يشهد العالم اهتماماً كبيراً بالمعرفة الموجهة إلى الطفل، لأن الطفل هو المستهدف الأول في عمليات التغيير المستمرة باتجاه المستقبل؛ فالمعرفة ليست حكراً على الكبار، وإنما هي ملك للجميع، تصل إليهم وفق ضوابط منهجية ونفسية وعقلية معينة على مدى العمر كله.
وإذا كانت معرفة الطفل هي الحاضن الأشمل لكل أنواع النشاطات التي توجه إليه، فإن ثقافة الطفل تعنى بشكل رئيسي بأدب الطفل، وهو ذلك الأدب الذي اختلف الناس حول طبيعته وحول تعريفه أيضاً، لتداخله الواضح مع أدب الكبار من ناحية، ولاختلاف مستواه اللغوي ومضمونه الفكري تبعاً للمراحل العمرية المختلفة.
على أن أهم ما يمكن التطرق إليه في هذا الصدد هو الإشارة إلى الشعراء والكتاب الذين يتوجهون بإبداعهم إلى الطفل، إذ يحق لنا أن نتساءل عن ثقافتهم المكتسبة حول الطفل تربوياً ونفسياً وثقافياً واجتماعياً، وعن تحصيلهم النقدي حول مفهوم الفنون المختلفة التي تتوجه إلى الطفل، فما هو اطلاعهم على الدراسات اللغوية التي تشير إلى معجم الطفل في المراحل العمرية المختلفة؟ وما مدى الجدية التي يبدونها في التهيؤ للكتابة للطفل؟
وقبل ذلك كله ما الدوافع الحقيقية وراء الكتابة للطفل؟ أهي دوافع فنية أم تربوية أم أخلاقية أم إرشادية أم هي كل ذلك معاً؟ أم هي دوافع مادية من أجل تحقيق ربح مضمون بسبب رواج سوق كتاب الطفل أحياناً مما يجعل احتمال التضحية بالهدف الأساسي وارداً؟
إن الاحتفال بأدب الطفل يجب أن يسمو في هدفه الأول على كل الأطماع القريبة، فالهدف الأساسي يجب أن ينطلق من غاية تربوية تعليمية ثقافية، لأن أدب الطفل يجب أن ينهض به المبدعون المؤهلون الذين يقبلون عليه بوعي وحب وإخلاص ورغبة في خدمة الطفل يحركهم دافع فني قوي في العيش في عالمه وفق الأسس التربوية الثقافية الأخلاقية.
وإذا كان كتّاب الطفل يجب أن يكونوا مهيئين للكتابة وفق الشروط التي ذكرنا سابقاً، فإن ثمة علاقة قوية بين أدب الطفل وعملية القراءة نفسها؛ فحب الطفل للقراءة ينشأ من سنواته الأولى قبل أن يقرأ فعلياً، فالأم أو الأب أو المربية أو المعلمة حين تقرأ على الطفل من كتاب، أو تروي عليه شفاهياً يظل معلقاً بالمصدر شغوفاً بأن يتمكن هو نفسه من قراءة ما فيه في قابل الأيام.
فعلى المربين ألا يفوتوا هذه الفرصة النادرة التي تضع الطفل على خريطة القراءة الدائمة، والتي أصبحنا نرى لها مبادرات جادّة مخلصة في وطننا العربي، فعلينا جميعا أن نتفاعل مع هذه المبادرات، وأن نتجه مدفوعين بحبنا للأطفال ووعينا بأهمية تربيتهم على حب الكتاب والقراءة إلى جعل القراءة الذاتية جزءاً أساسياً من شخصية الطفل، لا تفارقه ولا يفارقها حتى آخر العمر.
من المهم أن ينشأ الطفل على مصاحبة الكتاب فيكون صديقاً للكتاب منذ سن مبكرة، ولاسيما الكتاب الأدبي، ولعل أفضل كتب الإبداع الأدبي هي القصة التي تمنح الطفل التنمية الحقيقية الواسعة في شتى الأبعاد لأنها الأقدر على استيعاب مجالات المعرفة المختلفة، ولأنها الأكثر استيعاباً للحقول التعبيرية والدلالية المختلفة.
فالطفل الذي يصبح صديقاً للرواية أو القصة أو المسرحية منذ سنيه الأولى يراكم المعارف وينمي اللغة نحوها وصرفها ومعجمها ودلالاتها، ويبرع في القراءة الصحيحة ويتمكن من تنمية مهاراتها المختلفة، فيصبح نموذجاً جيداً لمكتسب اللغة، ويقلل من المبالغ الضخمة التي تنفق على تعلم اللغة الصحيحة دون طائل أحياناً كثيرة.
إن القصة، على الرغم من أنها وسيلة تربية وتسلية وإمتاع، تصبح هنا وسيلة أساسية لتعويد التلميذ على القراءة بمفهومها العام أي في كل الحقول والمعارف، فقراءة القصة ليست مهمة لذاتها وحسب، ولكنها مهمة لتعويد الطفل على القراءة من المهد إلى اللحد.
وتبدو قيمة القصص المتقنة، فوق ما فيها من قيم جمالية، في تعويد الطفل على القراءة السليمة نحوياً وصرفيا، لأنها تعنى بضبط أحرف الكلمة بنية وإعراباً، مما يسهل على الطفل أن يستوعب بنية الكلمة وأن ينطقها نطقاً سليماً، وأن يتعرف معاني الكلمات.
وهناك أمر آخر من وراء قراءة الأعمال الأدبية، ولاسيما الفنون السردية، هو إقرار الأطفال على محاولة الكتابة المبكرة، خاصة الكتابة الإبداعية، فالهيئات التي تشرف على أمور التربية تبذل وقتاً طويلاً في المراحل المختلفة لإصلاح ما جرى عليه التلاميذ من معارف ومهارات لغوية خاطئة تتصل بكل العلوم والمعارف، ولو أنهم تنبهوا على ما في هذا الأمر من فائدة محققة لوجهوا جهودهم المخلصة في هذا الاتجاه الذي يلبي الحاجات اللغوية الأساسية للمتعلم في مراحل حياته كلها.
فقراءة القصص والفنون السردية المختلفة تجذب الطفل، بما تتضمنه من عناصر جاذبة وتشويق ومغامرات وطرائف، إلى عالم الكتاب، وتغريه بأن يتجه إلى محاولة كشف أسراره، فتقوده طوعا إلى محاكاتها والبناء على نمطها، والرغبة في أن يكون له كتابه الخاص الذي يمارس فيه الكتابة راغبا حرا مستمتعا.