) المر ، تلك آيات الكتاب ، والذى أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون(
المر: الحروف المقطعة فى بدايات السور كما شرحنا من قبل وهى :
قال فيها العلماء عدة أقوال :
1 ـ أن هذا القرآن بنفس حروف الهجاء بلغة العرب ، حتى ينتبهوا لما ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يحدثهم فى امور دنياهم وأخراهم
2 ـ أن هذا القرآن ينزل بنفس حروف الهجاء للغتهم ولم يفهموا معناها بالرغم من براعتهم فى استخدام اللغة
3 ـ ويتحدى البلغاء منهم أن يأتوا بسورة مثلها ، أو آية
فهو أداة إعجاز كما كانت العصاة أداة إعجاز موسى
4ـ عندما يحدث البلغاء بحروف لم يفهموها فهذا يجذب الأنتباه
فكأنه يقول ( انتبهوا فالأمر جد خطير)
تلك آيات الكتاب : وهذا القرآن آيات الله لعباده والذى أنزل إليك من ربك الحق : وهذا هو الصحيحيا محمد ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) : ولكن مهما حرصت فإن كثير من الناس لا يؤمنون بسبب عنادهم وظلمهم ونفاقهم ) الآية 2
( الله الذى رفع السموات بغير غمد ترونها ،ثم استوى على العرش ، وسخر الشمس والقمر كلٌ يجرى لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يخبر الله عن عظمة قدرته فى خلق السموات فقد رفعها كالقبة حول الأرض من جميع الجهات بقدرته بدون أعمدة ثم استوى على كرسيه وليس كاستواء البشر وإنما يعلم الله الكيفية والسموات تحاط بالبحر المسجور ويحاط البحر بالعرش والكرسى على العرش أما السماء الدنيا وهى المحيطة مباشرة بالأرض جملها الله بالشمس والقمر والنجوم التى تنير الأرض وكلا من هذه الأجرام السماوية تجرى فى مسار ثابت لا يتغير وذلك لفترة حددها الله حتى تقوم الساعة والله يدبر أمور الخلق جميعا والعباد ويوضح سبحانه الدلالات التى تدل على قدرته حتى تتأكدوا وتؤمنوا أنه قادر على إعادتكم يوم القيامة
الآيات 3 ، 4
( وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ، ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ، يغشى الليل النهار ، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون * وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأُكل ، إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون)
وهو الذى مد الأرض : جعل الله الأرض متسعة ممتدة طولا وعرضا
وجعل فيها رواسى وأنهارا : وجعل فيها جبالا ليثبتها وأجرى فيها الأنهار ليسقى الأحياء على الأرض ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين : وخلق النباتات من كل نوع صنفان يغشى الليل النهار ، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون : وجعل الليل والنهار متتاليان متتابعان وذلك كله لعل الذين عندهم عقول راجحة يفكرون فى عظمة الله وقدرته وفى الأرض قطع متجاورات : أراضى صالحة للزراعة تنفع الناس يجاور بعضها البعض وجنات من أعناب وزرع ونخيل: وفى الأرض جنات تمتلئ بالزروع والأعناب المختلفة والنخيل
صنوان: تجتمع أصولها فى مكان واحد مثل التين والعنب والنخيل وغير صنوان : أو أماكن متفرقة يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأُكل : وجميعها تسقى وتروى بماء واحد ومع ذلك تختلف فى الطعم والرائحة والشكل إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون : ولعل ذلك يكون دلالات على قدرة الله ويتفكر الناس فيها ليتعرفوا على قدرته وصفاته سبحانه وتعالى .
