شهدت البشرية في عصر النبوة الزاهر أول حملة كبيرة لمحو الأمية بصورة جماعية حين جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء الأسرى ببدر أن يعلم كل منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة ثم قام الذين تعلموا بدورهم بتعليم إخوانهم من أبناء المجتمع الإسلامي ناشرين بذلك أدوات العلم والمعرفة في مجتمع (اقرأ) وإن أمة هذا شأنها وهذا تاريخها الماجد ، لا بد لها أن تعود لتراثها وعوامل نهضتها وحضارتها ..
تعود لتقرأ وتفهم وتؤلف وتصنف وتبدع وتعود للقيادة والريادة من جديد لتضع الأجيال تلو الأجيال على درب الإيمان والعلم في طريق الهداية والرشاد.
ونحن هنا نوصيك يا مربية الأجيال ببذل الجهد لتربية أجيال قارئة ، محبة للعلم والمعرفة ، فتابعي معنا هذه الاقتراحات وابدئي مع طفلك خطوة خطوة من مجرد المطالعة إلى التسلية ثم للقراءة الجادة وطلب العلم :
1- ابدئي من الآن،في أي عمر كان فيه طفلك ، من عمر الشهرين وحتى عمر المراهقة والشباب ولكن بالطريقة المناسبة ، فلكل عمر نوعية معينة من الكتب والقصص ولكل ميول أيضاً ، وتبقى - بلاشك- الفروق الفردية وأنت أدرى بطفلك. المهم أن لا تشعري أن عمره مبكر على تصفح الكتاب مهما كان صغيراً ، ولا تشعري أن الوقت قد فات مهما كان كبيراً .
2- أوجدي في الأسرة الرغبة في القراءة ، بأن تعيني وقتاً لقراءة العائلة كلها ، واقرئي عليهم بصوت عال واجذبي انتباههم بترك الجزء الأخير من القصة مثلاً ، واطلبي منهم أن يتموها بمفردهم أو يقرأها عليهم أحدهم ثم يخبرونك بالنهاية ، وهكذا .
3- اشركي العائلة كلها في القراءة الجهرية . فالأطفال يحبون أن يقرأ عليهم الأبوان أو الجد أوالإخوة الكبار ، وبالتدريج ستجدينهم يقرؤون على زملائهم ومن هم أصغر منهم عمراً .
4- ابقي الكتب قريبة من متناول الأطفال وخصوصاً تلك المناسبة لأعمارهم ، فقد كشفت الأبحاث أن التنشئة في بيت مليء بالكتب ، كثيراً ما يساعد الطفل ليصبح قارئاً مبكراً . تقول إحدى الأمهات وكل أبنائها من محبي القراءة "كنت أحتفظ لأبنائي بمجموعة من الكتب أينما حللت ، وكذلك أفعل اليوم لأحفادي " .
5- اختاري الكتب الجيدة . يقول المربون : أن الأطفال يحتاجون إلى كتب ملائمة لاهتماماتهم وأعمارهم وقدراتهم كما يحتاجون إلى التنوع في القراءة . فالطفل الصغير يجب أن تكون لكتبه مواصفات خاصة ، كأن تكون من الجلد أو القماش أو الورق السميك ، والوحدة الواحدة في الرسومات ، والألوان الصارخة كالأحمر والأصفر ، بينما يحتاج الطفل الأكبر إلى رسومات أكثر وبعض الأسطر المكتوبة ، وهكذا كلما كبر كلما كانت مواصفات الكتاب الجيد له مختلفة .
6- اقرئي على أبنائك مواضيع مختلفة من جرائد ومجلات ، إضافة إلى إشارات الشوارع وأغلفة علب العصير ورقائق الذرة ( الكورن فلكس ) والشوكولاته ، وبهذا النحو تظهر لهم أهمية الكلمات و القراءة في كل ناحية من نواحي الحياة .
7- اجعلي للكلمة حياة ، بإثارة اهتمام أبنائك بالمادة المقروءة . فقبل أن تقرئي عليهم كتاباً جديداً أو قصة دعيهم يتأملون الغلاف واطلبي منهم أن يصوغوا بعبارتهم ما رأوا ، ويحزروا ما يدور عليه الكتاب من عنوانه ، ثم أشيري للصور في القصة واسأليهم " ماذا تظنون يحدث هنا ؟ " وعند انتهاء القصة اسأليهم " كيف يرغب كل واحدٍ منهم أن يغير نهاية القصة ؟ "، فهذا النوع من القراءة النشطة ينمي اللغة ويشجع التفكير المبتكر . وقد كشفت دراسة أجريت حديثاً أن الأطفال دون سن الدراسة الذين يقرأ لهم والدوهم على نحو فعال ومؤثر يسبقون أترابهم في النضج بما بين ستة وثمانية أشهر .
