ومنها: • أن يكون الترغيب خطوة أولى يتدرج الطفل بعدها إلى الترغيب فيما عند الله منثواب دنيوي وأخروي، فمثلاً يرغب الطفل في حسن الخلق بالمكافأة ثم يقال له: أحسن خلقك لأجل أن يحبك والدك وأمك، ثم يقال ليحبك الله ويرضى عنك، وهذا التدرج يناسب عقلية الطفل. • ألا تتحول المكافأة إلى شرط للعمل، ويتحقق ذلك بألا يثاب الطفل على عمل واجب كأكله وطعامه أو ترتيبه غرفته، بل تقتصر المكافأة على السلوك الجديدالصحيح، وأن تكون المكافأة دون وعد مسبق؛ لأن الوعد المسبق إذا كثر أصبح شرطاً للقيام بالعمل. • أن تكون بعد العمل مباشرة، في مرحلة الطفولة المبكرة، وإنجازالوعد حتى لا يتعلم الكذب وإخلاف الوعد، وفي المرحلة المتأخرة يحسن أن نؤخرالمكافأة بعد وعده ليتعلم العمل للآخرة، ولأنه ينسى تعب العمل فيفرحبالمكافأة. المبحث الثاني: الترهيب: أثبتت الدراسات الحديثة حاجة المربي إلىالترهيب، وأن الطفل الذي يتسامح معه والداه يستمر في إزعاجهما، والعقاب يصحح السلوك والأخلاق، والترهيب له درجات تبدأ بتقطيب الوجه ونظرة الغضب والعتاب وتمتد إلى المقاطعة والهجر والحبس والحرمان من الجماعة أو الحرمان المادي والضرب وهو آخردرجاتها. ويجدر بالمربي أن يتجنب ضرب الطفل قدر الإمكان، وإن كان لا بد منه ففي السن التي يميز فيها ويعرف مغزى العقاب وسببه. وللترهيب ضوابط، منها: • أن الخطأ إذا حدث أول مرة فلا يعاقب الطفل، بل يعلم ويوجه. • يجب إيقاع العقوبة بعدالخطأ مباشرة مع بيان سببها وإفهام الطفل خطأ سلوكه؛ لأنه ربما ينسى ما فعل إذا تأخرت العقوبة. • إذا كان خطأ الطفل ظاهراً أمام إخوانه وأهل البيت فتكون بمعاقبته أمامهم؛ لأن ذلك سيحقق وظيفة تربوية للأسرة كلها. • إذا كانت العقوبة هي الضرب فينبغي أن يسبقها التحذير والوعيد، وأن يتجنب الضرب على الرأس أو الصدر أوالوجه أو البطن، وأن تكون العصا غير غليظة، ومعتدلة الرطوبة، وأن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث إذا كان دون البلوغ، ويفرقها فلا تكون في محل واحد، وإن ذكر الطفل ربه واستغاث به فيجب إيقاف الضرب؛ لأنه بذلك يغرس في نفس الطفل تعظيم الله. • ويجب أن يتولى المربي الضرب بنفسه حتى لا يحقد بعضهم على بعض. • ألا يعاقبه حالالغضب؛ لأنه قد يزيد في العقاب. • أن يترك معاقبته إذا أصابه ألم بسبب الخطأويكفي بيان ذلك. المبحث الثالث: ضوابط التربية بالترغيب والترهيب: وهذه الضوابط _بإذن الله_ تحمي الطفل من الأمراض النفسية، والانحرافات الأخلاقية،والاختلالات الاجتماعية، وأهم هذه الضوابط: 1- الاعتدال في الترغيب والترهيب: لعل أكثر ما تعانيه الأجيال كثرة الترهيب والتركيز على العقاب البدني، وهذايجعل الطفل قاسياً في حياته فيما بعد أو ذليلاً ينقاد لكل أحد، ولذا ينبغي أن يتدرجفي العقوبة؛ لأن أمد التربية طويل وسلم العقاب قد ينتهي بسرعة إذا بدأ المربي بآخرهوهو الضرب، وينبغي للمربي أن يتيح للشفعاء فرصة الشفاعة والتوسط للعفو عن الطفل،ويسمح له بالتوبة ويقبل منه، كما أن الإكثار من الترهيب قد يكون سبباً في تهوينالأخطاء والاعتياد على الضرب، ولذا ينبغي الحذر من تكرار عقاب واحد بشكل مستمر،وكذلك إذا كان أقل من اللازم، وعلى المربي ألا يكثر من التهديد دون