الآية 5 (وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفى خلق جديد ، أولئك الذين كفروا بربهم ، وأولئك الأغلال فى أعناقهم ، وأولئك أصحاب النار ، هم فيها خالدون ) ولو تعجبت يا محمد من هؤلاء الكفار الذين يكذبون بالقيامة بالرغم ما يشاهدونه من آيات الله فالعجب كل العجب من أنهم ينكرون إعادة الخلق بعد الموت فمن يتفكر فى قدرة الله يعلم أن إعادة الخلق أسهل من بداية خلقه إنهم كافرون بقدرة الله سيسحبون فى النار والقيود فى رقابهم وهم خالدون فيها على الدوام
الآية 6 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات ، وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ، وإن ربك لشديد العقاب(
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة : هؤلاء المكذبون يستعجلون بالعقوبة ويقولون لك لو انت على حق هات العذاب الذى تعد به بدلا من الإيمان والحسنات وقد خلت من قبلهم المثلات : وقد وقع ذلك بالأمم السابقة من أمثالهم وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم : ومع ذلك فالله يغفر للناس من ظلم منهم ثم تاب واستغفر وأناب وإن ربك لشديد العقاب : زمع المغفرة للتوابين فإنه شديد العقاب لمن كفر وطغى
الآية 7 ( ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ، إنما أنت منذر ، ولكل قوم هاد ) يقول الكافرون تعنتا وظلما : لو أن محمد أتى لنا بمعجزة من السماء لنصدقه كأن يجعل جبل الصفا مثلا ذهبا أنت يا محمد منذر لهم تبلغ آيات ربك وليس عليك هداهم فالله يهدى من يشاء ولكل قوم نبى بآيات مناسبة لهم
الآيات 8 ـ 9
( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ، وكل شئ عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)
يخبر الله عن علمه التام بكل شئ حتى أنه يعلم الجنين فى بطن أمه ويعلم ما تحمل من ذكر أو انثى ، شقى أم سعيد ، حسن أم قبيح ، ويعلم السقط ( تغيض ) ويعلم ما زاد حمله عن موعده ويعلم كل شئ غائب عن الأعين وكل شئ تراه العباد فالله هو الكبير واكبر من كل شئ وهو المتعال فوق كل شئ وقاهر كل شئ
الآيات 10 ـ 11
( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه ومن خلف يحفظونه من أمر الله ، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ، وما لهم من دونه من وال ) ويعلم ويحيط بكل خلقه ، فيعلم قولهم سواء أكان يسر قوله أو يعلنه ويرى كل خلقه سواء كان يسير فى ظلمة الليل يختفى به أو كان يسير علانية فى النهار وللعبد ملائكة يحرسونه بالليل وملائكة يحرسونه فى النهار ليحفظونه من الحوادث والسوء وكذلك يكتبون كل ما يفعل عن يمينه وشماله ، وذلك بأمر الله
( فلكل عبد اربعة ملائكة فى الليل بين كاتب وحارس وأربعة بالنهار )
والله لا يغير سلوك العباد حتى يغيروا ما بأنفسهم ولو أراد بهم سوء لا يستطع ملائكة ولا إنس ولا جان أن يدفعوه عنهم ولا ناصر لمن أراد الله به السوء
الآيات 12 ـ 13 ( هو الذى يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون فى الله وهو شديد المحال ) البرق : هو ضوء ينشأ بسبب تفريغ كهربى بين سحابتين مشحونتين بالكهرباء المختلفة فى النوع عندما تقتربان
الرعد : هو صوت اندفاع الهواء فى منطقة التفريغ الكهربى إذ ترتفع حرارة الهواء بين السحابتين فيندفع الهواء من المناطق المجاورة إلى منطقة التفريغ
الصاعقة : هى عملية التفريغ الكهربى بين السحاب المشحون وبين القمم المرتفعة للمبانى أو الأشجار وتحترق بسببها الأشياء التى مرت فيها الكهرباء
وكل هذا لا دخل للإنسان فيه وإنما يحدثه الله عز وجل وكلا من الرعد والبرق والصواعق تسبح بحمد الله والله يعلم تسبيحهم والملائكة تسبح بحمد الله والجميع يخشاه
وعجبا للكفار التى تجادل فى آيات الله وقدرته ويشكون فيها والله شديد ( المحال ) القوة .