8- ثابري على القراءة لأولادك حتى بعد أن يتمكنوا من القراءة وحدهم ، فالقراءة لهم تقوي على الفهم وتحسن مفردات اللغة عندهم وتقوي الذاكرة ... وعندما يتخطوا الثانية عشر من العمر يمكن أن تطلبي منهم أن يقرأوا عليك أو لإخوانهم الصغار ، ولا تنسي نصيب القرآن الكريم من ذلك ، أقرئيه لهم واجعليهم يقرؤون لك ، أو سمعي لهم غيباً وهم يتابعون قراءتك على المصحف ، فهذا علاوة على أجره العظيم عند الله يعلمهم القراءة ويحببهم فيها ويجعلهم يسعدون باكتشاف قدراتك وقدراتهم ، فيفرحون لإجادتك في الحفظ كما يفرحون عندما تخطئين ويتسابقون ليصوبوا لك الخطأ .
9- استخدمي الهوايات لإذكاء ميول أطفالك للقراءة ، فمثلاً إذا كانت ابنتك تحب المهارات اليدوية الفنية ؛ وفري لها الكتب التي توضح لها طرق اختيار الخامات وتنفيذها. وإذا كان ابنك ممن يحبون الشعر ، وفري له كتباً شعرية مناسبة .
10- اعرضي الكتب الجديدة بأساليب مشوقة في مكتبة المنـزل وتحدثي عنها أو عن فقرة قرأتها في أحد الكتب واتركي أبنائك يبحثون عنها .
11- استغلي المناسبات العامة والخاصة في تزويد الطفل بالكتب والقصص مثل مناسبة النجاح أو زيارة المريض أو الهدايا وكذلك احرصي مع والده على زيارة معارض الكتب والمكتبات باستمرار .
12- اعملي لوحة جذابة في المنـزل ، واكتبي فيها أسماء الكتب التي قرأها أفراد العائلة خلال هذا الشهر ، ويتصدرها ماذا قرأ الوالدان وسيرغب الأبناء أن تكتب أسماءهم في لوحة الشهر وبذلك يسارعون للقراءة .
13- استغلي الأوقات الضائعة ، كانتظار موعد طبيب ، أو موعد طائرة ، أو رحلة طويلة بالسيارة أو الطائرة فاصطحاب كتب يحبها الأطفال ، وقراءتها لهم عامل مهم في تنمية حب القراءة .
14- ممارسي لعبة الحروف الأبجدية مع الدعايات وأسماء الشوارع " أين تجد كلمة كذا ..." .
15- جربي التأليف المشترك لقصة ثم كتابتها فستكون موضع اعتزاز لهم ، ومع العمر الأكبر يمكن ممارسة المساجلات الشعرية باستمرار مما يحثهم على قراءة الشعر وحفظه والاتصال بالكتب .
14- تذكري أن ميول الطفل يمكن أن يكتسب ويوجه وينمى ، وأن اكتشاف رغبات الطفل الإيجابية وتنميتها يؤدي إلى اكتشاف ميول جديدة ؛ فالطفل المولع بالكرة مثلا يمكن أن تهديه كتب حول تاريخها ومهاراتها وقوانينها ومع التوجيه والمتابعة تجعلين منه طفلاً محباً للقراءة ومن ثم تنتقين له كتباً أكثر فائدة .
15- اطلبي من أبناءك الكبار البحث عن كلمة في معجم لغة ، أو عن بلدة في معجم بلدان ، أو عن شخصية في كتب التراجم ، أو معلومة في موسوعة ؛ إن ذلك يفتح لهم أبواباً من المعرفة ، وينمي لديهم الرغبة في البحث وتتبع المعلومة .
16 . اشتركي لأبنائك في مجلات نافعة حسب أعمارهم ، وشجعيهم على المشاركة فيها ، وحل المسابقات فيها .
17. اهتمي بالمكتبة السمعية فالسماع النافع علاوة ما فيه من فائدة ينشط الذهن للمتابعة والقراءة حول موضوع السماع .
18. شجعي مهارات القراءة التعبيرية فقد تكون بداية لتربية عظماء يأخذون بعذب حديثهم وبراعة خطابهم قلوب العباد لطريق الهدى والخير .
19- كوني عادات قرائية جيدة يتصدرها عادة قراءة القرآن بعد صلاة الفجر يومياً – مع استحضار نية العبادة- وتليها عادة قراءة شيء من السيرة ويمكن أن تكون في جلسة عصرية ، أو سمرة مسائية . ولا بأس ببعض الطرف والغرائب .
في الختام ... أوصيك أن تبدئي بانتقاء الأساليب المناسبة لأبنائك مما سبق لتساهمي في إنشاء أمة قارئة تعرف تراثها الثر وتنهض لاستعادة تاريخها المجيد .