العقاب؛ لأن ذلك سيؤدي إلى استهتاره بالتهديد، فإذا أحس المربي بذلك فعليه أن ينفذ العقوبة ولومرة واحدة ليكون مهيباً. والخروج عن الاعتدال في الإثابة يعوِّد على الطمع ويؤديإلى عدم قناعة الطفل إلا بمقدار أكثر من السابق. كما يجب على المربي أن يبتعد عن السب والشتم والتوبيخ أثناء معاقبته للطفل؛ لأن ذلك يفسده ويشعره بالذلة والمهانة،وقد يولد الكراهية، كما أن على المربي أن يبين للطفل أن العقاب لمصلحته لا حقداًعليه. وليحذر المربي من أن يترتب على الترهيب والترغيب الخوف من المخلوقين خوفاًيطغى على الخوف من الخالق _سبحانه_، فيخوّف الطفل من الله قبل كل شيء، ومن عقابه فيالدنيا والآخرة، وليحذر أن يغرس في نفسه مراعاة نظر الخلق والخوف منهم دون مراقبةالخالق والخوف من غضبه، وليحذر كذلك من تخويف الطفل بالشرطي أو الطبيب أو الظلام أوغيرها؛ لأنه يحتاج إلى هؤلاء، ولأن خوفه منهم يجعله جباناً. وبعض المربين يكثرمن تخويف الطفل بأن الله سيعذبه ويدخله النار، ولا يذكر أن الله يرزق ويشفي ويدخلالجنة فيكون التخويف أكثر مما يجعل الطفل لا يبالي بذكره النار؛ لكثرة ترديد الأهل "ستدخل النار" أو "سيعذبك الله؛ لأنك فعلت كذا"، ولذا يحسن أن نوازن بين ذكر الجنةوالنار، ولا نحكم على أحد بجنة أو نار، بل نقول: إن الذي لا يصلي لا يدخل الجنةويعذب بالنار. 2- مراعاة الفروق الفردية: تتجلى حكمة المربي في اختياره للأسلوب التربوي المناسب من أوجه عدة، منها: • أن يتناسب الترهيب والترغيب مع عمر الطفل، ففي السنة الأولى والثانية يكون تقطيب الوجه كافياً عادة أو حرمانه منشيء يحبه، وفي السنة الثالثة حرمانه من ألعابه التي يحبها أو من الخروج إلى الملعب. • أن يتناسب مع الخطأ، فإذا أفسد لعبته أو أهملها يُحرم منها، وإذا عبث في المنزل عبثاً يصلُح بالترتيب كُلِّف بذلك، ويختلف عن العبث الذي لا مجال لإصلاحه. • أن يتناسب مع شخصية الطفل، فمن الأطفال من يكون حساساً ليناً ذا حياءيكفيه العتاب، ومنهم من يكون عنيداً فلا ينفع معه إلا العقاب، ومنهم من حرمانه منلعبه أشد من ضربه، ومنهم من حرمانه من أصدقائه أشد من حرمانه من النقود أوالحلوى. • أن يتناسب مع المواقف، فأحياناً يكون الطفل مستخفياً بالخطأ فيكون التجاهل والعلاج غير المباشر هو الحل الأمثل، وإن عاد إليه عوقب سراً؛ لأنه إن هت**تره نزع عنه الحياء فأعلن ما كان يسر. وقد يخطئ الطفل أمام أقاربه أو الغرباء،في نبغي أن يكون العقاب بعد انفراد الطفل عنهم؛ لأن عقابه أمامهم ي**ر نفسه فيحسبالنقص، وقد يعاند ويزول حياؤه من الناس. • المراوحة بين أنواع الثواب والعقاب؛لأن التكرار يفقد الوسيلة أثرها. • مراعاة الفروق الفردية في التربية فالولدالبالغ أو المراهق يكون عقابه على انفراد؛ لأنه أصبح كبيراً، ويجب أن يحترمه إخوانه الصغار، ويعاقب أمامهم عتاباً إذا كان الخطأ معلناً؛ لأن تأنيبه والقسوة عليه في الكلام يحدثان خللاً في العلاقة بين المراهق والمربي، ويكون ذلك أوجب في حق الولدالبكر من الذكور؛ لأنه قدوة، وهو رجل البيت إذا غاب والده أو مرض أو مات. • ومن الفروق الفردية جنس الطفل فالبنت يكفيها من العقاب ما لا يكفي الذكر عادة؛ لأن جسدها ضعيف وهي تخاف أكثر وتنقاد بسهولة