الآية 14 ( له دعوة الحق ، والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ، وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال )
له دعوة الحق : له كلمة التوحيد لا إله إلا الله والذين يدعون من دونه : الذين يعبدون آلهة غير الله ، فهم لا يستجيبون لهم مثلهم كمثل من يضع يده على الماء فهو لا يملك أن يقبض عليه ليضعه فى فمه فلا يستطيع ودعوى الكافرين باطلة لا تنفع فى الدنيا وهى فى الآخرة عليهم وبال
الآية 15 ( ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) الله قاهر كل شئ خلقه ويسجد لطاعته كل شئ طوعا من المؤمنين وكرها من الكافرين فى الصباح ( الغدو ) وفى آخر النهار ( الآصال )
الآية 16 ( قل من رب السموات والأرض قل الله ، قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، قل هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور ، أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ، قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار ) وهنا إقرار يؤخذ من الكافرين باعترافهم أن الله هو خالق السموات والأرض ومن فيهن فكيف لهم أن يعبدوا غير الله الخالق ويوبخهم بأن لا يتساوى المؤمن والكافر فمثلهم كمثل الأعمى والبصير أو الظلمات والنور لا يتساويان
هؤلاء الكافرون الضالون جعلوا لله آلهة مناظرة تخلق مثل خلقه فتشابه عليهم الخلق فلا يميزون بين مخلوقات الله أو مخلوقات غيره ... وهذا توبيخ لهم ووصفهم بالضلال فالله هو خالق كل شئ ولا شريك له وهو قاهر كل شئ .
الآية 17 ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ، ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حلية أو متاع زابد مثله ، كذلك يضرب الله الحق والباطل ، فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ، كذلك يضرب الله الأمثال )
يضرب الله الأمثال ليوضح للناس أن الحق باق والباطل يفنى فيقول سبحانه وتعالى :
الله ينزل المطر من السماء ويسير الماء فى الأرض شاقا له مجرى ، وهناك مجرى واسع وآخر ضيق وهذا هو حال القلوب منها ما يتسع لعلم كثير ومنها ما هو ضيق وفجأة يأت على وجه الماء زبد عال عليه
ومثال آخر وهو : ما يوقد عليه نار من فضة وذهب ليسيل ويصنع منه الحلية فيعلوا هذا المصهور زبد مثل الذى علا الماء وهذا الزبد فى الحالتين يذهب لا ينتفع به
كذلك الحق والباطل فالحق يستفاد منه والباطل كالزبد الذى لا يستفاد به
الآية 18
( للذين استجابوا لربهم الحسنى ، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما فى الأرض جميعا مثله معه لافتدوا به ، أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم ، وبئس المهاد )
من أطاع الله فله الجزاء الحسن والجنة ، أما الذين كفروا فلهم العذاب الشديد فى النار ولو يمكنهم أن يفتدوا انفسهم بملء الأرض ذهبا لا يتقبل منهم وليس لهم إلا العذاب فى الجحيم وبئس القرار كانت ويسئلون ويحاسبون على جميع أفعالهم .
الآية 19
( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ، إنما يتذكر أولوا الألباب )
يا محمد لا يتساوى عند الله من يعلم من الناس أن ما جئت به هو الحق ولا شك عنده فيه وأنه هو حق من الله ومن كذب ولا يهتدى ولا يفهم ولا يصدق إنما يتعظ من كان لديه عقل يتدبر ويميز بين الحق والباطل .
الآيات 20 ـ 25
( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم و أقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار * جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم ، فنعم عقبى الدار * والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )
وهؤلاء اصحاب العقول : يوفون بعهودهم وليسوا بخائنين ويصلون الأرحام ويحسنون إليهم ويخشون الله ويخافون الحساب يوم القيامة ويصبرون على الطاعات وعلى الإبتلاءات يرغبون رضا الله ويؤدون الصلاة فى مواعيدها ويحسنون أركانها وينفقون المال فى أوجهه الشرعية بلا تبذير ولا تقطير فى السر والعلانية ويدفعون السيئات بالحسنات وهؤلاء لهم نعم الدار و الإقامة فى الجنة خالدين فيها ويجمع بينهم وبين من صلح من ذرياتهم وآبائهم وعشيرتهم والملائكة تدخل عليهم من كل ناحية يهنئونهم بنعم الجزاء ويسلمون عليهم
أما من كفر ومن أثم ونقض عهد الله وخان فليس له إلا سوء الجزاء وسوء الديار فى النار
الآية 26
( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا فى الآخرة إلا متاع )
الآيات 27 ـ 29
( ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ، قل إن الله يضل من يشاء ويهدى إليه من أناب * الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب )
الآية 30
( كذلك أرسلناك فى أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذى أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن ، قل هو ربى لآ إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب )